واحد من أهم التحديات التي تواجهنا الآن هو وقف هذا التدهور المستمر في أداء الثورة المصرية. وهي مسئولية مشتركة بين الجميع بما لا يعفى منها المجلس الأعلى للقوات المسلحة سواء كان أراد الحق فأخطأه أما أراد الباطل فأصابه. ولكن سأركز في هذا المقال على الشق الخاص بمسئولية الثوار، حيث ألاحظ ثلاثة أمراض أصابت الثورة وتفاقمت على نحو قد يؤدي بالثورة لأن تفقد شرعيتها (أي قبول الناس التام بها). أولا هناك انفصال واضح بين الطليعة الثورية (ممثلة تحديدا في رموز الثورة) وبين عموم الناس الذين قامت الثورة أصلا من أجلهم. ولا يكفي في تقديري إلقاء اللوم على أجهزة الإعلام أو بعض التصريحات المنسوبة لقيادات المجلس العسكري في مرحلة سابقة لتفسير تراجع مكانة الثورة والثوار في قلوب وعقول الناس. ثانيا هناك إفراط في استخدام الأدوات الثورية لأسباب غير ثورية. ما يغلب على ظني أن أهداف الثورة الأصلية كانت أهدافا وطنية عامة ابتداء وانتهاء ومنضبطة بعدة قيود على رأسها أنها ثورة غير قابلة للاختطاف أو للتشيع لصالح فريق أو طائفة. ومن هناك كانت دعوة عموم الناس للالتحاق بها، وقد كان. أما الآن فمن الواضح أن هناك من يبدأ فعلا احتجاجيا مستخدما أداة ثورية مثل التظاهر أو الاعتصام، وما أن يعلن مطالبه حتى تنبري بعض القوى الثورية لدعمه بغض النظر عن مضمون المطلب ومدى اتساقه مع الهدف الأصلي للثورة. لو لم أكن مخطئا، فالثورة لا تعني الحرية بلا ضوابط (أي الفوضى) وإنما الحرية في حدود القانون، وإذا كان تغيير القانون ضرورة، فليكن هذا هو الهدف المرحلي. لكن دعم أي مطلب، مهما كان غير منطقي، لمجرد أنه ارتبط بأداة ثورية يعني أننا بدأنا نقدس الأداة دون استيعاب لنتائجها. ثالثا عدم التفرقة بين "الثائر" و"الراكب" و"المندس" حيث يوجد ثائرون نجحوا في أن يحركوا المياه الراكدة وأحسنوا في رفع وعي المصريين بحقوقهم وأحسنوا استخدام الأدوات الثورية، ومع هؤلاء، يوجد «راكب الموجة» وظهر مع هؤلاء وأولئك «المندس». أما راكب الموجة فهو الذى يعتبر أن المرحلة الانتقالية (بما فيها من غياب مؤسسات الدولة التمثيلية وعلى رأسها البرلمان، وضعف فى مؤسساتها القمعية وعلى رأسها الشرطة) هى فرصته لكى يأخذ حجما أكبر من حجمه وأن يتحدث بلسان الزعامة وأن يثبت حالة «النضال» التى هو عليها قبل أن تأتى الانتخابات لتكشف الأوزان النسبية الفعلية للجميع. أما المندس، وفي قول آخر "الثورجي"، فهم فئة ممن «يتظاهرون بالتظاهر» من أجل التصعيد وصولا إلى مواجهة حقيقية بين الجميع ضد الجميع. وهؤلاء ينتجون على نحو مباشرة ظاهرة الثورجي المضاد وهو البلطجي الذي سواء كان مدفوعا بحاجته للقمة العيش أو مدفوعا له من قوى معادية للثورة، لكن الثورجي والبلطجي ليسا بعيدين عن بعدهما في منطق لي ذراع المجتمع كله حي يكون رهينة عندهما. وهو ما يضاعف من مسئولية الثوار الحقيقيين الذين يعرفون أهداف الثورة الحقيقية وأن أفضل ثورة هي التي تحقق أهدافها بحيث لا نحتاج لثورة أخرى لأن مؤسسات الدولة تلبي مطالب الناس. تجاهل المخاطر السابقة يعني أن الثورة أصبحت لمن نطق بها حتى لو أساء استغلالها، وهو ما يفرض أن نفكر كثيرا قبل أن ينسب البعض لها مطالبه الجزئية وكأنها مطالب وطنية.