بكى المفتى فوق المنبر محذراً ومشدداً وخائفاً من فوضى تسيل معها الدماء، وتنهدم معها آليات بناء الدولة الحديثة قامت ضجة عبثية تسىء إلى فضيلة مفتى الجمهورية لأنه تمسك بموقفه من أن الأزهر الشريف يقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين، وأن دار الإفتاء لا تعرف الانتماءات السياسية ولا الحزبية، واعترض المفتى على من قال إن الانتخابات إذا جاءت بفلان فستكون مزورة ولن نرضى بها، ودعا العلماء إلى التخلى عن الحزبية السياسية، وأكد أن «الانتقائية» فى قبول استحقاقات المرحلة مدخل إلى هدم الدولة الحديثة. بكى المفتى فوق المنبر محذرا ومشددا وخائفا من فوضى تسيل معها الدماء، وتنهدم معها آليات بناء الدولة الحديثة. صدق حس فضيلته فى ساعتها، فبينما هو يشرح هذا المعنى إذا بهرج ومرج وسباب فى العشرات من المساجد؛ لعدم التزام الأئمة باحترام منبر الرسول، واستخدامه لخدمة شخص على حساب شخص، لقد أسهمت هذه المنابر، يؤيدها شيوخ مشهورون، فى القضاء على الاصطفاف الوطنى بفعل هذا الهزل. ثمة خطورة شديدة إذا لم نعد إلى رشدنا ونضع كلام المفتى موضع الاحترام، بل والتنفيذ، وإلا فسنكون أمام وضع تسيل فيه الدماء وتزهق فيه الأرواح. هناك أناس إذا جاءت استحقاقات المرحلة متوافقة مع مصالحهم أخرجوا لك من قاموس اللغة عبارات: «قضاء نزيه.. الإرادة الشعبية.. الالتزام بخريطة الطريق.. لا للمظاهرات»، وإذا لم تأت وفق مصالحهم رفعوا عبارات: «شرعية الميدان.. انتخابات مزورة.. قضاء فاسد». الذى يحترم الشهداء ولا يريد مزيدا من قتل هو الذى لا يعرف «الانتقائية» فى احترام الشرعية، فهو يرضى بحكم القضاء ونتيجة الانتخابات طالما وافق على الاحتكام إليها، حتى إن جاءت النتيجة فى صالح منافسه، أو يعترض بداية، فهو هنا يرفض حتى إن جاءت النتيجة لصالحه. أكثر ما يحزن أن «الانتقائيين» هم قادة الثورة وأبطالها، فصباحى وأبوالفتوح يهرولان للشرعية الثورية بعد فقد المنصب فى الشرعية الصندوقية، حتى صارت «الانتقائية» فى التعامل مع الانتخابات وأحكام القضاء الأساس فى معظم المواقف التى يتخذها الفاعلون السياسيون. عصام العريان وصفوت حجازى والبرلمانى الإخوانى على بطيخ وغيرهم، بدأوا يوطدون الرأى العام على أن الانتخابات إذا جاءت بشفيق فإنها مزورة وغير شريفة، ويجب الاعتراض عليها، والخروج إلى الشارع من أجل إسقاطه، وإذا جاءت بمرسى فإنها نزيهة وحرة وديمقراطية ومعبرة عن الإرادة الشعبية. إننا إذا كنا لا ننسى أن النظام البائد قتل مئات الأطهار، فإن «الانتقائية» قتلت عشرة من الأطهار فى العباسية بسبب تحريض أنصار «أبو إسماعيل»، فليحذر الشرفاء من ترويض أتباعهم على أن الانتخابات مزورة إذا جاءت بغير مرشحهم، ساعتها سنكون أمام مشهد عبثى وفوضوى وانقلاب على الديمقراطية لا يختلف عن انقلاب النظام البائد عليها، وساعتها سيندم الإخوان على تصريحاتهم ولن ينفع الندم. إن الفوضى لو وقعت من الفلول إذا جاءت الإعادة بمرسى، أو من الإخوان إذا جاءت بشفيق، فستصل بنا إلى مزيد من دماء طاهرة تسيل، وأرواح مصرية تزهق، لهذا حذر المفتى وبكى قبل أن لا ينفع الحذر والبكاء.