تزداد الفكرة قوة وصلابة، وتكتسب قيمة كبيرة كلما ازداد عدد المؤمنين بها، وتموت تماماً وتنقضى ثم تتلاشى إذا تخلى عنها الرفاق وانفضّوا من حولها، تماماً مثل الدين الجديد الذى يأتى غريباً محاصراً منبوذاً يتعرض للنكاية والإنكار بل وللإجهاض غالباً، ويستهزئ به حتى أولئك الذين رزحوا طويلاً تحت قمع العبودية والقهر متشككين فى قدرته على أن يخلصهم من قيد الأسر، ثم بعد ذلك يجتاح هذا الدين كل الأرجاء، ويصل لأقصى درجات الرفعة والسمو، وكلما تدفقت أعداد المؤمنين به، ومن بعدهم التابعين، أصبح سامقاً يلامس أطراف السماء.. وهكذا الثورات كلما آمن بها أغلب المجتمع وبث فيها الروح كانت كطفل ينمو سريعاً، ثم يصير فتياً يستطيع أن يتحرك ويصنع من حوله حياة.. حالة جديدة تنمو من قلب العدم، مثل طائر العنقاء الذى بعد أن يحترق ويصير رماداً سنوات طويلة، تجده ينبعث فجأة ويخرج من قلب الرماد ليحلق بأجنحته صوب السماوات المفتوحة.. الثورة هى حالة إعادة ميلاد جديد للمجتمع الذى مات طويلاً كطائر العنقاء دون أن يدرى.. ميلاد جديد يكتب فيه الشهداء بدمائهم الطاهرة محل وتاريخ الميلاد الذى يظل أبد الدهر علامة فاصلة فى تاريخ الشعوب، ولأن الثورة هى إعادة الحياة بعد حالة الموات فغالباً ما يبدأ الطفل الجديد حياته بالصراخ والبكاء، محاصراً بظروف صعبة وقاسية لم يعتدها وهو جنين آمن فى بطن أمه، ويظل هكذا حتى يشتد عوده ويتمكن من السير على قدمين ثابتتين ثم ينطلق بعدها متألقاً فى مضمار الحياة.