سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السوريون العالقون على الحدود المصرية الليبية ل«الوطن»: نتعرض للنصب والنشل ولا أحد يرحم أطفالنا ونساءنا «عبدالجليل»: كان «بدى» أروح ليبيا أشتغل لكن الناس بتستغل حاجتنا.. و«حاجى»: السماسرة تركونا فوق الهضبة أياماً وسط برودة الجو و«النشالين»
هربوا من القتل فى سوريا إلى النصب والسرقة فى مدينة السلوم بمصر، لم يرحمهم بشار الأسد، ونظامه القمعى فى موطنهم، ولم يرأف بحالهم «سماسرة» الحدود بين مصر وليبيا، ولا البدو المصريون، قضوا أياماً وليالى، أمام المنفذ الليبى، يستعطفون رجاله، أن يسمحوا لهم بالدخول، رحمة بالنساء والأطفال الصغار، فكان الرفض هو الرد الملازم لطلبهم؛ هذا هو حال اللاجئين السوريين، هم عالقون على الحدود الليبية فى «السلوم»، منذ شهرين، وفى السطور التالية ترصد «الوطن» معاناتهم: تقيم الأسر السورية، فى السلوم، داخل فنادق وشقق، يعرفها جميع السكان والسماسرة، وبعض المهربين الذين يعرضون خدماتهم لنقلهم إلى ليبيا، بطرق مشروعة وغير مشروعة، ولطول المدة التى تقضيها تلك الأسر المنكوبة، على الحدود تضطر لقبول العروض، فتدفع مئات الدولارات إلى عصابات التهريب من أجل أمل بعيد. محمد عبدالجليل، شاب سورى، 25 سنة، كان يعمل «نجار ألمونيوم» فى ريف دمشق، رأى بعينيه الموت، وكيف يكون القتل، عندما أردى النظام السورى رفاقه الشهداء، قال ل«الوطن»: «وقت ما فات الجيش النظامى بالبلدة، أعدم 7 ميدانياً»، وتابع بحزن: «بعد انقطاع سبل العيش فى سوريا تماماً، قررت الهجرة إلى ليبيا، وتركت عائلتى هناك، غادرت سوريا إلى مصر بصحبة زوجتى وابنى عن طريق الأردن، وسكنت فى مدينة 6 أكتوبر لمدة شهر، تعرضت خلاله للنصب من قبل صاحب الشقة، الذى حصل على 3 آلاف جنيه مقابل سكن شهر واحد فقط، فيما لا يتجاوز الإيجار فى تلك المنطقة ال700 جنيه، كل واحد ظلمنى ربنا هيحاسبه، سائق التاكسى الذى جاء بنا إلى السلوم أخذ هو الآخر 250 دولاراً». أضاف عبدالجليل: «بدل ما الناس تتعاطف معنا، بيستغلوا حاجتنا وبياخدوا الضِعف، ومنذ أكثر من شهر ونحن عالقون هنا على الحدود، بدى أروح ليبيا أشتغل هناك، لكن سكّروا الحدود فى وجه السوريين، رغم أننى دفعت 400 دولار، عنى وزوجتى للسماسرة، دون جدوى، لذلك سأعود مجدداً إلى (6 أكتوبر)، إحنا مش بدنا ليبيا ولا مصر ما حدا يقدر يعيش خارج وطنه». وحكى خالد حاجى، نجار مسلح، من حلب: «صعدت إلى منفذ السلوم، بصحبة أسرتى، أكثر من 20 مرة، ومنعت من دخول ليبيا؛ الجانب الليبى يقول إن مصر هى التى تمنعنا، والمصرى يقول إنه حصل على تعليمات من الليبيين بمنعنا من الدخول، لذلك لا تختم السلطات المصرية جوازات سفرنا، وكان المنفذ الليبى يسمح قبل شهرين بدخول العائلات السورية ويمنع الأفراد، أما الآن فالجميع ممنوعون، انتظرنا فوق الهضبة على الحدود بين الدولتين، يومين وثلاثة، معنا أطفال وسيدات، و«شوية مصارى» لن تكفى نفقات 10 أيام، ماذا نفعل بعدها؟». يُرجع «حاجى» ظهره للخلف، ويصمت قليلاً، ثم يتابع: «الإعلام يحكى عن مشكلة الشحن هنا، ولا يحكى عنا أحد، وصرنا عرضة للنصب والنشل والسرقة، ويتردد علينا يومياً العديد من السماسرة الذين يطلبون الحصول على 200 دولار عن كل شخص، للعبور به بوابة الحدود الليبية، وبعد الحصول على الأموال يخبروننا بأنهم غير مسئولين عن دخولنا ليبيا، وبسرعة يتركوننا هناك، فنظل فوق الهضبة أياماً وسط برودة الجو و«النشالين». أضاف حاجى: «منذ يومين جاء إلى هنا أحد السماسرة، وطلب الحصول على 500 دولار، مقابل المرور بأسرتين من كمين الجيش والجمرك المصرى، وتوصيلهما إلى الحدود الليبية، وحصل على الدولارات مقدماً، ولم يأتِ كما وعد». حسين حسن، شاب سورى، لم يتجاوز بعد ال21 سنة، قال: «أول ما نزلنا من سوريا، جينا على السلوم، قالوا ممنوع دخول ليبيا، بدنا نشتغل لكن هنشتغل فين؟ مفيش شغل، صاحب الفندق قال لو مش معاك أقعد لحد ما ربنا يفرجها، لكن إحنا الحمد لله حتى الآن معنا، ونريد دخول ليبيا على أمل أن نجد عملاً هناك، إذا «سكّروا» الحدود فعلاً أمام أى جنسية، فلازم يفتحوها أمام السوريين، اتفاقاً مع الأعراف الدولية، والشريعة الإسلامية». أضاف حسين: «الجانب الليبى يقول إن السوريين والإيرانيين واللبنانيين ممنوعون من الدخول، خوفاً من العمليات التفجيرية، وبعد المعاناة الشديدة التى لحقت بنا هنا على الحدود، سمح بعض شيوخ مدينة مطروح، بتسكين الأسر السورية فى شقق المصايف، بشكل مؤقت، لحين قدوم موسم الصيف، ولا نعرف ما الذى يمكن أن يحدث معنا بعدها». دعا محمد جدوع، شاب ثلاثينى متزوج، بانفعال على من «نصب عليه»، وظلمه مستغلاً محنته وغربته، قال: «أوهمنى أحد السماسرة بإمكانية التوسط لنا فى الدخول للأراضى الليبية، وحصل منى على 200 دولار، وذهب دون عودة، بعد أن توسمنا فيه الصدق، لكنه خدعنا، لأنه يعلم أنه لا حول لنا ولا قوة فى بلده، ولن نعرف عنه شيئاً، وحتى إن استطاع أى سورى دخول ليبيا، فهو أيضاًً معرض للنصب، هذا ما يحكيه لنا بعض أفراد عائلتنا الذين سبقونا إلى هناك». بصوت مرتفع، يملؤه الضيق، تابع جدوع: «عندما قامت ثورة عند الليبيين، جاءوا مصر ما «حدا سكر» عليهم الحدود، وأقل شىء يُقدم للسوريين هو فتح الحدود، السماسرة المصريون والليبيون يتركوننا على الأرض المحايدة، بين حدود الدولتين، وهناك نتعرض لأبشع عمليات السرقة والنشل، فلا أحد يرحم محنتنا، ولا يرحم الأطفال والنساء معنا، بل إننا نتعرض للسرقة داخل الجمرك المصرى، فمنذ أسبوع، وضعت زوجة أحد الشباب هنا بنتاً على الحدود، بعد أن انتظرت دخول ليبيا طويلاً، ولعدم وجود مستشفيات مجهزة هنا، نُقلت إلى مستشفى مطروح، وأهل البنت يسمونها «أمينة»، بينما نطلق عليها نحن اسم «عذاب»، فى ظل ما لاقته من عناء على الحدود. فى السلوم، تجد أطفال سوريا أعمارهم مختلفة، لم يذهبوا إلى المدارس منذ عامين، والحياة بالنسبة لهم متوقفة تماماً، مجموعة منهم وقفت أمامنا قال أحدهم: «نفسنا نرجع بلدنا تانى بس يكون بشار مات»، فيما أشار المحيطون بعلامة النصر. قال محمد عبدالعال، صاحب فندق بالسلوم، يقيم فيه عشرات السوريين: «انتظار تلك الأسر طويلاً أمام المنفذ الليبى تسبب فى عودة الكثير منهم إلى مطروح، والقاهرة، وبعضهم أصبح مضطراً، إلى التسلل للأراضى الليبية، عبر طرق غير شرعية مقابل 600 دولار للفرد الواحد، يسلمهم المهربون المصريون إلى سماسرة ليبيين آخرين، واليوم خرجت عائلتان من هنا، جازفتا بحياتهم، وانتقلوا مع المهربين إلى الحدود، بالقرب من سيوة». فى منتصف النهار، وقفت سيارة دفع رباعى أمام الفندق المتواضع، يقودها شاب ثلاثينى يعمل فى تهريب «السلاح والبشر»، من وإلى ليبيا، يرتدى جلباباً أبيض، من فوقه «جاكيت أسود»، عرض على بعض العائلات تهريبهم عن طريق «سيوة» مقابل600 دولار للفرد، لكنهم رفضوا عرضه، خشية الوقوع ضحية النصب والاحتيال مرة أخرى. التقت «الوطن» بالمهرب، وسألته عن طبيعة عمله، قال: «تهريب الأفراد شىء «هايف»، ودخله بسيط مقارنة بتهريب السلاح»، لافتاً إلى عزوف العصابات عن تهريب السلاح من ليبيا إلى مصر منذ شهر تقريباً، بعد ارتفاع أسعار الدولار، والدينار الليبى أمام الجنيه، مما أدى لارتفاع أسعار السلاح فى ليبيا، الأمر الذى يجعل التجار يجمعون السلاح مرة أخرى ويشترونه من مناطق مطروح والسلوم، لتهريبه إلى ليبيا، فالمهربون يربحون أكثر من ألف جنيه، فى القطعة الواحدة من السلاح الخفيف. المهرب الذى قضى فترة كبيرة من عمره فى السجون بعد القبض عليه فى عملية سابقة، أشار إلى أن هناك صعوبة فى تجميع السلاح وشرائه، لأنه «بقى شحيح»، حسب قوله، أما الصواريخ والقذائف، فلا يتم تهريبها إلى ليبيا، لأنها هُربت داخل مصر، لافتاً إلى أن تهريب السلاح والسوريين، يحدث فى المساء، على بعد 30 كيلومتراً جنوب منفذ السلوم، عبر طرق وعرة لا يعرفها إلا البدو والمهربون، بالقرب من واحة سيوة، متابعاً: «نجحت كثيراً فى تهريب السوريين إلى ليبيا وهناك مهربون آخرون يكونون فى انتظارنا على الحدود الليبية فى «خشبوب» لإكمال العملية».