عندما تولى المهندس محمد كمال إسماعيل بناء مجمع التحرير بأمر من الملك فاروق عام 1951، بعد أن أشرف بنفسه على توسعة الحرمين الشريفين، لم يدرك أن هذا التصميم الفريد سيكون شاهداً على ثورة 25 يناير وستحمل جدرانه رسومات من فن الجرافيتى. «مجمع التحرير»، المبنى الحكومى الذى حمل هموم المواطنين ضمن أوراقه ومستنداته، حملت جدرانه رسوم الثوار وتعليقاتهم طيلة عام ونصف العام من الأحداث الملتهبة. «الجيش والشعب إيد واحدة» التى صاح بها المتظاهرون أول أيام الثورة توارت على الركن الأيمن للمبنى ليظهر على بعد خطوات منها هتاف: «يسقط يسقط حكم العسكر» ويعلوها تحدى: «يا نعيش أحرار يا نموت ثوار» فيما تظهر رسمة «جرافيتى» للطفل «أنس» وهو مبتسم، رغم رحيله ضحية مذبحة بورسعيد، ينعيه فيها أصحابه معلنين: «يا نجيب حقهم يا نموت زيهم». الأهلى والزمالك جمعهما سور المجمع وانتهاكات «العسكر» خلال الفترة الانتقالية، فدوَّن ألتراس زملكاوى مطالبتهم بالحرية ل«شيكا عمران»، عضو الرابطة المعتقل، إلى جوار صرخة ألتراس أهلاوى: «م الموت خلاص مبقتش أخاف». على الجدار المقابل لمسجد عمر مكرم سجلت حركة «مينا دانيال» -شهيد مجزرة ماسبيرو- عزمها على الاعتصام المفتوح فى الشوارع فى الذكرى الأولى للثورة: «الإضراب مشروع ضد الفقر وضد الجوع»، وأعلن «أولاد أبوإسماعيل» مرابطتهم فى الميدان بعد استبعاد «رئيسهم» من السباق الرئاسى: «إسلامية.. ذكر أعداءك إن غفلوا.. لن ننسى أبدا ما فعلوا.. سنحيا كراماً». فيما تتعدد ملصقات لحملة «مقاطعون» تدعو للامتناع عن المشاركة فى انتخابات الرئاسة وتذكر الناخب: «لو هتنتخب أحمد شفيق ماتنساش تغمس صباعك فى دم الشهيد». الرسوم التى تملأ جدران المجمع يبدو أنها ستظل ذكرى لن تمحوها «بوية الحى» الذى كلما أرسل عمالاً لدهان الحوائط عادت الرسوم إلى الظهور وإلى جوارها عبارة «مبروك ع البوية الجديدة». المكان المكون من 14 طابقاً يحوى بين جنباته 10 آلاف موظف ليس لهم رأى فيما يحدث فى مبناهم، فقط يلاحظون تغير الشكل الخارجى كلما تغيرت الأحداث.