أسفرت الانتخابات البرلمانية عن تأكيد قوة التيار الإسلامى بجناحيه الإخوانى والسلفى، وبالتالى لا يمكن تفسير نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية وما أسفرت عنه من وصول الفريق أحمد شفيق لجولة الإعادة بمعزل عن الأداء السياسي للإخوان والسلفيين، وهو ما برز في قمته من خلال عدة مظاهر: أولا، تحالف الإخوان مع السلفيين: رغم تنافس الإخوان والسلفيين فى انتخابات مجلس الشعب، إلا أنهما حافظا على علاقات تنسيقية فيما بينهما. وظهر الإخوان أكثر ميلا للتيار السلفى عن أى تيار سياسي آخر، وظهر هذا جليا فى جلسات مجلس الشعب حيث كانت القرارات ومشروعات القوانين (وعددها خمسة عشر قانونا ومشروع قانون حتى الآن فضلا عن تشكيل الجمعية التأسيسية في نسختها الأولى) تمرر بأغلبية مصمتة فى معظم المواقف عبر الأغلبية الإسلامية للإخوان والسلفيين مما أدى إلى تكون صورة ذهنية عند المواطنين أن الإخوان والسلفيين كيان واحد، وبالتالى فعند حدوث بعض المواقف الفردية للنواب السلفيين مثل حادث أنف البلكيمى أو رفع الآذان داخل المجلس، أو تقديم مشروعات قوانين مثيرة للجدل مثل إلغاء قانون الخلع أو خفض سن الزواج والحضانة، تأثر الإخوان بهذه المواقف تأثرا شديداً وتسبب ذلك إلى قلة عدد الأصوات التى حصل عليها مرشحهم فى الجولة الأولى للرئاسة نسبة إلى ما حصدوه من أصوات فى الانتخابات البرلمانية. ثانيا، الرجوع فى التعهد بعدم دفع مرشح رئاسى: مع الاعتراف بأن جماعة الإخوان المسلمين هى الجماعة الأقوى والأكثر تنظيما على الساحة، فإن موقفها الضبابى من منصب رئيس الجمهورية هو أحد الأسباب الرئيسية فى تعقيد المشهد الحالى، فمع تعهدها السابق بعدم دفع مرشح للرئاسة والتخويف من تولي شخصية إسلامية لهذا الموقع، فإن تأخرها الشديد فى محاولة خلق حالة وفاق وطنى ودعم مرشح رئاسى بعينه مع باقى القوى الوطنية يعد سببا رئيسيا فى وجود تهديد بعودة النظام القديم مرة أخرى، فلا يمكن تصور وجود أى قوة قادر على منافسة مرشح رئاسى عليه قبول وطنى عام وتدعمه جماعة الإخوان بكامل ثقلها ونفوذها؛ فالأغلب فى حالة حدوث ذلك هو فوز المرشح المدعوم من القوى الوطنية والإخوان من الجولة الأولى. وإنهاء التفتت الثورى الذى شهد عدة مرشحين للرئاسة من المحسوبين على الثورة فى مقابل تكتل من قوى النظام القديم خلف مرشح واحد. ومع التسليم الكامل بحق جماعة الإخوان بتقديم مرشح للرئاسة، لكن الرجوع عن تعهدها وضع الجماعة تحت قصف إعلامى متواصل أدى بالتأكيد للتشكيك فى مصداقيتها ووصفها بأنها لا تحتفظ بوعد وأنها تسعى دوما إلى السلطة. ومع استبعاد اللجنة العليا للانتخابات للمهندس خيرت الشاطر واستبدال الإخوان الشاطر بالدكتور مرسى زاد الأمر صعوبة فيما يخص بالدعاية والتسويق لمرسى، وزاد الأمر بإعلان حزب النور والدعوة السلفية دعمهما للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح مما أدى إلى تفتييت الجبهة التصويتية الإسلامية والجبهة الثورية ككل فى الانتخابات، فقد كانت أصوات الإخوان والسلفيين فى حالة دعمهم لمرشح ثورى غير إسلامي كفيلة بأن تبعث به للقصر الجمهورى من الجولة الأولى. ثالثا، فتح العديد من المعارك فى وقت واحد: وقعت جماعة الإخوان فى خطأ فتح العديد من الجبهات فى وقت واحد، فمع تصاعد حدة هجومها على حكومة الجنزورى ومطالبتها بتشكيل الحكومة، وفشلها فى تشكيل الجمعية التأسيسية واتهامها بالسعى إلى السيطرة عليها، وقعت الجماعة تحت ضغط المجلس العسكرى والقوى السياسية المنسحبة من الجمعية التأسيسية، وبعد اتخاذ الإخوان القرار بالمشاركة فى السباق الرئاسى ازداد الهجوم السياسى والإعلامى عليها مع وجود مخاوف قد تكون مبررة من سعى الجماعة للسيطرة على التشريع والتنفيذ وصياغة الدستور، ويمكن القول أنه لو نجح الإخوان فى إدارة تشكيل الجمعية التأسيسية بصورة أفضل وإخراج صورة مطمئنة للرأى العام فإن سعيها للرئاسة كان سيكون أكثر سهولة، وما كانت لتخسر العديد من الأصوات التى حصدتها سابقا بحجة الخوف من سيطرة الإخوان على مفاصل الدولة. رابعا، تناقض السلفيين بين الدعم الإسمي والغياب الفعلي في المشهد الانتخابي: كان لدعم حزب النور والدعوة السلفية للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح أثر مزدوج على السباق الرئاسى، فمن ناحية أثار مخاوف العديد من أنصار أبوالفتوح من التيار الليبرالى والأقباط وأدى إلى لجوءهم للتصويت لمرشحين آخرين، وفى نفس الوقت أدى إلى عدم قدرة السلفيين أنفسهم على الحشد التصويتى خلف دكتور أبوالفتوح بسبب خطابه غير الأصولى والذى لم يمكن القيادات السلفية من إقناع قواعدها به. مما أدى إلى تراجع أبوالفتوح إلى المركز الرابع بعد أن كانت كل التوقعات تشير إلى دخوله لجولة الإعادة. خامسا، التراخى التشريعى وغياب الرؤية الاستراتيجية: مع سيطرة التيار الإسلامى بجناحيه الإخوانى والسلفى على مجلس الشعب، يمكن الإشارة إلى خطأين أثرا على مسار السباق الرئاسى، الخطأ الأول هو التراخى فى إصدار قانون العزل السياسى مع بدأ الدورة التشريعية، هذا التراخى استمر مع إعلان شفيق عن نيته فى خوض السابق الرئاسى، وامتد مع فتح باب الترشح، لكن نزول اللواء عمر سليمان أدى إلى اضطراب داخل البرلمان وتم استصدار هذا القانون خصيصا لعمر سليمان وتم تضمين شفيق معه حتى يبدو الأمر عاما، لكن هذا القانون الذى استصدر فى الأمتار الأخيرة أدى إلى وجود اضطراب تشريعى وقانونى وفى نفس الوقت أعطى شفيق فرصة إعلامية غير مسبوقة مع تعاطف بعض المتابعين. الخطأ الثانى كان التراخى أيضا فى إصدار قانون عفو شامل عن السجناء السياسيين، الأمر الذى تسبب فى استبعاد المهندس خيرت الشاطر من قبل اللجنة العليا للانتخابات بسبب موقفه القانونى. كل تلك العوامل السابقة أثرت تأثيرا مباشرا على قدرة الإخوان والسلفيين فى التأثير الإيجابي على الناخبين فى السباق الرئاسى، بل أدى إلى رفع معدلات التصويت العقابي والاحتجاجي ضدهم. كما أدى تشتت الكتلة الإسلامية داخلها وعدم قدرتها على التفاعل الإيجابي مع العناصر الثورية غير الإسلامية وإلى استحالة خلق ائتلاف وطنى عام ينقذ مصر من المشهد المعقد الذى تمر به الانتخابات الرئاسية حاليا مع وصول الفريق أحمد شفيق للإعادة مع الدكتور محمد مرسى مرشح الإخوان. أخبار متعلقة: كيف وصل شفيق ومرسي للإعادة ؟! ..أخطاء ثورية واختلافات سياسية "استعلاء الثوار" أضاف ملايين الأصوات لصالح النظام السابق انقسمت القوى بين حمدين وأبو الفتوح.. ففاز شفيق ومرسي تحالف كارهي الثورة مع حزب "الكنبة" حاولوا إجهاض الثورة من أول يوم