شاهدت أمس على إحدى القنوات الألمانية فيلماً مصرياً مدبلجاً للألمانية حمل عنوان (678)، عن مصائب التحرش ولن أقول ظاهرة، فالظاهرة مؤقتة وتنتهى بانتهاء أسبابها. لن أسعى فى مقالتى لتحليل الفيلم، بل لمراجعة بعض الأفكار. قصص الفيلم للشخصيات النسائية الثلاث حقيقية، وأزعم أنه يوجد فى الواقع تحرشات أسوأ منها، ولو عرضت كفيلم لاعتقد البعض أنها محض مبالغات. سألت زوجتى مباشرة بعد انتهاء الفيلم، إن كانت قد تعرضت يوماً فى أى من المواصلات العامة هنا فى فيينا، إلى ما يشبه هذا التحرش. قالت: «أبداً، لم يحدث على الإطلاق، لكنى تعرضت وأنا فى مصر، عندما كنت طالبة فى الجامعة حين ركبت الأتوبيس والمترو، وبعدها قررت أن أركب تاكسيات فى الذهاب والإياب!» فى العقود الثلاثة التى عشتها فى فيينا، لم ألحظ يوماً أى تحرش بامرأة فى المواصلات العامة، وربما لو حصل سيكون شخصاً مريضاً. لكن من سؤالى أيضاً لعينة بسيطة ممن أعرفهن هنا، أنكرن حدوث هذا معهن. فالمرأة أو الشابة تسير هنا فى أى وقت من اليوم دون أن يتعرضن لهذه التحرشات. وللتأكيد للمرة الألف أن فيينا ليست روضة من الجنة، فبالتأكيد تحدث هذه التحرشات فى كل المجتمعات، لكنها متدنية للغاية بمقارنتها بما يحدث فى عالمنا الشرقى. فى سؤالى لعينة صغيرة من المصريات عن التحرش، قيل لى إنه قد يبدأ من الجار قبل المار فى الشارع، ثم من ركاب الأتوبيس، ولم يسلمن حتى من بعض زملاء العمل. قالت لى صديقة إنها لا تستطيع أن تقول لزوجها عن سخافات الجار التافهة، لأنه قد يرتكب جريمة، وقالت لى أخرى إنها اشتبكت مرة مع متحرش فى الطريق العام فى معركة لفظية، فلما اجتمع الجمع حولها، أول من أنبتها كانت امرأة مثلها، مطالبة إياها بتغيير ملابسها لملابس محترمة، ولماذا تكلم رجلاً فى الشارع! أما فى الأتوبيس، فالمرأة فريسة متاحة «للمساعير» طوال الوقت، فالمرأة الداخلة للأتوبيس المزدحم مثل الفريسة الوديعة الداخلة لغابة من الوحوش، وإن انتهت من ذلك، فهى فى عملها تضطر للاستماع لنكات خارجة وتلميحات بذيئة، وإن لم تستجب فهى معقدة ومنغلقة، وإن جاملت فقد وقعت فى المحظور، وعليه ستتعاظم جرعة السفالة لحد أعلى. طبعاً مع تطور حالة التحرش المصرية فى السنوات الأخيرة، تنادى أصوات باعتبار أن المرأة هى السبب، أو بالأصح «وجود المرأة» فى الشارع. وبسبب عرض الفيلم (678) كانت هناك دعوى مقدمة للنائب العام بمنع عرض الفيلم أو رفعه من دور العرض، باعتباره محرضاً على العنف ضد الرجال، وهناك شكاوى رسمية أخرى ضد الفيلم باعتباره «جارح ومسىء لسمعة مصر فى الخارج»، وهى الحجة المزمنة التى ترى أن إظهار المشكلات الاجتماعية المسكوت عنها، يمثل إساءة لسمعة البلاد! تلك «المكرورة» الدائمة التى يتخذها كثيرون ذريعة بائسة! أتذكر أحد المسئولين العرب الكبار فى فيينا، كان قد رفض يوماً عرض صورة فوتوغرافية رائعة للحياة فى مصر باعتبارها «إساءة» لمصر. كانت الصورة تعرض ملابس مغسولة ومنشورة على حبال بشكل جميل، لم أر فيها أبداً ما يسىء، بل كانت على العكس «نشر غسيل نظيف»!