لا أعتقد أن القضاء المصرى تعرّض لحملة من السلطتين التنفيذية والتشريعية كما لم يتعرّض من قبل.. وتبارى كثيرون للدفاع عنه إيماناً بأهمية استقلال القضاء، لكن صاحب الاختصاص الأصيل فى الرد، وهو المجلس الأعلى للقضاء، ظل صامتاً.. بالطبع ليس عجزاً، لأنه، وفقاً للقانون، يملك السلطات الكاملة، ولكن قد يكون عن قناعة بأن المجلس يملك من الحكمة ألا ينزلق فى مستنقع السياسة.. أو أن الهدوء وعدم اتخاذ مواقف حاسمة يمكن أن يكون طريقة أفضل لإنهاء الأزمات.. لكن زادت الهجمات على القضاء ولم تفلح هذه الطرق، بينما لا يزال المجلس صامتاً. هرول أعضاء المجلس إلى رئاسة الجمهورية بالمخالفة لكل القواعد فى معركة النائب العام الأولى، أملاً فى حل الأزمة، وطلب منهم الرئيس «مرسى» و«آل مكى» أن يكتبوا طلباً للعدول عن القرار وتم.. ولكن الرئاسة خذلتهم بأن أصدرت بياناً رسمياً ادعت فيه أنهم قدّموا التماساً للرئيس، وهو ما نفاه أعضاء المجلس، لكنهم ذهبوا مرة أخرى عندما استدعاهم الرئيس، وتكرّر الموقف ذاته، حيث نسبت إليهم الرئاسة كلاماً نفى أحد الأعضاء أن يكونوا قد وافقوا عليه، لكنهم «أُحرجوا» أن يصدروا بياناً بالحقيقة تحت نفس المبدأ «عدم إشعال الموقف». يعلم الجميع أن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء ليس ممن تدور حولهم شبهات «الأخونة»! بل إنهم لم يتورّطوا فى أى مشروعات تهدف لأخونة القضاء، كما فعل غيرهم، لكن التاريخ لن يرحمهم لأنهم «صمتوا» على كل التجاوزات ضد القضاء وهى جريمة لا تختلف عما فعله «مبارك» عندما أدانته المحكمة بأنه لم «يحمِ» المتظاهرين. لقد صمت المجلس ضد كل من تجاوز ضد القضاء، ثم صمت عندما عُزل النائب العام، وسار على نفس النهج أمام حصار المحكمة الدستورية العليا، وما يحدث أمام مجلس الدولة، وما جاء فى الدستور الجديد ضد القضاء.. وهذا الصمت أدى إلى ارتفاع نبرة نادى القضاة ليدافع عما صمت عنه «المجلس».. كما انفجر غضب وكلاء النيابة وحاصروا مكتب النائب العام المعيّن من قِبَل رئيس الجمهورية.. حتى جاء حكم الاستئناف ببطلان تعيين طلعت إبراهيم نائباً عاماً ليكون أبلغ رد على صمت مجلس القضاء الأعلى الذى تهاون فى صلاحياته ولم يتخذ أى موقف يدافع به عن الدستور والقانون والقضاء، وفضّل أعضاؤه أن يخرجوا على المعاش بعد أشهر معدودة دون مشكلات أو أزمات، فأصبحت الأزمات تطاردهم.. حاولوا تفويض الوزير أحمد مكى لحل أزمة النائب العام، رغم أن ذلك اختصاصهم الأصيل، ولم ينجح.. وظلوا أيضاً صامتين. لو فكر أعضاء المجلس الأجلاء وهم المستشارون ممتاز متولى وأحمد عبدالرحمن وحامد عبدالله وسمير أبوالمعاطى وعبدالرحمن بهلول وبشرى فيليب مطر، أن يتخذوا ولو مرة واحدة، طريقاً آخر غير أسلوب الصمت، كان قد أدى إلى نفس الأهداف التى يبغونها، وهى الهدوء والاستقرار، فلو عرف الحاكم أن للقضاء «مجلساً» يحميه ويدافع عن استقلاله ما كان تمادى فى اختراقه.. لو كان المجلس قد دافع عن تطبيق القانون وبحث استقالة «طلعت» أو شكوى المستشار مصطفى خاطر من النائب المعيّن، كان من الممكن أن تنتهى كل أزمات القضاء، لكن أعضاءه فضّلوا «الصمت» الذى أصبح على أيديهم ليس من ذهب، بل تحول إلى «ورق»!!