يراودنى الأمل أن تقرأ خطابى هذا فقد تأتى الحكمة دون قصد، وقديماً قالوا: «إن الذى يصحبك لا ينصحك والذى ينصحك لا يصحبك».. وأنا لست صاحباً لكم ولا رفيقاً. فقد جئتَ يا سيدى بعد ولادة ثورية متعثرة ودخلت دائرة الحكم بإرادتك وغير إرادة البعض وأنا منهم، وأصبحت رئيسنا، وجب علينا احترامك ووجب عليك رعايتنا فنحن رعاياك. أقسم لك أننى ما شعرت لحظه أنك رئيس لى حُباً أو كَرها.. لم أشعر بودك حين تخطب بود، ولم أشعر بالاطمئنان حين تكون هادئا مطمئناً، ولم أشعر بالأمل وكأنه ليس من حقنا لكنه من حظ عشيرتك وأهلك الذين يشعرون بودك واطمئنانك لهم، هذا هو بيت القصيد بيننا وبينك أولاً: اخلع يا سيدى عن نفسك رداء الجماعة والبس رداء الحكم وزيّنه بالتقوى، واحكم بيننا بالحق والعدل.. اجعل الناس عندك فى أمر الدنيا سواء.. القريب والبعيد.. المسلم والمسيحى.. جماعتك وغيرهم، واجعل الناس فى أمر الله ما يشاء. يقول الحسن البصرى فى نصيحته لعمر بن عبدالعزيز حين طلب منه النصيحة: «الخلافة لا يصلحها إلا التقوى.. والرعية لا يصلحها إلا العدل.. فمن جارت قضيته ضاعت رعيته.. ومن ضعفت سياسته بطلت رئاسته». سيدى الرئيس.. تعودت منذ صغرى أن أرسل خطابات لعبدالناصر أطلب صورته موقعة منه، وفى كل مرة يرسل صورته مع تحياته، أحببته وأحببناه ورأينا فيه صورة الزعيم الذى خرج علينا من طمى النيل وسنابل الأرز، وزهرة البنفسج، ليعيد إلينا نبض قلوبنا.. أتعرف لماذا أحببناه؟ لأنه أحبّنا، وحين سقط مشروعه مهزوماً بكينا له ولم نبك عليه، وسامحناه وغفرنا له.. أتعرف أيضاًً لماذا؟ لأنه احترمنا وأحس بوجعنا، وبفرحنا، ودخل قلوب البسطاء منا، ونام وتمدد فى أحلامنا على جسور القرى وقت الظهيرة، وغطى النساء حين انكشفن دون حجاب، وستر المساكين فينا دون ذل الصدقات. معك يا سيدى لن نقبل سوى النجاح ولن نغفر الفشل.. أتعرف لماذا؟ لأنك لا تحبنا، أشعر أنكم تعادون ماضينا وقوميتنا وتاريخنا. يا سيدى لن تستعدونا على تاريخنا ببطولاته وانكساراته ولن تملأونا غيظاً بما أصابكم ولن أقف فى طابور الجلادين لأقيم حداً وأجلد ماضيا، لن أحمل يا سيدى حمل الكُره والغِل، وسوف نقف يوما نلتقط فيه الأنفاس نحاسب ونُقيم كل تجاربنا القريبة والبعيدة. ثانياً: البس يا سيدى لباس الزعامة وترفع عن إهانة كل رموزنا.. أحبِبْنا يا سيدى نُحبك.. وأخلص لنا يا سيدى نُخلص إليك. قال الإمام أبويوسف فى نصيحته إلى هارون الرشيد: «إن الرُعاة مؤدون إلى ربهم ما يؤدى الراعى إلى ربه فأقم الحق فيما ولاك الله وقلدك». سيدى الرئيس.. أقسم لك أننى ما كرهتُك وما أحببتُك، وما أضحكتنى وما أبكيتنى، ولقد تركت لسفينتى يوم أصبحت رئيسنا تروح وتجىء مع الأمواج ما شاءت لها المقادير والأمواج أن تروح وتجىء دون إرادتى حتى أحبك، لكنى يا سيدى أبعد عنك يوما وأقترب منك ساعة وأرنو إليك فرحا وأفارقك بائسا، تطول المسافة بينى وبينك ولا تَقصُر ويتباعد الرضا ولا يقترب، وتجوع رعاياك نهارا وتشبع ليلا وتشكو مظلمتها وتئن وتصرخ ولا يشترى مظلمتها بائع أو مشترٍ (عمر بن الخطاب يشترى مظلمة امرأة عجوز بخمسة وعشرين درهما حين شكته لنفسه وهى لا تعرف أنه الخليفة، ويكتب كتابا ويوصى ابنه عبدالله أن يضع كتابه معه فى كفنه حتى إذا شكته لربها يوم القيامة يرد عليها بكتابه: هذا ما اشتراه عمر بن الخطاب من فلانة مظلمتها). يا سيدى هذه شريعتنا وليس قطع يد السارق أو رجم الزانى فقط فشريعتنا الرحمة، إذا شعَرت الرعية بقيادة رحيمة سلمت له مقودها ولا تسأله إلى أين تقودها. ثالثاً: البس يا سيدى لباس الرحمة واحملنا كأمهاتنا كُرهاً واوضعنا كُرهاً وعلمنا كيف نكون رحماء فيما بيننا فلقد نُزعت الرحمة من قلوبنا فويلُ لنا من قسوتنا. يقول الحسن البصرى فى نصيحته لعمر بن عبدالعزيز: «الإمام العادل كالأب الحانى على ولده يسعى لهم صغارا ويعلمهم كبارا ويتكسب لهم فى حياته ويدخر لهم بعد مماته». سيدى الرئيس.. شعبك يسأل وأنا معهم هل ما يدور حولك بعلمك ورضاك ومباركتك من حصار الاتحادية، حصار المحكمة الدستورية، حصار مدينة الإنتاج الإعلامى، التخلص من الثوار، تمرير الدستور بليل دون توافق، محاكمات الإعلاميين والصحفيين، وأخيراً سيناريو التخلص من الشيخ الطيب. الناس تهمس أهذه جيوشك وعتادك وحشدك تحت رعايتك؟ فلكل حدث منهم نتائح ترغبونها وقرارات تمر من خلالها، كل ما تقوله من حق يخالفونك فيه بالباطل، وكل دعواك الطيبة نهارا يدفنونها ليلا. يحدثوننا عن العدل وهو سجين.. ويحدثوننا عن الخير وهو ظالم لأهله، ويحدثوننا عن الفساد السابق ونتمنى العودة إليه، ويحدثوننا عن الإصلاح ولا نتمناه فلقد أرهقنا وأتعبنا، أقسم لك هم لا يريدون نجاحك ولسنا نحن. رابعاً: اخلع كل السلاطين من حولك وأدر الأمر بنفسك ولا تجعل لهم سلطانا أو سبيلا عليك أو علينا، يقول حسن البصرى إلى عمر بن العزيز: «لا يغُرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيبات فى دنياهم بإذهاب طيباتك فى آخرتك». أخيراً سيدى الرئيس.. لن تصل لرضا الله إلا برضا عباده، ولن نرضى عنك حتى نبلغ مأمننا وتريح قلوبنا، ويشبع جائعنا، وتداوى مرضانا، وتستر عيوبنا، وتُعز فينا الذليل، وتُقوى فينا الضعيف، ونأمن على أولادنا، وتضرب على يد من يُخيفنا ويُرهبنا باسمك. اسمع يا سيدى الحجاج بن يوسف الثقفى أكبر طغاة التاريخ يوجه مقولته لطارق بن عمرو: «لو ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل فهم قتلة الظلمة، وهادمو الأمم، وما أتى عليهم قادم بخير إلا التقموه كما تلتقم الأم رضيعها، وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب وهم أهل قوة وصبر وجلدة ولا يغُرنكم صبرهم، ولا تستضعف قوتهم فاتق غضبهم ولا تُشعل نارا لا يطفُئها إلا خالقهم». اللهم إنى قد بلغت. وشكراً