بعد أن استقبلت «الوطن» استغاثات عاجلة من 4500 معاق من الشرقية، موجهة إلى أجهزة الدولة، ولكن لا حياة لمن تنادى، تلقت الجريدة عددا كبيرا من الاستغاثات من 5 آلاف معاق فى أسوان، حيث يحصل الشباب من ذوى القدرات الخاصة على تأشيرات عمل لا يتم تنفيذها، على الرغم من أحقيتهم فى العمل وفق نسبة ال5% قانونا، قائلين إن المحافظ أعطانا تأشيرات عمل «مضروبة»، ورفض مقابلتنا كأننا «مصابون بالجرب». والغريب أن ذوى الاحتياجات الخاصة المتضررين الذين تقدموا بشكاوى عديدة من هذا الوضع غير القانونى، يتلقون بشكل مباشر وواضح تهديدات بالتعرض للإيذاء الشديد إذا لم يسحبوا شكاواهم، ويبدو أن حال البلاد فى التعامل ب«ثقافة العنف والبلطجة» أصبحت هى أيضاً سيناريو التعامل مع ذوى الإعاقة. فى البداية، تقول رشا فوزى سيد، 34 سنة، العضوة المتطوعة فى جمعيه «طريق الأمل»، «إن أسوان ما زالت تعانى حتى الآن من النظام الفاسد المستبد الذى لم تبدله الثورة ولم تغيره الحكومات، بل ومع الأسف كان هذا النظام يتعامل بلطف أكثر معنا نحن المعاقين، أو كان على الأقل يبدو أمامنا أكثر لينا وعطفا وإحساسا بما نعانى». وتضيف «رشا»، «وأقص عليكم أحداثا نعيشها كواقع لا يتصوره عقل ولا يقبله شرع ولا قانون ولا إنسانية، فقد أعلن مكتب المحافظ عن موافقته على تعيين 325 شخصا، وقدمنا أوراقنا على أمل أن يكون لنا حق تعيين مثل الآخرين، وبالفعل تقدمنا إلى (المجلس القومى للمعاقين) وتحدثنا مع المسئولين فيه بصراحة شديدة عن الأوضاع التى يعانى منها معاقو أسوان، ولكن المماطلة السخيفة وسياسة (اللى يصبر ينول) كانت هى سمة المعاملة معنا، فالكل يتعامل بوجه عبوس لا يبتسم حتى فى وجهنا وكأننا «شحاتين»، المهم أننا صبرنا على ذلك وكان إصرارنا واضحا». وإزاء هذا الإصرار، تتابع «رشا»، «تفضل أعضاء المجلس علينا مشكورين وقاموا بالتنسيق لتحديد موعد مع المحافظ ليقابلنا أنا وزملائى المعاقين لإعطائه الطلبات الموجهة إليه من المجلس للمطالبة بتفعيل قانون ال5% للمعاقين، خاصة أن الفرصة متاحة وسهلة بعد توفر 1049 وظيفة لنا، وبعد صبر طويل حدثت المعجزة وقابلنا المحافظ مصطفى السيد فى شهر مارس الماضى، وكان أقصى طموح لنا فى هذه المقابلة هو الحصول على ورقة حكومية تحمل ختم النسر، يمكن أن تمنحنا بعضا من حقوقنا الضائعة فى فرصة عمل، وهو ما تم يومها، بل هو الشىء الوحيد الذى استطعنا الحصول عليه من المحافظ، حيث تمكنا بعد طول صبر وجدال من الحصول على تأشيرة موجهة منه إلى مسئول التنظيم والإدارة بالمحافظة، وكان لهذه التأشيرات فرحة كبيرة، ولكن للأسف.. يا فرحة ما تمت». ويستكمل أحمد محسن خليل، 24 سنة معاق، حاصل على ثانوية عامة ولا يعمل، قائلا «كانت التأشيرات موجهة من المحافظ إلى مدير التنظيم بالمحافظة، فذهبنا إليه والأمل يحدونا أن يتحقق حلمنا المشروع فى العمل، ويتم تنفيذ هذه القرارات، وكانت المفاجأة أن مقابلة السيد المسئول لنا كانت فى منتهى الفتور وعدم الإحساس، ففى منتهى التعالى تحدث الرجل إلينا قائلا (أنتم لستم ضمن القانون الجديد)، فقلنا له (نحن معنا قرارات من السيد المحافظ، ونحن أصحاب حق ولدينا أمل أن تقوم بدورك كمدير للتنظيم بالمحافظة)». ويتابع «أحمد»، «وهنا، وبعد أن تعصب علينا وبدأ صوته يعلو نوهنا عن احتمال اعتصامنا بالمحافظة إن لم يتم تنفيذ مطالبنا العادلة، خاصة أن معنا تأشيرات من أعلى مسئول حكومى فى المحافظة، فاجأنا الرجل بما هو أنكى، حين قال إنه ليس مدير التنظيم والإدارة، بل هو أحد نوابه ولا يهمه لا تأشيرات ولا قرارات ولا اعتصامات، بل وتمادى فى موقفة الغريب منا، وأهان التأشيرات وصاحبها والمدير عدة مرات، قائلا (عندكم المحافظ ومدير التنظيم والإدارة وأى مسئول كبير روحوا قابلوهم)، والمدهش أننا حينما ذهبنا على الفور لمقابلتهم، وهو أمر لم نكن نتوقعه، رفضوا مقابلتنا، ولم يسمعوا حتى شكوانا من الرجل الذى أهانهم وأخطأ فى حقهم!». وبعد صمت مرير، يضيف «أحمد»، «وهنا قررنا أن نُشعر الآخرين بنا وأن نأخذ حقنا بأنفسنا وبقوة القانون، وقررنا على الفور الاعتصام أمام مبنى المحافظة للمطالبة بتنفيذ مطالبنا والحصول على حقوقنا التى هى فى الأساس خدمة للدولة نتحول من خلالها إلى مساهمين فى التنمية، بدلا من انتظار يد المساعدة من أحد، وحضرت بعض وسائل الإعلام ومنها قناة (مصر 25) وقناة (الجزيرة) وبعض الصحف ونقلت الأحداث، واستمررنا طوال اليوم معتصمين تحت أشعة الشمس المحرقة، ولم نأكل أو نشرب خلال اليوم الذى كان يوما شاقا جدا، لأننا لم نستطع تحمل الاعتصام لفترة طويلة، خاصة أن بعض الزملاء بدأوا يصابون بالإرهاق جراء ذلك، ومنا من لم يستطع استكمال الاعتصام فذهب إلى حال سبيله عائدا إلى بيته، مكتفيا من الغنيمة بالإياب كما يقولون». أما محمد عبده مصطفى، 21 سنة، حاصل على دبلوم زراعة ولا يعمل، فيقول «بعد فترة ليست قصيرة من أول يوم اعتصام استكمل المحافظ إهانتنا حيث لم يرد علينا نهائيا بل لم يرسل لنا أى موظف أو حتى ساعٍ من المحافظة ليعرف ما سبب الاعتصام، وخرج أمامنا بسيارته من ديوان المحافظة ولم ينظر لنا وتجاهلنا تماما كأننا كوم مهمل، لقد اعتصمنا تحت الشمس ومر علينا المحافظ بسيارته فأغلق زجاجها فى وجوهنا «علشان التكييف»، باعتبارنا شريحة مهمشة من فاقدى الأمل الذين يعيشون فى ظل هذا النظام الفاسد المستبد الذى لا يهتم بهؤلاء الضحايا من أمثالنا، والمفاجأة أن يتم تعيين زملاء آخرين مثبتين فى جهات حكومية». ويستطرد «محمد»، «نحن لا نطلب المستحيل من السيد المحافظ، بل نطالب بحقنا فى التعيين وفق نسبة ال5% التى أقرها دستور مصر، خاصة أنه فى مارس الماضى تم تعيين معاقين فى محافظة البحيرة، وفى سوهاج تم تسليم 77 جهازا تعويضيا لإخواننا من المعاقين، فهل محافظ أسوان لم يسمع بذلك، ولا يعرف ما أقره الدستور؟ وأين مبادئ الثورة من عيش وحرية وعدالة اجتماعيه؟». وأما الجزء المثير والأكثر إزعاجا فى «مغامرات ذوى الإعاقة مع محافظ أسوان»، فترويه هبة الكبير، معاقة حاصلة على دبلوم تجارة بدون عمل، قائلة: هناك تجاوزات بشعة لا حصر لها تحدث بين المجلس القومى للمعاقين بأسوان، وتحديدا ميرفت السمان، مسئولة المجلس بالمحافظة، وبين بعض الجمعيات التى تتعامل مع حقوق ذوى الإعاقة فى أسوان، وكأن المصالح تتضارب بينهما، مع أن من المفترض أن يكون الهدف واحدا، ولكن يبدو أن الحقيقة عكس ذلك تماما، فبعد أن وصلت حدة المناقشة بيننا نحن المعاقين وبينها إلى درجة مؤسفة، وأصبحت العلاقة ليست على ما يرام، واشتد الخلاف بيننا، تقدمت بمذكرة سجلت فيها هذه التجاوزات إلى الدكتورة هالة عبدالخالق، الأمين العام للمجلس، حاولت فيها شرح ما وصلت إليه الأمور بين المجلس والمعاقين، على الرغم من أنهم أصحابه فى الأساس، وعلمت من المسئولين عن الشكاوى أن السيدة «هالة» وعدت بمتابعة الموضوع بنفسها، وقد سرنى جدا تأكيدها أنها ستتقصى عن محتوى المذكرة وتتأكد بنفسها من مدى صدق أو كذب ما ورد فيها». وتضيف «ويبدو أن د. «هالة» قد بدأت فى تنفيذ ما وعدت به فعلا، فبعد وقت قليل من وعدها بمتابعة المذكرة فوجئت باتصال تليفونى مريب وغريب، حيث تعرضت ولأول مرة فى حياتى للتهديد الصريح والمباشر بالتعرض للمساءلة القانونية و«البهدلة» فى المحاكم عبر رفع عدد كبير من القضايا ضدى، إذا لم أسحب المذكرة المقدمة ضد السيدة مرفت السمان فورا، مع الاعتذار العلنى والفورى للمشكو فى حقها عما بدر منى من سوء تقدير لمواقفها الوطنية والإنسانية والمهنية فى مجال خدمة معاقى أسوان، وأن أبادر بهذا الاعتذار علنا وفورا قبل أن تتحرك المذكرة أكثر من ذلك وإلا سيحدث لى ما لا تحمد عقباه». وتتوقف «هبة» عن الكلام لحظة، ثم تتابع «ولأننى صعيدية أبا عن جد، ورثت الجدعنة والشجاعة ولا أخشى إلا الله، فإننى من خلالكم أبعث برسالة إلى كل من ينتظر منى الاعتذار والندم على مواقفى ضد الفساد، وأقول لهم (لن يحدث هذا أبدا ولو على جثثنا، فسوف نستمر فى المطالبة بمحاسبة الفاسدين فى المجلس، وسنستمر فى المطالبة بالحصول على حقوقنا التى كفلها لنا القانون، ووصلتنا بتضحيات كبيرة قدمها من سبقونا فى النضال، وأنا لا أخاف ولن أسحب المذكرة لأنى على حق، وبيننا وبينهم القانون، وإذا لم ينصفنا القانون لأنه مع الأسف بين أيديهم، فإن بيننا وبينهم طريق القضاء النزيه، ولو الحكاية حكاية نفس طويل وصبر، فسوف تُهزمون فى النهاية بالضربة القاضية».