إنها حرب على الإعلام تستهدف إسكاته تماماً عن النقد وكشف الحقائق، وتحويله إلى بوق للدعاية للنظام الحاكم والجماعة التى يمثلها. ليس هذا موقف المعارضين لجماعة «الإخوان»، ولا تصورات الصحفيين والإعلاميين عن الخطر المحدق بهم وبمهنتهم وبالمصلحة الوطنية، ولكنها حقيقة بدأ العالم ينتبه إليها، وهى حقيقة ستكون لها عواقب وخيمة. فها هى مفوضة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان نافى بيلاى تعرب عن قلقها العميق إزاء «تراجع الحريات فى مصر لمستويات أدنى مما كانت عليه إبان عهد الرئيس السابق حسنى مبارك». الأممالمتحدة تفهم الآن أن أوضاع الحريات فى مصر، فى عهد «الإخوان المسلمين»، باتت أسوأ مما كانت عليه فى عهد مبارك، الذى قامت ضده ثورة أطاحت به تحت شعار «الحرية». تقول بيلاى كلاماً خطيراً يجب الانتباه إليه؛ مثل: «إن مصر تخاطر بالانجراف بعيداً عن المثل العليا التى ألهمت ثورة يناير»، و«هناك تضييق على الصحفيين فى عملهم عبر مقاضاتهم فى المحاكم». لا يقتصر الأمر على الأممالمتحدة وحدها، لكن هناك أيضاً تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» عن «صيادى حرية الإعلام فى الإعلام»، وهو التقرير الذى يحظى بمكانة واعتبار كبيرين، والذى حوى حقائق صادمة فى نسخته الأخيرة لم ينتبه إليها كثيرون. تقول المنظمة فى تقريرها، الذى صدر قبل أسبوع واحد، إن جماعة «الإخوان المسلمين» وأنصارها انضمت إلى قائمة «صيادى حرية الإعلام» فى العالم، التى ضمت هذا العام 39 اسماً جديداً لرؤساء دول وسياسيين. تضم القائمة للمرة الأولى هذا العام، إضافة إلى «إخوان مصر»، كلاً من «جبهة النصرة» فى سوريا، وجماعات «البالوشستية» المسلحة فى باكستان، والمتطرفين الدينيين فى جزر المالديف، والرئيس الصينى تشى جينبينج. إنها تشكيلة موحية تضم عدداً من الجماعات والقادة السياسيين الذين يعرف العالم أنهم يكرهون الإعلام، ويحقدون على الإعلاميين، ويسعون إلى قمعهم أو قتلهم أو إسكاتهم بأى ثمن، أو تحويلهم إلى آلات دعاية تعمل فى خدمتهم لتنويم المواطنين وخداعهم. يوضح أمين عام المنظمة كريستوف دولوار، دور «صيادى حرية الإعلام» فى قمع الإعلام وترويعه؛ فيقول: «صيادو الحرية هم المسئولون عن بعض أسوأ أعمال الانتقام من وسائل الإعلام وممثليها.. تلك الأعمال تزايدت بشكل كبير، حيث كان عام 2012 أحد أعنف الأعوام فى التاريخ بالنسبة إلى العاملين فى مجال الإعلام». لاحظ استخدام دولوار تعبير «الانتقام من وسائل الإعلام»، إنه استخدام موفق للغاية، فما تفعله جماعة «الإخوان المسلمين» حيال المجال الإعلامى ليس سوى محاولة للانتقام والتنكيل، تكشف عن أحقاد عميقة تجاه الإعلاميين وطبيعة العمل الإعلامى ذاته. أما منظمة «مراسلون بلا حدود» التى تعلن تقريراً سنوياً مهماً يرتب بلدان العالم على «مقياس حرية الصحافة»، فقد أكدت بدورها الوضع المزرى لحرية الإعلام فى مصر فى أعقاب وصول «الإخوان» إلى الحكم. وضعت المنظمة مصر فى المرتبة 158 من بين 179 دولة، ووصفت الموقع الذى احتلته مصر فى هذا الصدد ب«غير المشرف»، وأشارت إلى أن من بين الأسباب التى أدت إلى بلوغ مصر هذا الموقع المتدنى ما جرى من «تعيينات على رأس المؤسسات الإعلامية الحكومية، والاعتداءات الجسدية، والمحاكمات المتكررة التى طالت الصحفيين». يعد تقرير «مراسلون بلا حدود» أحد أهم التقارير التى يستند إليها الرأى العام العالمى فى تقييم حرية الصحافة فى أى بلد من البلدان؛ لذلك يجب أن نعرف أن مصر مثلاً سبق أن احتلت المرتبة 127 على هذا المقياس، كما أنها كانت فى المرتبة 146 فى عام 2008، كما يجب أن نعرف أيضاً أن ناميبيا وبتسوانا وبوركينا فاسو وموريتانيا وموزمبيق ومدغشقر وإسرائيل، بل وأفغانستان أيضاً، سبقتنا فى مجال حرية الصحافة وفق هذا المقياس فى العام 2013. فى مطلع هذا الشهر، أعلنت منظمة «فريدوم هاوس» بدورها تقريرها السنوى عن حرية الصحافة فى بلدان العالم المختلفة، وقد كانت المنظمة واضحة جداً حين أكدت أن مصر انتقلت إلى أسوأ تصنيف ضمن دول العالم فى مجال الإعلام، وهو تصنيف «دولة غير حرة»، فى الوقت الذى حققت فيه دولتا تونس وليبيا «مكاسب كبيرة» على الصعيد نفسه، وفق ما أكد التقرير. علينا أن نقف الآن ونتساءل: كيف أخذتنا ثورة كان شعارها «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» إلى وضع نصبح فيه «دولة غير حرة»؟ يدفع الإعلام المصرى أثماناً فادحة على مذبح الانتقام «الإخوانى»، ويعانى ضغوطاً هائلة فى العام الأول من حكمهم؛ وهو أمر بات يقلق العالم.. فهل نقلق نحن؟