شيّد صلاح الدين الأيوبى قلعته على جبل المقطم بعدما قضى على الدولة الفاطمية، ويقال إن سبب بناء القلعة فى ذلك المكان شديد الارتفاع والوحشة وقتها، كان خوف صلاح الدين من بقايا شيع الخلفاء الفاطميين فى مصر، مما دفعه إلى التحصّن فى مكان عالٍ منيف قوى البنيان، ذى طبيعة صخرية وجغرافية متفردة، ثم بنى حوله سور القاهرة إمعاناً فى التحصين والاحتماء، ولقد ظل جبل المقطم متماسكاً متصلاً رغم وجود ذلك الوادى السحيق وسطه، إلى أن تم شقه بإنشاء شارع صلاح سالم فى العصر الحديث، الذى قسّم المقطم لجزئين غير متصلين!! توالت العصور وظل جبل المقطم مكاناً هادئاً، وقد يكون موحشاً لفترات قريبة جداً، وقد أسهم ذلك فى استخدامه للاختفاء والالتجاء إلى نهضت الحركة العمرانية بالمقطم منذ ثمانينات القرن الماضى بفعل توليه مسئولية تقسيمه وتعميره إلى شركة إيطالية فى الستينات. ليس غريباً الآن السكن فى المقطم أو حتى الصعود للتنزّه على حافته (المقطمة) ولكن اللافت للانتباه أن تتخذه جماعة سياسية مثل الإخوان المسلمين ملاذاً وملجأً، وتبتعد عن وسط البلد مركز الحركة السياسية الساخنة، وليس بمزايدة عرض فكر صلاح الدين الأيوبى وهو (ليس مصرياً على أى حال) حينما احتمى بالمقطم، ومقارنته بالمرشد العام الذى قرّر هو وجماعته الاختفاء والتحصين فى نفس المكان ولنفس الفكر، لتغيير مصر والانفراد بحكمها!! ولعل من دواعى المقاربة والتأمل هو رغبة الاثنين فى الانقلاب على الدولة بكل مكوناتها وإقامة دولة جديدة على أنقاض كل القوى الوطنية الأساسية، نعم فى كل الأحوال علينا أن نتفهم اختلاف العصور والأسماء والظروف والدوافع، ولكن يبقى المكان رابطاً بين الأهواء والمطامع!! ومن هنا كانت دعاوى كل القوى الوطنية للصعود إلى المقطم بعد حادثة الاعتداء على الصحفيين الشهيرة، ورغبتهم فى إيصال رسالة مهمة مفادها أننا أيضاًً نبسط أيادينا على كامل الأرض ولن نسمح بالتفرّد بمكان أو جبل لصالح جماعة أو تيار، وما ينضوى عليه ذلك أيضاًً من رفض البلطجة التى يستخدمها كوادر الإخوان فى التعامل مع الإعلام والمعارضين والمختلفين والتى تجلّت فى صفعة حقيرة من يد الإخوانى على وجه «ميرفت» و«دومة» وهما من المشتبكين بالعمل السياسى، حتى إن اختلفنا مع منهجهما أو اتفقنا. إن رمزية جبل المقطم وارتفاعه الشاهق تتسق مع نية الجماعة فى الاعتلاء على مصر بالكامل، ويصرح بتلك النظرة الفوقية الاستعمارية التى لا تبتعد عن المشهد السياسى الحالى، ثم إن ذلك النتوء الشاهق فى وسط القاهرة وتمركز الإخوان فوقه ينبئ بخوفهم من هذا الشعب وتحصُّنهم بعيداً عنه لنيتهم فى اغتصابه واقتياده كما كان يفعل كل السلاطين الذين سكنوا وتحصّنوا بنفس الجبل وغيّروا مصر وسحبوا من هويتها لصالح فكرهم وآرائهم وسيطرتهم، ولفظوا الجميع، رمزية المكان تنطبق على الفكر والإرادة والتحصين والاعتلاء والذعر أيضاًً!!