كان الدين والسياسة فرسى رهان فى دراما رمضان الماضى، حيث تسابق صنّاعها فى استخدام الثورة كتيمة مضمونة. لكن دراما هذا العام اختلفت كثيراً. فعند البحث عن الخطين السياسى والدينى فوجئنا أن معظم صنّاع الدراما حذرون جداً.. حتى إن معظمهم تفادى هذه المنطقة الملتهبة. ومن تجرّأ وتعرّض للدين أو السياسة أو كليهما.. فعلها على استحياء، وكأنهم يرفعون شعار «إنما للسياسة حدود»، باستثناء أعمال قليلة مثل «الداعية» و«موجة حارة» و«بدون ذكر أسماء». الكاتب وحيد حامد -كعادته- لا يتناول عملاً دون إقحام السياسة. وفى مسلسله الجديد «بدون ذكر أسماء» للمخرج تامر محسن، تحدّث «وحيد» عن الفترة من 1985 إلى 1995، وما حدث خلالها من متغيّرات سياسية واجتماعية واقتصادية شكّلت المقدّمة والتمهيد للوضع الحالى. المسلسل بطولة روبى وأحمد الفيشاوى وحورية فرغلى وعبدالعزيز مخيون. ومسلسل «الركين» الذى كتبه ويخرجه جمال عبدالحميد يبدو فى ظاهره اجتماعياً يتحدث عن مهنة «منادى السيارات»، إلا أن الشخصية الرئيسية «جيكا» التى يجسّدها محمود عبدالمغنى ترتبط بالواقع الحالى، فالبطل يعمل «منادياً» للسيارات، فى إشارة إلى الشهيد «جابر جيكا». وبعد مسلسل «طرف ثالث» لأمير كرارة ومحمود عبدالمغنى وعمرو يوسف، الذى كان الأكثر نجاحاً فى تناول ثورة يناير يتعرّض مسلسل «تحت الأرض» فى بداية أحداثه لتفجير كنيسة فى ليلة رأس السنة، فى إسقاط مباشر على أحداث كنيسة القديسين قبل عامين ونصف العام، التى انطلق منها المؤلف لبناء باقى أحداث المسلسل، التى تترتب على هذه الواقعة. «تحت الأرض» تأليف هشام هلال وإخراج حاتم على وبطولة أمير كرارة وأمل بوشوشة ودينا الشربينى وإنجى المقدم ورشا مهدى وأحمد صلاح حسنى والأردنى ياسر المصرى. ورغم ما أشيع عن الإسقاطات السياسية فى مسلسل عادل إمام الجديد «العراف» للكاتب يوسف معاطى، والتلميح بقصة هروب الرئيس محمد مرسى من السجن أثناء الثورة.. إلا أنه نفى بقوة أن يكون «مرسى» هو المقصود، ورغم تشابه الأحداث فى نقطة واضحة هى هروب شخص من السجن وتقلُّده منصباً سياسياً رفيع المستوى، إلا أن «معاطى» تناول المسلسل بشكل كوميدى مشوّق، وتدور الأحداث حول شخصية «شوقى المر» العراف والنصاب المحترف الذى يهرب من السجن أثناء الثورة، ويطارده لواء شرطة يُدعى سامح عبدالحميد، لكن العرّاف يهرب فى بلدان مختلفة وينتحل شخصية طبيب متوفٍ ويتقلد مناصب سياسية رفيعة جداً مع الوقت، ويتزوج وينجب فى كل بلد يهرب إليه، حتى يتم القبض عليه فى النهاية، ويتم اكتشاف أن «فوزى المر» نفسه شخصية وهمية، وأن هذا ليس اسمه الحقيقى. محمد أمين راضى، مؤلف «نيران صديقة» قال إن مسلسله لا علاقة له بالسياسة بشكل مباشر، وإنما فضّل تناول الأحداث فى شكل إنسانى بحت، ولا يوجد بين الشخصيات الأساسية أى شخصية سياسية، بل يتعرّض الجميع لتغيُّرات المجتمع على مدار 20 عاماً. ويمكن أن يكون الخط الوحيد الذى يرتبط بالدين هو شخصية عمرو يوسف الذى يقوم بدور داعية إسلامى، ولا يمكن الحكم على ما إذا كان نموذجاً صالحاً أم صورة فاسدة لرجل الدين. والحدث السياسى المهم الذى سيؤثر عليه بشكل كبير هو «كارثة 11 سبتمبر» وتأثيرها على معاملة أمن الدولة للإسلاميين. ورغم ما تردّد عن أن «مشوار فرعون» لخالد صالح وجومانا مراد وإخراج محمد على، هو مسلسل سياسى من الدرجة الأولى ويروى رحلة طاغية حتى سقوطه.. فإن مؤلفه ياسر عبدالمجيد قال: «لا أستطيع أن أصنّف المسلسل على أنه سياسى.. لكنه يتضمّن رموزاً يمكن فهمها بشكل سياسى عبر الإسقاط على شخصيات حقيقية، لكننى فضّلت أنا والمؤلف أن يكون المسلسل اجتماعياً، ورفضنا أيضاً ربطه بشكل مباشر بأحداث سياسية، لأننا ببساطة لا ندرك حقائق تلك الأحداث، ولا يمكن أن تكون قاعدة سليمة للكتابة أو البناء الدرامى. وأضاف «عبدالمجيد»: قصة المسلسل تتناول بعض الأحداث السياسة المؤثرة، وعلى رأسها ثورة يناير والمرحلة الانتقالية، ونتوقّف عند مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية وتسليم السلطة للإخوان. والمسلسل لا يتناول الإخوان كجماعة دينية، بل كشخصيات سياسية، باعتبارهم رجال أعمال. منذ أشهر تم الإعلان عن التحضير لثلاثة مسلسلات تتناول ظاهرة الدعاة الإسلاميين وتقترب بشكل مباشر من الدين مثل «مولانا» لإبراهيم عيسى، و«بشر مثلكم» لمحمد صلاح عزب، وأخيراً «الداعية» لمدحت العدل.. إلا أن الواقع لم يثمر إلا مسلسل «الداعية»، الذى يتناول قصة حب تنشأ بين عازفة موسيقى وداعية إسلامى. ويقول مدحت العدل مؤلف المسلسل، إن «العمل لا يقترب من الدين أو السياسة بالشكل التقليدى المباشر، أو التسجيلى، بل يطرح سؤالاً مهماً هو: ماذا نريد؟.. هل نرغب فى الحرية والفكر المستنير والتقدُّم إلى الأمام، أم نسعى فى اتجاه التخلّف والعودة للوراء؟». وأضاف «العدل»: «بالنسبة لجرعة السياسة فى العمل فهذا أمر طبيعى لأى مسلسل يقدَّم فى 2013 من وجهة نظرى، فالشارع المصرى كله يتحدّث فى السياسة الآن، وبالتالى فمن واجب الدراما أن يكون لها دور فى هذا التوقيت، وبالنسبة ل«الداعية» فأحداثه تدور خلال العامين الماضيين بعد الثورة بما تضمّنته تلك الفترة من أحداث شهيرة كموقعة «الاتحادية». ومن الأعمال التى يتوقّع أن تحمل فى أحداثها خطوطاً سياسية عريضة، مسلسل «موجة حارة» المأخوذ عن رواية «منخفض الهند الموسمى» للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، سيناريو وحوار مريم ناعوم، وإخراج محمد يس، فى ثانى تجاربه التليفزيونية بعد «الجماعة»، وعن الجرعة السياسية فى العمل قال «يس»: «رغم أن أحداث الرواية كتبها (عكاشة) فى نهاية التسعينات إلا أننى فور قراءتها وجدت فيها الكثير من النقاط المرتبطة بالوقت الحاضر وكأنها كُتبت لكى تعقِّب على الواقع الحالى، وهذا ما شجعنى على تناولها فى مسلسل». وأضاف: «العمل تدور أحداثه فى عدد قليل من الأيام ويتعرّض للتفاصيل التى عاشها المجتمع المصرى قبل الثورة وأدت إلى قيامها، ونتعرّض من خلال التفاصيل إلى شخصيات ونماذج بشرية مثل الشاب الثورى الذى يتصدّى للفساد، والعلاقات المتشابكة له مع المجتمع». وفضّلت «يسرا» أيضاً أن تبتعد عن السياسة بعد نجاحها فى «شربات لوز» العام الماضى للكاتب تامر حبيب، وتخوض ماراثون رمضان هذا العام بمسلسل «نحن لا نأكل الخرشوف» كاسم مؤقت، وتقول: «الناس تحتاج إلى جرعة كوميدية إنسانية بعيداً عن الهم والنكد الذى يعيشون فيه ليل نهار، وهذه مهمة الدراما، وفعلاً اخترت الابتعاد تماماً عن أىّ تلميحات سياسية، خصوصاً فى ظل الرؤية الضبابية لكل شىء الآن. وسأقدم شخصية سيدة متزوجة لها أسرة وأولاد، وفجأة يطلقها زوجها ليلهث وراء عارضة أزياء، فتحاول الزوجة تغيير نفسها وتنجح فى ذلك، وستتحول الأحداث بشكل جذرى بعد الحلقة العاشرة». غادة عبدالرازق أيضاً تسير على خُطى «يسرا» وتقدِّم هذا العم مسلسل «حكاية حياة» الذى يعد التعاون الثانى مع السيناريست أيمن سلامة. «أيمن» قال ل«الوطن» إن أسرة العمل قررت البعد بشكل واضح وتام عن السياسة أو حتى الإسقاطات التى قد توحى بأى شىء من هذا القبيل، ونفس الشىء حدث مع الخط الدينى، إذ لا وجود لرجل دين أو لشخصية لها علاقة بالأزمات الدينية المثارة حالياً. ورغم أن مسلسل «مع سبق الإصرار» العام الماضى كان حافلاً بعالم رجال الأعمال والتزوير والرشاوى والفساد فى مهنة المحاماة فإننا وبرغبة جماعية قرّرنا أن تعبر «حكاية حياة» فقط وعلى الطريقة التركية عن علاقة البطلة «حياة» بأمها وأخواتها وحبيبها وهجره لها ومعاناتها. وأضاف: «أستطيع القول إننى تعمّدت عدم تحميل المسلسل بأى ظلال سياسية أو دينية لأن ذلك يؤذى أى عمل فنى فى الفترة الحالية، فالرؤية غير واضحة، وأى إسقاط أو تناول لتلك الأحداث قد يحتمل الخطأ». مصطفى شعبان والمخرج مجدى الهوارى اختارا موضوعاً اجتماعياً كوميدياً أيضاً بعيداً عن السياسة فى مسلسل «مزاج الخير». ويقول «الهوارى»: «من المنطقى أن نبتعد فى الفترة الحالية عن السياسة، لأن برامج التوك شو والجرعة السياسية فى الواقع تفوق قدرة أى دراما على استيعابها، وهذا لا يمنع أننا نتعرّض فى المسلسل لقضية اجتماعية سياسية هى إدمان الشباب وتغييب وعيهم بالمخدرات. وهناك خط كوميدى سياسى أيضاً يتمثل فى شخصية مرشح لحزب يسمى (النهضة)، وشعاره (طائر النهضة).. والإسقاطات السياسية فى المسلسل قليلة جداً وقد يرى أى شخص دوراً معيناً فيربطه بالواقع، لكننا لا نتعرّض للسياسة أو الدين بشكل مباشر». أما بالنسبة لمسلسل «مكان فى القصر» بطولة غادة عادل وتامر هجرس فقد أكد مؤلف العمل محمود البزاوى، أنه بعيد تماماً عن السياسة، وقال «البزاوى»: «فكرة المسلسل انتهيت منها قبل قيام الثورة، وكنت قد كتبت ما يقرب من 25 حلقة كاملة وقتها، والأحداث كلها تدور فى إطار اجتماعى تشويقى، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بالسياسة». وهناك مسلسلات اجتماعية بحتة مثل «نقطة ضعف» لجمال سليمان ورانيا فريد شوقى، ويتناول قصة طبيب وعلاقته العاطفية الفاشلة بحبيبته ورحلة بحثه عن الحب، و«دنيا آسيا» لمنى زكى وباسم سمرة، الذى يتناول شخصية راقصة تفقد الذاكرة، و«الشك» لمى عزالدين ورغدة وحسين فهمى، والجزء الثالث من مسلسل «الكبير قوى» لأحمد مكى ودنيا سمير غانم، ومسلسل «القاصرات «لصلاح السعدنى وداليا البحيرى، الذى يتناول عالم القاصرات ومشكلاتهم، ومسلسل «آدم وجميلة» و«قشطة وعسل» و«الزوجة الثانية» لعمرو واكد وآيتن عامر.