البهجة التى استقبل بها أهالى مدن القناة قرارات «مرسى» بإعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجول، لا يمكن أن تكون مجرد احتجاج أو تحدٍ لقرار الرئيس وهيبة الدولة، لا يمكن أن تكون حتى مجرد عصيان مدنى، بقدر ما هى خيال مدهش، وفعل إبداعى مبتكر، إحساس عميق بالحرية، إحساس بالثقة وانعدام الخوف، وعمق التغيير فى نفوس الناس بعد 25 يناير، لم يعد بإمكان أحد قهرهم والتسلط عليهم، غير مسموح بسجنهم مرة أخرى.. مجرد أن رفع مرسى إصبعه مهدداً (سأفعلها، سأفعلها) معلناً حالة الطوارئ فى مدن القناة، حتى انفجرت النكتة، وتعالت السخريات، وتحولت شوارع بورسعيد والإسماعيلية والسويس إلى كرنفال شعبى احتفالاً بالحظر.. خرج الناس بالسيارات والأعلام والدراجات البخارية، أطلقت الألعاب النارية، أغانى السمسمية والموسيقى والرقص فى الشوارع، نظمت مباريات كرة القدم (شاركت فيها قوات الجيش والشرطة) تبدأ مع موعد الحظر وتمتد حتى الصباح، رحلات جماعية من المحافظات الأخرى لزيارة مدن القناة، ومشاركتهم احتفالات حظر التجول!! هذه الروح، وهذا الخيال المدهش، بعفويته الشديدة، وسخريته العميقة وإبداعاته المبتكرة، الذى واجه به أهالى مدن القناة قرار حظر التجول، هو ما أربك السلطة، أحرجها وجرحها، هزم الفعل الاستبدادى ووجه صفعة للنظام، فاضطر للتراجع.. فرض حالة الطوارئ فى الذكرى الثانية للثورة يعنى بالتأكيد انتكاسة وفشلاً، عودة للقوانين الاستثنائية الاستبدادية.. كما أن اللجوء إلى الجيش كحل أمنى، ومنحه حق الضبطية القضائية، هو أيضاً تراجع ونكوص وفشل، رغم أن موقف الجيش ظل على مسافة وسط بين الرئيس مرسى وأهالى القناة، ربما انحاز للناس بمشاركتهم مباريات كرة القدم وكسر حظر التجول.. لكن ما أتوقف أمامه هو تلك الحالة من البهجة التى عاشتها مدن القناة مع حظر التجول، البهجة التى غمرت الناس فى شوارع بورسعيد والإسماعيلية والسويس، السخرية التى تحولت إلى صفعة على وجه النظام، البهجة التى مسحت مشاعر الإحباط، خففت الشعور بالخسارة والتدهور الذى نعيشه منذ عامين، ومنحتنا قدراً كبيراً من الثقة والتفاؤل؛ لأنها ببساطة وضعت يدها على المكسب الحقيقى للثورة المصرية (حرية الإنسان المصرى).. صحيح أن العنف والفوضى والارتباك تجتاح كل شىء حولنا، وصحيح أننا جميعاً نستنكره ونرفضه بكافة أشكاله وصوره؛ من عنف الأمن، إلى عنف البلطجية، ومن ميليشيات الإخوان إلى (البلاك بلوك)، كل صور العنف مرفوضة ومناقضة للشخصية المصرية، وهى أيضاً لا تقدم حلولاً، بقدر ما تزيد المشهد تعقيداً، بينما نجحت الثورة بسلميتها، وأدهشنا أهالى القناة بخيالهم المبدع وسخرياتهم.. أجبر السلطة على التراجع، ومنحنا الثقة والأمل والقدرة على الاستمرار..