ربما لا يعتبر وجود مؤلفين جدد فى دراما رمضان التليفزيونية بالظاهرة الجديدة، ولكن هذا الموسم لفت الأنظار تزايد عددهم بنسبة كبيرة طغت على وجود المؤلفين الكبار الذين ارتبطت الدراما التليفزيونية بأسمائهم على مدار السنوات الأخيرة، فمن يحاول أن يرصد ملامح موسم الدراما المقبل سوف يجد نسبة تتجاوز 60% من الأعمال التى تعتمد على مؤلفين شباب من أصحاب التجارب الأولى أو الثانية على أقصى تقدير فى الكتابة للدراما التليفزيونية، منهم محمد أمين راضى فى مسلسل «نيران صديقة»، وياسر عبدالمجيد وعمرو الشامى فى مسلسل «مشوار فرعون»، وعمرو الدالى فى مسلسل «فرح ليلى»، وحازم متولى فى مسلسل «فض اشتباك»، وزكريا السيلى فى مسلسل «خلف الله»، ومريم ناعوم فى مسلسلى «موجة حارة» و«ذات»، وهشام هلال فى مسلسل «تحت الأرض»، وذلك فى مقابل غياب تام لأسماء اعتاد عليها جمهور الدراما الرمضانية مثل محمد صفاء عامر وبشير الديك، فى حين وجود بعض الكتاب الكبار مثل وحيد حامد ويسرى الجندى ومصطفى محرم. فى هذا التحقيق نحاول الوقوف على أسباب هذه الظاهرة التى فرضت نفسها بقوة هذا الموسم، والإجابة عن الكثير من التساؤلات حولها. عمرو الدالى، مؤلف مسلسل «فرح ليلى»، يقول: «ما يحدث على الساحة الآن يؤكد أن الدراما تجدد دماءها بالفعل، فعلى الرغم من حدوث ذلك فى العقود الماضية منذ الستينات والسبعينات مع أجيال سابقة فإن الفترة الحالية تشهد تزايدا فى أعداد المؤلفين الشباب بشكل أكبر، وهذا يرجع فى تصورى إلى ثورة 25 يناير التى أعطت مزيدا من الثقة فى جيل الشباب فى كل المجالات ومنها الكتابة، كما فتحت المجال لكثير من الأفكار التى لم تكن مطروحة قبل قيام الثورة والتى بات الشباب هم الأقدر على التعبير عنها وصياغتها ليعلن فى النهاية جيلنا عن وجوده فى الساحة». ويتفق معه حازم متولى، مؤلف ومخرج مسلسل «فض اشتباك»، حيث يقول: «بحكم اقتراب الشباب بنسبة كبيرة من الشارع ومشاكله فى الفترة السابقة بشكل أكبر من الأجيال الأخرى، باتت لدينا القدرة على صياغة أعمال تحمل نكهة ومفردات عصرية لتلقى ترحيبا ورواجا وتجاوبا ومصداقية من جمهور الشاشة الصغيرة الذى تمرد بدوره على القوالب الثابتة والأفكار القديمة فى الدراما والتى تمسّك بها عدد من المؤلفين الذين ينتمون لأجيال سابقة باستثناء أسماء كبيرة معدودة تقاوم الزمن وتتجدد طوال الوقت، وهذا لا ينتقص من كفاءة الأجيال السابقة ولكنه على الأقل يسمح لنا بالوجود بجوارهم على الساحة بشكل أكبر وأقوى، وفى النهاية يكون الحكم للجمهور وحده الذى يحدد الاستمرارية لأى كاتب بناء على تقبله للمسلسل الذى يقدمه». أما ياسر عبدالمجيد، مؤلف مسلسل «مشوار فرعون»، فيقول: «هذه الظاهرة التى يشهدها هذا الموسم ليست مفاجأة أو وليدة اللحظة، ولكنها نتاج فترة سابقة تصل لخمس سنوات نجح خلالها مؤلفون من جيلنا بشكل فردى فى تقديم تجارب لافتة على الساحة الدرامية أسهمت فى منح الثقة لدى المنتجين والنجوم والمخرجين فى إبداع الشباب، وباتوا يبحثون عن أعمالنا واثقين من حملها لأفكار وتقنيات جديدة على مستوى الكتابة والصياغة جاءت بشكل مواز للنقلة التى أحدثها المخرجون الشباب فى الصورة وتقنيات الإخراج، فأصبح من الطبيعى أن تتزايد نسبة وجود المؤلفين الشباب بالتوازى مع زيادة عدد المخرجين الشباب ومخرجى السينما، وهى فى النهاية ظاهرة صحية تشكل إضافة فى الساحة الدرامية نابعة من التنوع والتعدد». الكاتب والسيناريست بشير الديك يرى أن هذه الظاهرة تبشر بموسم متميز ومتجدد، ويرجع زيادة عدد المؤلفين الشباب لعدة أسباب حيث يقول: «أهم أسباب تلك الزيادة فى رأيى هو تراجع الإنتاج السينمائى الذى من المفترض أن يستوعب الشباب أكثر من الدراما التليفزيونية حيث تشكل لهم السينما مجالا مفتوحا لا سقف لهم فيه لاستيعاب أفكارهم وجنونهم، ولكن الواقع دفع بهم إلى التليفزيون، وأيضاً زيادة عدد المخرجين الشباب فى الدراما فرض الاستعانة بالمؤلفين الشباب وهو أمر طبيعى أن يتعامل الشباب سوياً حيث يتشاركون فى الأفكار والطموح والرؤى والثقافة والأحلام، وتكون لديهم حالة من التردد فى التعامل مع المؤلفين الكبار وبالعكس، ولا يشكل فى ذلك حالة استثنائية سوى وحيد حامد الذى يلجأ للتعامل مع مخرجين شباب فى كثير من الأحيان ربما لأنه يتعامل بمنطق المؤسسة حيث يؤلف وينتج فى نفس الوقت، أما السبب الأخير فهو امتلاك الشباب لطاقة وشجاعة مرتبطة بسنهم تدفعهم للحركة وزيادة الإنتاج رغبة فى إثبات الوجود بعكس المؤلفين الكبار الذين يملكون الكثير من الحسابات التى تجعل التروى سيد الموقف فيقدمون عملا كل فترة ويقل إنتاجهم مما يتيح المجال لوجود الشباب». فى حين يرى المخرج محمد فاضل أن هذه الظاهرة ليست جديدة وإنما مستمرة منذ الستينات وإن لم تكن هناك عملية رصد دقيقة لها بالشكل الذى يجرى حالياً، حيث يقول: «منذ الستينات والمواسم الدرامية المتعاقبة تقدم أجيالا جديدة من الكتاب ينجح فى الاستمرار منهم أصحاب الموهبة الحقيقية فقط، وليس المهم زيادة عدد الشباب والكتاب الجدد بقدر ما ينبغى علينا النظر لما يقدمونه من رؤى وأفكار جديدة تضيف للدراما، فالمسألة ليست مرهونة بالسن فقط وإنما بتجدد الأفكار وتفاعلها مع المتغيرات، والتى من الممكن أن تتوافر لدى كاتب من جيل القدامى، فالحكم والفيصل النهائى إذن لطبيعة العمل التى تتيح للعملية الفنية فرز الأفضل من الأسوأ وتثبيت أقدامه فى المجال الفنى». أما الناقد نادر عدلى فيقول: «فى الغالب أن المؤلفين الشباب الموجودين على الساحة فى الموسم الحالى ارتبط معظمهم بورش عمل مع العديد من الكتاب الكبار أو من خلال الدورات التى تقدم فى المراكز الثقافية بشكل مكثف فى الفترة الماضية، كذلك هناك عامل آخر يرجع لغياب مؤسسات الدولة الرسمية وتراجع دورها فى الإنتاج الدرامى حيث كانت تعتمد على كتاب سيناريو بعينهم تتعامل معهم ولا تغامر بتقديم مؤلفين جدد بعكس منتجى القطاع الخاص الذين قدموا تلك المبادرات على مدار السنوات القليلة الماضية، وأخيراً فإن أجور هؤلاء المؤلفين الشباب أقل بكثير من كتاب السيناريو الكبار مما يجعل هذا دافعا لاختيار المنتجين لهم فى بعض الأحيان». ومن جانب آخر ينفى المنتج طارق الجناينى أن يكون سعى جهات الإنتاج خلف المؤلفين الشباب من أجل توفير النفقات، لافتا إلى أن معيار الجودة وحده هو المقياس لاختيار السيناريوهات التى يتم إنتاجها، وأضاف «الجناينى»: «بالتأكيد إقبال المنتجين والنجوم على التعامل مع مؤلفين شباب يأتى كنتاج للرغبة فى التجديد وطرح أفكار جديدة، وأيضاً لامتلاك الشباب نسبة عالية من الطاقة والحماس نابعة من رغبة فى إثبات الوجود ويكون من نتاجها تقديم أعمال متميزة، ولكن هذا فى نفس الوقت لا يقلل من حجم وخبرة الكتاب الكبار الذين نلجأ لهم طوال الوقت».