«روبابيكيا».. يهتف الرجل على «تروسيكل» بين أروقة شارع محمد فريد، بينما يرقبه بعينيه «جمال حسن» من داخل دكانه، الكائن بإحدى الحارات التى لا يتعدى عرضها المتر الواحد، ينظر إلى ما بداخل التروسيكل فيجد «أنتيكات زمان» قد رقدت صريعة «تربيعة التروسيكل» وقد حطّمها البائع تماماً ليتسنى له إدخالها.. يتجاذب الاثنان أطراف الحديث الذى يتحوّل إلى مشادة، تنتهى بعبارة من «جمال»: «ما انت لو عارف قيمة التحف والأنتيكات دى ماكنتش بهدلتها كده».. يعمل «جمال» فى مجال إصلاح كل ما هو قديم: «صينى، نجف، أثاث، لوحات، وحتى التماثيل»، سخّر محله «متر فى متر ونصف» من أجل القيام بهوايته التى لا يعرف سواها منذ نعومة أظافره: «دى مهنة أبويا، ولولا حبى لها كنت سيبتها من زمان». قبل الثورة كانت الميادين تطل على الشوارع، ولأنه قريب من وزارة الداخلية فقد ظل حبيس ذلك الشارع الذى لا منفذ له إلا من جهتين «شارع محمد محمود أو محمد فريد»: «زمان كانوا الزباين بيجولى من مصر الجديدة.. أما دلوقتى فالحال نايم.. وماحدش بييجى بسبب الاشتباكات اللى بتحصل كل يوم فى ميدان التحرير».. بين التحف الفرنسية والإيطالية واليونانية يقبع الرجل الخمسينى، وفى يديه قطعة من الصنفرة: «ساعات باقعد أصنفر فى القطعة ييجى أكتر من 3 ساعات، لأنك لازم ترجّع الحتة زى ما جت من بلادها». يتذكر «جمال» الخواجة الإيطالى «لوينى إليونى» الذى علّمه أصول الصنعة: «لما الراجل ده مات جيت فى محل أبويا اللى شغال بردو فى تصليح الأنتيكات».. أطباق من الصينى مختوم عليها الختم الملكى للملك فاروق كانت محطمة تماماً، استطاع «جمال» تجميعها وإعادتها مرة أخرى إلى سابق عهدها.. الصنعة التى شارفت على الانقراض -على حد قوله- لها قيمتها فى الدول الغربية: «هناك بيتحاسبوا بالساعة.. واحنا هنا بنشتغل فى القطعة 3 أيام وفى الآخر بتاخد مصنعية 50 جنيه مثلاً».. الصبّ والصنفرة والمعجنة هى سلالم موسيقية لها تناغماتها المختلفة فى حياة عم «جمال» اليومية، قرر ألا يُعلّم أولاده تلك الصنعة: «إذا كان الحال نايم دلوقتى.. ما بالك بالمستقبل.. شغلانتنا إتأنتكت خلاص».