سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أمين شرطة يروى تفاصيل اختطافه على يد "عساكر الداخلية":"سحلونى وجرونى ورمونى فى البوكس" «الأمين» فض اعتصامه وطلب النجدة.. مهدداً بالانتحار فى ظرف 30 دقيقة
الوضع هادئ أمام البنك الشهير فى منطة منيل الروضة، سيارات الشرطة تتابع مرورها فى المكان، الجو ملبد بالغيوم، مما قلل من كثافة المشاة، تقترب 3 سيارات «بوكس» من البنك، يهبط منها عميدان وبضعة أمناء وثلة من العساكر، ثم يدخل إلى المشهد رجل يرتدى زياً مدنياً، طويل القامة، أسمر اللون، يهاجمه العساكر ويخرجون من حزام بنطاله «طبنجة ميرى» عيار 9مم، تنهال الركلات واللكمات على وجهه وصدره. يشترك الشباب فى محاولة القبض عليه، يصرخ الرجل بعنف ولا أحد يسمع، تمتد أيادٍ لتعبث بجيوبه، ألفان من الجنيهات يخرجونها من القميص وخزانة سلاح من جيب البنطال و30 طلقة من ذات العيار من الجيب الآخر. الرجل الذى يبدو فى منتصف العقد الرابع، يقاوم رجال الأمن، يمنعه المارة من الفرار، يلتف حوله العساكر ويقومون ب«سحله» على الأرض، ويُجرونه حتى يصل إلى «البوكس»، يهتف بكل ما تبقى من أنفاسه: «حرام عليكم، بتعاملونى كده ليه» يرد عليه أحد الواقفين: «كنت شايل سلاح ليه ياله؟» فتكون الإجابة: «عشان أنا حراسة على البنك، ده شغلى، أنا أمين شرطة». تبدأ الحكاية منذ أكثر من عامين، يرويها عبدالناصر فاروق محمد، أمين الشرطة المختطف من أمام بنك القاهرة، فى 15 يناير 2011 كلفت وزارة الداخلية «عبدالناصر» بقيادة مجموعة مكونة من 14 فرداً لحراسة قصر المنتزه الرئاسى، و لكونه يعمل منذ أكثر من 23 عاماً فى إدارة شرطة الرئاسة، ذهب عبدالناصر لأداء مهمته، صُعق عندما وصل إلى هناك، فقد فوجئ أن تعيينات الطعام المخصصة للقوة التى يرأسها يتم سرقة معظمها يومياً، بدأ فى الشكوى لقيادات الوزارة التى التزمت الصمت وقتها، مر العديد من الأيام على وجوده فى القصر المنيف، ثم اندلعت أحداث الثورة، التى يقول عنها: «كان فيه ناس بيحاولوا يهجموا على القصر والحمد لله تمكنت أنا والقوة اللى معايا من التصدى لهم»، تصاعدت الأحداث وتم قطع الاتصال بينه وبين وزارته «الداخلية كانت وقعت خلاص، بس إحنا قدرنا نكمل شغلنا، رغم أن مهمتنا كانت المفروض تنتهى يوم 31 يناير». بعد استقرار الأوضاع فى مصر وتحديداً فى فبراير 2012 نقلته الداخلية من شرطة الرئاسة إلى «الخيالة» دون سبب مقنع، وهو يقول: «نقلونى من قصر لزريبة بعد 23 سنة خدمة فى الرئاسة»، معللاً سبب نقله بالاضطهاد الذى ناله من رؤسائه «عشان أنا راجل مش بسكت على الغلط» كونه طالب مدير إدارته «بتطهيرها من الفساد» الذى نال العديد من ضباطها «معظمهم كان مرتشى وحرامى»، ويقول عبدالناصر الذى دفعته «بذلته العسكرية» إلى تنفيذ الأوامر الصادرة إليه: «كنت بقوم الصبح أروح العباسية وأرجع آخر النهار أعتصم قدام قصر القبة». ذهب عبدالناصر إلى أحد مكاتب الدعاية، وقام بعمل لافتات ضد «فساد» وزارة الداخلية، الأمر الذى دفع قياداته لإرسال قوة من قسم الزيتون للقبض عليه، إنه يقول «لما جم الأمناء والضباط من القسم اتعاطفوا معايا وقرروا يسيبونى». استمر اعتصامه مدة طويلة، «كان نفسى يفتحوا معايا تحقيق ويقوللى إنت اتنقلت عشان خاطر سبب معين» فى بادئ الأمر تجاهلته الوزارة وبعد فترة بدأت فى التفاوض معه، حسب قوله، تم نقله فى شهر ديسمبر 2012 إلى شرطة الحراسات «الوزارة نقلتنى عشان أشتغل بواب على بنك ويذلونى أكتر». استلم أمين الشرطة عمله أمام بنك القاهرة، وبدأ فى تكوين علاقات جديدة مع العاملين ورواد البنك وحتى جيرانه، وقرر اتباع الطريق الرسمى فى الشكوى دون أن يعتصم، ذهب إلى قصر الاتحادية وحاول تقديم شكواه، ولكن أثناء دخوله من بوابة القصر فوجئ بأحد رؤسائه الذى يصفه «بالفاسد»، قطع عليه الطريق ورفض أن يُدخله القصر. بدأ عبدالناصر فى الصياح، التف حوله الجميع، مما دعا «العميد مصطفى زعفران» لاستدعاء أفراد من الأمن المركزى ليحيطوا به، فقرر أن يعود إلى البيت ويستخدم التليفون ليوصل صوته إلى المسئولين، «اتصلت على رقم ديوان المظالم رد عليا واحد وخد الشكاوى والبيانات واستنيت أكتر من أسبوع ومحدش رد». بسبب التجاهل قرر الذهاب إلى قصر الاتحادية مرة أخرى، وطلب مقابلة المسئول عن العلاقات العامة فكانت المفاجأة، «دخلت عشان أقابل المسئول لاقيته العميد منصور أحمد العادلى وكانوا بيقولوه يا دكتور رغم أنه أساساً ضابط أمن دولة»، بمجرد أن تعرف على «الدكتور منصور» فقد الرجل الأربعينى الأمل «ممسكين واحد أمن دولة طلبات الناس وبيقولوا هيحلوها، طب إزاى؟!». وبعد أن فشلت محاولاته فى «الديوان الظالم»، كما يصفه، قرر اللجوء إلى القضاء، رفع قضية ضد وزير الداخلية بصفته متظلماً من نقله «التعسفى» واختصم فيه كلاً من العميد رأفت حسن نائب مدير حرس المنشآت والعميد مصطفى زعفران رئيسه المباشر. على باب البنك، بدأ عبدالناصر فى التكيف مع عمله، بدأت مشاكسات مدير فرع البنك تقلقه، «كان عايزينى أشتغل خدام، أروح أجيبله فطار وغدا، وأنا مقبلش على كرامتى ده». يرفع عبدالناصر رأسه عالياً وترتسم فوق شفتيه ابتسامة حالمة ويقول: «أنا رجل أمن مش خدام»، امتلاكه سيارة ومساعدته للمواطنين دون مقابل ورفضه الذهاب إلى أى مكان خارج نطاق عمله تسبب فى مشاجرة مع رجل أمن البنك المدنى «كان عايز نقسم الموضوع، هو يجيب الفطار للموظفين وأنا أجيب الغدا، حاولت أفهمه إن أنا مش كده لكن مفهمش». تفاقم الأمر ووصل إلى حد الشجار، حاول الدفاع عن نفسه، «بس مضربتش الواد»، خرج مدير فرع البنك على الجلبة وقرر الاتصال بالشرطة، بعدها بعدة دقائق تلقى الأمين اتصالاً من إدارته تخبره بضرورة الحضور فوراً، فقام بالسؤال «طب مين اللى هيحرس البنك»، قرر عبدالناصر الاتصال بالنجدة كى تأتى وتحرر محضراً ضد رجل الأمن المدنى، وأبلغها بقرار اعتصامه، مهدداً بقتل نفسه إذا لم تحضر النجدة، 30 دقيقة مرت ليفاجأ الرجل بقوة تهجم عليه على حين غرة، بدأ فى الصياح والدفاع عن نفسه ضد زملاء الداخلية ولكن «الكثرة تغلب الشجاعة». اقتيد الرجل إلى مقر شرطة الحراسات، فأبلغ رئيسه بالتعدى عليه من قبل فرد الأمن وأفراد الشرطة، لكن رئيسه فضل الصمت، يقول عبدالناصر معللاً صمت العميد: «بياخدوا فلوس من البنك على الحراسات الخاصة، كل بنك بيدفع 4600 جنيه على الفرد لوزارة الداخلية، الأمين بياخد منها 100 جنيه والباقى بيروح للوزير ومعاونيه ومديرى الإدارات، عشان كده البنك عندهم أحسن من 100 فرد». وتم احتجازه فى الإدارة لمدة تزيد على 9 ساعات، أثناء الهجوم عليه أمام البنك رن تليفونه المحمول ضغط على زر الرد، لم يكن يعلم أن زوجته هى المتصلة، صاح: «أنا مخطوف واللى بيخطفنى وزارة الداخلية» ليسمعه الشخص على الطرف الآخر، كان ذلك قبل أن «يفتشونى وياخدوا كل اللى معايا». تحركت زوجته إلى نيابة الخليفة، قابلت وكيل النيابة «شريف الشناوى» وحكت له القصة، وأمر وكيل النيابة المباحث بالاستعلام عن الواقعة بأقصى سرعة، فتأكد الخبر «وعشان كده قرروا يسيبونى». فى صباح يوم 13 فبراير 2013، حاولت الداخلية «لم الموضوع»، تلقى عبدالناصر اتصالاً هاتفياً من اللواء «أشرف سليم» طالبه فيه بالحضور إلى مقر مديرية أمن القاهرة لمقابلة اللواء أسامة الصغير، مدير الأمن، «رحت وقعدت 6 ساعات من غير ما حد يقابلنى، أنا نفسى أقابل مسئول يشرحلى هما ليه عملوا فيه كدة؟».