المصريون متدينون بطبعهم، لكن لكل منهم وجهة نظره فى الدين، ويظهر ذلك دائماً فى علاقتهم بالله عز وجل، فهناك من يصلون الوقت بوقته وغالباً تجدهم مثار سخرية الآخرين حيث العبارات الحمضانة (ما تاخدنا على جناحك يا عم الشيخ) أو (ابقى ادعيلنا معاك يا مولانا)، وفى المقابل تجد البعض يظن -وبعض الظن إثم- أن صلاة الجمعة وحدها تكفيه، وهؤلاء تجدهم مثار سخرية المعسكر الآخر حيث تجدهم هدفاً لعبارات تأخذ صيغة الدعاء (ربنا يهديكم) أو صيغة الاستنكار (هو انتو فاكرين نفسكم هتوردوا على جنة؟) أو حتى اللعنات النابعة عن أطيب وأرق الأمنيات القلبية (الله يحرقكم). لكن تبقى صلاة الجمعة عند المصريين هى موعد مع الله لا يتم إلغاؤه أو تأجيله مهما كانت الظروف، وتجد مواعيدهم مرتبطة بالصلاة دون ارتباط بالمواقيت الزمنية العادية (أقابلك الجمعة بعد الصلاة). وتنفرد مصر دون غيرها من الدول الإسلامية ببعض الإشارات التى تؤكد لك أنك تصلى الجمعة فى أحد مساجدها، وستعرف ذلك حتماً فى الظروف الآتية: 1) إذا كان الميكروفون بايظ وبيصفر ويدعو الإمام دائماً أهل الخير للتبرع لتغييره ولكنه -رغم كل التبرعات- لا يتغير أبداً. 2) إذا وجدت مسجدين وخمس زوايا فى مربع لا يتعدى 500 متر وكل منهم يؤذن لصلاة الجمعة فى وقت غير الآخر (تقريباً فروق توقيت). 3) أغلب المساجد لا يوجد لديها قارئ قرآن يقرأ (قرآن الجمعة) وتتغلب المساجد فى مصر على ذلك بتقريب الميكروفون من الراديو الذى يجب أن تسمع فيه رجلاً موجوداً منذ الأزل يقول العبارة الأسطورية (عشان خاطر الحبيبة العفيفة الشريفة ستنا السيدة زينب) بصوته المنغوم قبل أن تجد من يرد عليه فى وسط القراءة مستغلاً تجويد القارئ (صلى على حضرة النبييييييييييييييي). 4) إذا كان خادم المسجد هو الذى يقيم الصلاة (أو يصلى إماماً فى الظهر والعصر لأن الإمام الحقيقى نائم فى بيتهم)، وفى أوقات فراغه -الخادم لا الإمام- يبيع حمص الشام أمام باب المسجد. 5) عادة يأتى الخطيب متأخراً بحجة أنه يعطى الوقت للمتأخرين كى لا تفوتهم الخطبة، وبمجرد أن يبدأ الخطبة يلعن كل من يدخل بعده لأنه جاء متأخراً، وتكون العبارة التى يتداولها الأئمة غالباً هى: (يا أخى ده انت لو مدى معاد لواحدة هتلتزم بيه فما بالك بمعادك مع ربنا). 6) الميضة (مكان الوضوء) غالباً ما تكون قريبة من المصلين للدرجة التى تجعلك تسمع صوت استنشاق البعض ومضمضة البعض ويصور لك خيالك المريض بالاشتراك مع الشيطان نفسه صورة استنجاء البعض الآخر. 7) مراوح المساجد فى صلاة الجمعة مثل مراوح مترو الأنفاق تعمل فى الشتاء وتتعطل فى الصيف، ويتم طلب التبرعات لشراء تكييفات لا تعمل بالكامل عشان الكهربا!! عدد أسطورى من أئمة الريف ما إن تحكى له عن مشكلتك الشخصية حتى تجدها (على سبيل التسييح أو نضوب الأفكار) موضوعاً لخطبة الجمعة التالية مع العديد من النصائح المصحوبة دائماً بكلمة (مش كده واللا إيه يا فلان؟)، وفى الأغلب ستتعلم بعدها أن إرسال مشكلاتك للتليفزيون نفسه أقل جرسة بكثير من مناقشتها مع خطيب الجمعة. 9) إذا سمعت الإمام يلعن كل من يشاهد أو يسمع نانسى عجرم وهيفاء وهبى وكارول سماحة وفيلم تايتانيك وشارون ستون مع مايكل دوجلاس فى غريزة أساسية، وغالباً ستجد الهاجس الذى يسيطر عليك ويحيل حياتك إلى علامة استفهام كبيرة هو (كيف استطاع عمو الشيخ تكوين هذه الحصيلة المعلوماتية الرائعة إلا إذا كان من هواة مشاهدة «ميلودى» والقنوات التى تعرض الأفلام un cut). 10) إذا وجدت الإمام يرجو أهل المنطقة عدم إلقاء زبالة عند المسجد، ويهددهم بالدعاء عليهم الجمعة القادمة (ومع ذلك يلقون بها وكأنهم يشعرون أن دعوته غير مستجابة!!). 11) خطبة الجمعة غالباً ساعة إلا ربع ودائماً أبداً هناك مساجد تصلى الجمعة فى ساعة ونصف أو ساعتين مع إن تعليمات وزارة الأوقاف ألا تتعدى 20 دقيقة كما أن خطبة الحرم المكى نفسه مستحيل أن تبلغ نصف ساعة. 12) إذا كنت فى قمة خشوعك أثناء الصلاة ثم وجدت موبايل يرن (رجب.. حوش صاحبك عنى) أو يعلن عن مجىء رسالة بالنغمة الشهيرة (بوسطة يا باشا). 13) إذا شتم الإمام المعارضة والعلمانيين ودعا على اليهود والنصارى، ثم دعا على الحكومة بالخراب قبل أن يدعو للرئيس الذى عين هذه الحكومة بدوام الصحة والسعادة هو والأنجال. 14) إذا اعتلى المنبر شخص غير الإمام كل مؤهلاته أنه مربى دقنه ويستمد شرعيته الوحيدة من مناداة الناس له ب(عم الشيخ) ومشاهدته لقناة «الناس»، وغالباً يقول كلاماً ما أنزل الله به من سلطان، ورغم ذلك تجد الناس تومئ برأسها مستحسنة وتتسارع لمصافحته، ودائماً أبداً تجد هذا الشخص ينظر لإمام المسجد الحقيقى بتاع الأوقاف (والذى سبقه صاحبنا فى اعتلاء المنبر) بنظرة استغراب وهو يتساءل بدهشة زائفة (الله.. هو انت هنا يا مولانا.. أنا آسف ما خدتش بالى). 15) إذا وجدت تنجيد إحدى العرايس بجوار باب الجامع وال«دى جى» على أعلى درجة مما يدفع الإمام لدعوتهم بمنتهى الذوق لإغلاقه مؤقتاً (يا ريت نخلى عندنا دم ونقفل النيلة ده). 16) إذا وجدت أحدهم يمر بالفيسبة الصينى ذهاباً إياباً أثناء الصلاة وهو مشغل الكاسيت بأعلى صوت على (اتلح لح روح سينما.. العبلك دور دومينة)، وهى الأغنية المناسبة لأجواء التفكر والتدبر والخشوع على أساس أن اسمها (العبد قال للشيطان لأ)!! 17) إذا وجدت الشخص المجاور لك فى الصلاة يتسلى أثناء الخطبة بقرقضة أظافره أو اللعب فى أصابع قدمه أو على أقل تقدير يصطاد الدبان. 18) إذا وجدت العيال الصغيرة التى تحضر الخطبة تلسع بعضها بالأستك ويكون حظك أن قشر اليوسفندى يلبس فى قفا سعادتك. 19) إذا وجدت أحد المصلين يدفع العيال الصغيرة بغلظة تصل لدرجة (غور ياض) لكى يجعلهم يصلون فى الصف الأخير ويأخذ هو مكانهم (على فكرة بيكون جاى متأخر وبيكون اتلسع بالأستك من نفس العيال). 20) أغلب المصلين لهم وجهة نظر فى (الصف)، وهو دائماً صف أعوج بسبب أن كل منهم له مفهومه المستقل عن الصف، رغم وجود خط على السجادة لو اصطف عليه الجميع خلصت الحكاية. 21) بعد التسليم أول كلمة تسمعها فى الصيف (حماااار وحلاااااوة يا بطيييييييييييخ)، وفى الشتاء (الأربعة ب10 يا يوسفندييييييييييييي) حيث يحتل باعة الخضار والفاكهة الأرصفة. 22) إذا كنت قلقاً من (ركنة) سيارتك، لأنك واثق أنك ستخرج لتجد أحدهم (قافل) عليها، وها أنت تستعد للخناقة من الآن.