الكاتب الصحفى صلاح عيسى له فى قلبى معزة خاصة واحترام مستحق؛ فهو صاحب عبارة رشيقة وأسلوب مبتكر ولغة جذابة ورؤية تاريخية ثاقبة، وأكاد أحفظ كتبه عن ظهر قلب، خاصة ما كتبه عن الثورة العرابية، وله دين فى عنقى عندما سمح لى وأنا ما زلت «عيل» فى الثانوى أن أكتب فى «الأهالى» عندما كانت فى قمة تألقها وانتشارها تحت إشرافه وفى أكثر صفحاتها لمعاناً وهى «الأهبارية» التى كانت تسخر وتنتقد وقتها ما يُكتب فى الصحف القومية، لكل هذه الأسباب ومن أجل قيمة الأستاذ صلاح الراسخة فى الوجدان والعقل أعاتبه على عدد جريدة القاهرة الأخير، التى يترأس تحريرها والتى لم تذكر ولو بحرف اعتصام المثقفين داخل وزارة الثقافة! لا حس ولا خبر ولا تعليق، وزارة الثقافة تحترق ويقتحمها بلدوزر أهوج والمثقفون فى حالة احتقان وجريدة القاهرة تهتم فى صفحتها الأولى بالنجمة كيم كاردشيان وتمثالها فى معرض الحوامل! أما الخبر الثانى وهو عن جوائز الدولة فقد أغفل الخبر لماذا يعطل الوزير الهمام هذه الجوائز ولماذا استقال د. سعيد توفيق، رئيس المجلس الأعلى للثقافة المسئول عن تقديم الأسماء والإشراف على لجان الترشيح، ولم يطرح سؤال عن اقتراب نهاية السنة المالية التى سيتم فيها الجرد ومعه تجريد هذه الأسماء والقامات من استحقاقاتها فى تكريم الدولة! كيف لصلاح عيسى، عاشق التاريخ والمغرم بالغوص والتنقيب فى الوثائق ألا تعلق الجريدة التى يترأس تحريرها على ما يحدث فى دار الكتب والوثائق من أخونة وعلى فزع الكثير من المثقفين وخوفهم على الكنوز التى تمثل ذاكرة هذا الوطن؟! اعتصام على رأسه بهاء طاهر المستند على تاريخه الروائى الرائع وعلى عكازه الضعيف وإلى جانبه صنع الله إبراهيم الذى يتهمه الوزير أنه وباقى المعتصمين ينتمون إلى حظيرة فاروق حسنى، وبالطبع هو لا يعرف أن «صنع الله» رفض جائزة ضخمة لأنه سيتسلمها من الوزير فاروق، اعتصام بهذا الثراء وهذه القوة وما أحدثه من فعاليات فى الشارع لا تغطيه جريدة يترأس تحريرها صحفى معجون بخبرات الصحافة ومهنيتها منذ نجوميته فى جريدة الجمهورية حتى الآن ولا يلقى لها بالاً وينشر خبراً عن فعاليات الأوبرا وهى المغلقة أبوابها حزناً على ما آلت اليه أحوال الثقافة المصرية تحت مظلة وزير ينتمى إلى حزب يعتبر قاتلى السادات مجاهدين لا إرهابيين! وزير يضع نفسه فى مرتبة طه حسين وثروت عكاشة بلا أدنى خجل وكل حصيلته وإسهامه الثقافى كتابان مطبوعان فى سوريا ودرس فى «سيكشن» به خمسة طلاب وما زال يفاخر بأنه لا ينتمى إلى جماعة المثقفين!! ويخطب لنصرة القدس أمام الإخوان الذين عرضوا عليه نقل مكتبه إلى مسجد لإدارة الوزارة من هناك لأن المثقفين الكفرة لا يرتادون المساجد! هل هذا وزير تتعاون معه يا أستاذ صلاح؟ قدمت الكثير من خلال هذه الجريدة وحافظت على استنارتها وتنوعها، لكن من خلال هذا الوزير لن تستطيع أن تستكمل رحلتك الصعبة؛ فالأمواج عالية وقد سحبوا منك القارب والمجداف وقصفوا القلم، والثقافة نبوءة والمثقف زرقاء اليمامة، وقالوا فى الأمثال الشعبية: «اللى ما يشوفش من الغربال يبقى أعمى» وقالوا أيضاً فى الحكم والأساطير: «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض». يا أستاذ صلاح.. اتركها وتوكل.