كجوك: طرح 3 استراتيجيات متوسطة المدى للدين والسياسات الضريبية والمالية العامة نهاية الشهر الجاري    مسؤول سوداني: الحرب في البلاد صراع على الموارد ورغبة في تغيير ديمغرافيتها    خط نتنياهو الأصفر!    الامين العام يدعو إلى تغليب المصلحة العليا للشعب اليمني وتجنب التصعيد في حضرموت والمهرة في الجمهورية اليمنية    أحمد عبد الرؤوف: الزمالك قدم أسوء مبارياته أمام سموحة ولست راضيا عن الأداء    دهس طفل تحت عجلات ميكروباص فوق كوبري الفيوم.. والسائق في قبضة الأمن    ترحيل طليق المطربة رحمة محسن تمهيداً لحبسه تنفيذاً لقرار جهات التحقيق    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب سيارة جامبو بالطريق الصحراوي في البحيرة    بعد واقعة موقع المتحف المصري الكبير المزور.. أسامة كمال: ما الذي يمنع تكرارها وما هي العقوبة؟    رئيس شعبة المصورين الصحفيين: صاحب واقعة ريهام عبدالغفور لا يعمل بصحيفة أو موقع    تراجع جماعي لمؤشرات البورصة بختام تعاملات اليوم الخميس    تعيين محمد حلمي البنا عضوًا بمجلس أمناء الشيخ زايد    ضياء رشوان: نتنياهو يريد تجنب الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة    ستة منتخبات تصنع المفاجأة وتُحافظ على شباكها نظيفة في افتتاح أمم إفريقيا 2025    أخبار كفر الشيخ اليوم.. إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب رسميًا    نجاح عالمي للمعارض السياحية الخارجية وقرارات جديدة لتعزيز تجربة الزائر    هي تلبس غوايش وأنا ألبس الكلبش| انفعال محامي بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات    «مؤسسة محمد جلال الخيرية» تكرم أكثر من 200 حافظة وحافظ للقرآن الكريم    شبكة أطباء السودان: الدعم السريع تحتجز 73 امرأة و29 طفلة بولاية غرب كردفان    بعد قرار البنك المركزي بخفض الفائدة.. خبراء: ينعش أسواق المال ويعيد توجيه بوصلة المستثمرين    جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام    أخصائي يُحذر: نمط الحياة الكارثي وراء إصابة الشباب بشيخوخة العظام المبكرة    ختام مبهج ل «الأقصر للتحطيب»    خبير تشريعات: جولة الإعادة أكدت صعود المستقلين وبروز ملامح البرلمان الجديد    بعد عام من الانفصال.. طلاق شريف سلامة وداليا مصطفى    جمارك السلوم تحبط محاولة لتهريب كمية من البذور الزراعية الموقوف تصديرها    العائلة المصرية في برلين: مشاركة إيجابية للجالية المصرية في انتخابات «النواب»    كيف نُصلِح الخلافات الزوجية بين الصم والبكم؟.. أمين الفتوى يجيب    خبير: صناعة التعهيد خلقت فرص عمل كبيرة للشباب وجذبت استثمارات أجنبية لمصر    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    برلمانية: الاستحقاق البرلماني الأخير يعكس تطورًا في إدارة العملية الانتخابية    نائب محافظ الجيزة يتفقد المراحل النهائية لتشغيل محطة رفع الصرف الصحى بدهشور    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    الجزائرى محمد بن خماسة آخر عقبات الإسماعيلى لفتح القيد في يناير    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    التفاصيل الكاملة لافتتاح المركز النموذجي بالغرفة التجارية بالقليوبية    جامعة بدر تستضيف النسخة 52 من المؤتمر الدولي لرابطة العلماء المصريين بأمريكا وكندا    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    تعرف على أبرز الشخصيات فى مقابر تحيا مصر للخالدين    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    كرة طائرة - بمشاركة 4 فرق.. الكشف عن جدول نهائي دوري المرتبط للسيدات    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    فحص نحو مليون من ملفات جيفرى إبستين يثير أزمة بالعدل الأمريكية.. تفاصيل    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    لليوم الثاني.. سفارة مصر بإيران تواصل فتح لجان التصويت بجولة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    وزيرا «التضامن» و«العمل» يقرران مضاعفة المساعدات لأسر حادثتي الفيوم ووادي النطرون    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة فى مصر فاعل اقتصادى غير رشيد وفاشل، هل من سبيل للنهوض؟
نشر في الوطن يوم 24 - 03 - 2013

تلعب الدولة المدنية الحديثة والرشيدة، باعتبارها وكيلة عن الشعب، دوراً اقتصادياً عظيماً، خاصة فى مراحل النهوض من وهاد الركود والتخلف إلى الآفاق الرحبة للتقدم فيما يسمى بعملية التنمية.
إلا أن الدولة المصرية ظلت طوال أربعة عقود طوال، تحديداً منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى -عندما بدأ الرئيس الراحل السادات سياسة الانفتاح الاقتصادى لإعادة إدماج مصر فى المنظومة الرأسمالية العالمية والتقارب سياسياً مع الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، باعتباره يملك حسب تقديره 99% من أوراق لعبة الشرق الأوسط- تلعب دوراً اقتصادياً غير رشيد. ويمكن تلخيص هذا الدور فى استغلال الدولة لتكليف الشعب لها بإدارة شئون البلاد فى التكالب على جمع المال من خلال الاقتراض والاستجداء والجباية الجائرة ثم إهداره بالإنفاق العام غير الرشيد، وبادى السفه فى أحيان، وتسخير الحصيلة لإثراء عصبة قليلة العدد تحيط برأس الحكم وتحتكر السلطة والثروة، تنهب البلد وتهرب الأموال خارجه، بينما يعانى أغلب الشعب القهر والإفقار.
وهذا زعم خطير يحتاج لتدليل. ودليلى هو أن الدولة المصرية، فى ظل النظام الذى قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه ولم تفلح بعد، تلقت على سبيل الاقتراض والمعونة من خارج مصر عبر هذه الفترة ما يتعدى تريليون (ألف مليار) جنيه بسعر الدولار الحالى، منها قرابة 500 مليار جنيه من الولايات المتحدة وحدها على صورة معونات عسكرية واقتصادية مكافأة على توقيع اتفاقية كامب ديفيد التى صيغت لضمان أمن إسرائيل، وفوق ذلك اقترضت الحكومة من الشعب أكثر من تريليون جنيه، حيث تعدى الدين المحلى الآن تريليون وثلث التريليون، ومع ذلك انتهى أغلب أموال المعونات والقروض منهوباً ومهرباً إلى الخارج بواسطة عصبة الحكم الفاسدة، ولم يبق للشعب الكريم منها إلا معاناة الفقر والقهر والظلم الاجتماعى الفادح.
أى إن الدولة فى مصر أتيح لها بالوسائل المذكورة فى المتوسط، ما يربو على 600 مليار جنيه فى السنة الواحدة عبر العقود الأربعة الماضية، ولم تنجح فى توظيفها فى مشروع جاد التنمية يعود على أهل مصر بالخير.
مثل هذه الدولة يجب أن تعد سفيهة اقتصادياً وفاشلة تنموياً، ويتوجب الحجر عليها من قبَل شعبها بسبب فشلها فى التكليف الشعبى بحماية الصالح العام وحسن إدارة البلاد وتنميتها.
المشكل إذن ليس فى نقص الأموال ولكن فى نظام الاقتصاد السياسى الذى يُوظفها لمصلحته بينما يهمل المورد الأهم لأى اقتصاد فى عصر المعرفة، أى البشر معين المعرفة، ومعيار التقدم، بل يهينهم ويحط من كرامتهم. ولذلك عِبنا على جميع أطوار الحكم التسلطى التى تلت الثورة احتفاظها بهذا النظام كما كان بحذافيره وهرولتها لاقتراض واستجداء الأموال من الخارج بالإضافة إلى الجباية الجائرة من الشعب المسكين، فذهنية هذا النظام تخنزل الاقتصاد فى المال، وهو تعريف ضيق وعقيم خاصة فى بلد كمصر قام مجدها دائماً على الابتكار والإبداع الإنسانى، أى إنتاج المعرفة بالمصطلح العلمى المعاصر والذى يشمل الابتكار العامى كما يضم الإبداع الأدبى والفنى. ولا يقدر على هذا إلا البشر الأصحاء والمتعلمون جيداً والمتمتعون بمناخ يصون الحريات، عصب الفكر والابتكار والإبداع. ولكن هذه المميزات التاريخية هى بالضبط ما يقتل نظام الاقتصاد السياسى القائم.
وقد يستغرب القارئ من كونى لا أفرق بين مراحل مختلفة فى هذه الفترة الطويلة نسبياً، حسب تغير شخص رأس الدولة كما جرى العرف فى مصر باعتبار نظام الحكم فيها فى الجوهر رئاسياً مطلقاً. ولكن هذا هو القصد، فزعمى أن الدور الاقتصادى للدولة عبر هذه الفترة لم يختلف فى الجوهر من مرحلة رئاسية لأخرى وإن اختلفت المظاهر الشكلية بالطبع. وعلى وجه الخصوص، فمن الخطأ الفادح عندى إقامة فصل فى الدور الاقتصادى للدولة فى مصر قبل الثورة الشعبية العظيمة وبعدها، فلم يختلف قيد أنملة وإن حاول البعض زوراً إسدال حجاب إسلامى رقيق وزائف على الطور الراهن لدور الدولة الاقتصادى.
وللتدليل على هذا الزعم أسوق لاعتبار القارئ المقابلة التالية. يحكم مصر الآن سلطة تدعى الحكم بالإسلام، وبحكومتها وزير مالية يزعمون أنه خبير فى الاقتصاد الإسلامى وسيوجّه الحكومة تلك الوجهة، ومع ذلك فإن السياسة التى يتبعها وزير المالية «الإسلامى» هى بحذافيرها تلك التى ابتدعها جمال مبارك ويوسف بطرس غالى فى أبشع تطبيقات ما يسمى «توافق واشنطن» الذى يملى على الدول المتخلفة التى تبغى الاقتراض شروط تحالف ثلاثى من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ووزارة الخزانة الأمريكية، وهدفه الرئيس رعاية مصالح الرأسمالية العالمية. وهكذا كان اقتصاد مصر منذ ثمانينيات القرن الماضى وحتى الآن محكوماً بسياسات هذا الثلاثى الذى أقرض الدولة المصرية بشروط أنتجت البطالة والفقر والظلم الاجتماعى الفادح، وهى العوامل التى تسببت فى اندلاع الثورة الشعبية العظيمة. وكما انتهت عصبة جمال- يوسف فى أشد تطبيقات الجباية الجائرة بفرض الضرائب العقارية وبالرغبة فى إصدار صكوك ترهن أصول الشعب الذى فوّض الحكومة حسن إدارتها للصالح العام، وليس للحكومة أصلاً حق التصرف فيها لكونها ملكاً للشعب، بأجياله الحالية والقادمة، ما يجعل تصرف الحكومة فيها جناية تبديد. ولكن هكذا تماماً تفعل وزارة سلطة الإسلام السياسى ووزير المالية «الإسلامى»! إذن وزير المالية «الإسلامى» يطبق بالضبط سياسات عصابة جمال مبارك ويوسف بطرس غالى، بما فى ذلك الصكوك والضرائب العقارية، وفى الحقيقة لم تخترع تلك العصابة الضريبة العقارية، فقد ابتدعها فى مصر منذ قرنين تقريباً الوالى المملوكى عثمان بك البرديسى فى 1804، وتسببت فى الثورة عليه وإنهاء حكم المماليك. ولعل القارئ يتذكر أن التذمر الشعبى من فرض الضرائب العقارية ومحاولة تقنين الصكوك على أصول الشعب كانا من العلامات الاقتصادية على قرب نهاية عهد محمد حسنى مبارك. وقد يعيد التاريخ نفسه!
ولكن لنقم الحجة الآن على اتهام الدولة بالإنفاق غير الرشيد المسرف والمبذر إلى حد السفه أحياناً.
نزعم أن كثيراً من الإنفاق العام فى ظل الحكم التسلطى غير رشيد مسرف وبذخى، وبعضه بادى السفه، وجميعه منحرف عن غاية إقامة العدل إلى غرض تدويم الحكم التسلطى. وفى هذا يقع مثلاً تفسير أن يزيد عدد العاملين بجهاز الأمن عن مجموع العاملين بقطاعى التعليم والصحة معاً.
* الترف والبذخ فى الإنفاق العام، بواسطة الرئاسة وحكومتها، مثل التبذير فى شراء السيارات الفارهة الحديثة رغم الأسطول الضخم الموروث من العهد السابق، ليس فقط للرئاسة وللوزراء، بل لمساعديهم ومستشاريهم، وحتى السابقين منهم ولقوات الأمن؛ وعلى تجديد القصور الرئاسية، بدلاً من العمل على بيعها أو تحويلها لمتاحف تدعم السياحة وتدر دخلاً لتدبير موارد إضافية لخزينة الدولة التى أفرغها سوء الحكم. والإنفاق الباذخ على رحلات الرئيس والوفود الضخمة التى يصطحبها، بما فى ذلك الإصرار على الإقامة فى أفخر الفنادق وأغلاها، والله يرحم الوالدين.
* التمويل الباذخ لفرق كرة القدم التى تمولها الوزارات والقوات المسلحة والشرطة، والتى يجب بيعها إن وجدت مشترياً وإلا فلتتوقف.
* الإغداق على تغول الأمن، وهو أمن رجل واحد أو أمن الدولة ولو على حساب إهدار أمن المواطنين. من الخبل مثلاً أن يزيد عدد قوى الأمن فى مصر على مثيله فى الصين رغم أن تعداد سكان الأخيرة يقارب عشرين ضعفاً سكان مصر.
* سفه دعم الأغنياء، مثل دعم الطاقة للمشروعات المصرية والأجنبية التى تبيع حتى فى داخل مصر بالأسعار العالمية.
* النظام الضريبى القائم على الجباية الجائرة (ومن معالمه غلبة الضرائب على الأجور والمرتبات، وغلبة الضرائب غير المباشرة، والتوسع فى الإعفاءات لعوائد رأس المال).
* التهريب غير المشروع للأموال المنهوبة والمتحصل عليها من سبل غير مشروعة إلى الخارج.
* ومن أسف فقد امتدت عدوى الإنفاق التفاخرى والمبذر إلى المجتمع كله. ونشير هنا إلى الإسراف فى تكرار الحج والعمرة: فبينما فرض الله الصلاة خمس مرات فى اليوم لم يفرض الحج إلا «لمن استطاع إليه سبيلا». وقد يندهش القارئ من أن تخفيض عدد الحجاج والمعتمرين إلى النصف يمكن أن يوفر للدولة والمجتمع قرابة مليارى دولار سنوياً يراق ماء وجه مصر والمصريين لاستجدائها ممن قد لا يستأهلون سؤالهم أصلاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.