كتب روبرت فيسك الصحفي البريطاني الكبير مقالا تعليقا منه على الحكم الصادر ضد الرئيس السابق مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير داخليته وستة من معاونيه: "الحكم على مبارك بالمؤبد هو حكم بالإعدام.. كيف لا وهو يبلغ 84 عاما؟ مبارك سيموت في السجن أما حبيب العادلي فإن عاش ليقضى عقوبته فسيقتل داخل السجن قبل أن يكمل مدة العقوبة.. بالطبع لم يكن الغرب يسأل عن المحاكمات العسكرية للمدنيين أثناء الثمانينيات والتسعينيات وحتى الآن، فالعسكر مازالوا في سدة الحكم ولم تكن المحاكمات العسكرية للمدنيين فكرة المشير طنطاوي، وكذلك أحكام الإعدام الجائرة التي صدرت عن تلك المحاكمات، فمبارك كان يحارب الإرهاب بالنيابة عن الغرب، وأظنه كان معتدلا وصديقا لنا، وربما لهذا تم تبرئة جمال وعلاء مبارك الذين لا يخالجني شك أنهم سيغادرون مصر. وها هي القصة.. كان جورج بوش الابن يرسل بعض السجناء لحلفاء الغرب المعتدلين مبارك والأسد ليقوموا بتعذيبهم نيابة عن واشنطن، وكان هؤلاء المعتدلين دائما في الخدمة، ودعونا نتذكر كيف كان سفراء الولاياتالمتحدة في القاهرة يطلبون من مبارك إصدار أوامر للشرطة بالكف عن تعذيب السجناء المحتجزين لديهم، وقد قال احد سفراء الولاياتالمتحدة لمبارك ان السجناء في ليمان طرة يتعرضون للاعتداء الجنسي وكان بعضهم من المتطرفين الإسلاميين ولكن الاعتداء الجنسي عقوبة وحشية؟ ولم يتم محاسبة مبارك على تلك التهم وإنما تم محاسبته فقط بتهم قتل المتظاهرين أثناء الثورة. وكان قناصة مبارك يقتلون الشباب في ميدان التحرير ليلا وربما لهذا ذكر القاضي أن عهد مبارك كان "ثلاثين عاما من الظلام" كما لقي عديدون حتفهم في أقسام الشرطة في عهد مبارك وأثناء تظاهرات الإسلاميين وكذلك يمكننا تذكر من لقي حتفه في سجون السادات. ويتم معاقبة مبارك بسبب حملة إرث جهازي شرطة السادات وعبد الناصر. لقد أحببنا نحن البريطانيين مصر وشجعنا الديمقراطية المصرية في العشرينيات (حتى أراد الديمقراطيون التخلص من الملك فاروق)، كما أعجبنا بدور مصر في الحرب العالمية الثانية (بغض النظر عن ان السادات كان مؤيدا لروميل) ونحن في الأصل نحب عبد الناصر، ثم جاء السادات الذي قام بطرد الخبراء السوفييت وصنع سلاما مع إسرائيل وأراد اقامة دولة فلسطينية، وقال ذلك نصا في الكنيست الإسرائيلي، ثم قتل على يد جيشه.. من وسط موكب القتلى في حادث المنصة برز حسني مبارك الذي تميز بالعناد والبلادة والملل، إضافة إلى كراهيته الواضحة لكل ما هو إسلامي، وكما قال عنه محمد حسنين هيكل "مبارك قد دخل الغرفة الهادئة" والهدوء هو كل ما يريده مبارك وأذيع خبر مفاده إصابة مبارك بنوبة قلبية على متن الطائرة التي كانت تقله من المحكمة، وبالطبع فإن الحكم بالسجن المؤبد من شأنه أن يجعل أي شخص مريضا. لقد أفادت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، إضافة إلى عدد من الدبلوماسيين ببيانات غير محدودة عن عمليات قتل قامت بها الشرطة خارج إطار الصلاحية القضائية خاصة في محافظة أسيوط، ولم تكن المشكلة هي الفساد في حد ذاته وإنما كانت تغلغله داخل أروقة السلطة وارتباطه بالرئيس نفسه، وكان الفساد في مصر فريدا من نوعه، حيث كانت الصحف القومية تضع صورة مبارك على الصفحة الاولى كل يوم وكل واسبوع وكل شهر وكل عام. وكان الصحفيون المصريون يتميزون بالعدوانية عندما يتعلق الأمر بمبارك حتى ان احدهم وصفني ب"الغراب الناعق" عندما تحدثت عن نتائج الانتخابات. كان مبارك هو الرئيس الذي سمح للصحفيين بفبركة صورة التقطت له في البيت الابيض (الصورة التعبيرية الشهيرة للأهرام) وكان حلاقه الخاص يجعله شابا عن طريق الصبغات وطبعت الصحافة القومية خطاباته التي لا نهاية لها وكان ينقصه - لحسن الحظ - ان يكتب روايات مثل صدام حسين ومعمر القذافي. ولكن دعونا كغربين نتذكر كيف أحببنا مبارك، وتوددنا ايه واستمعنا الى نصائحه وأفكاره عن الإسلام السياسي، ومخاوف عمر سليمان رئيس مخابراته من عنف المتشددين الإسلاميين وكيف ظننا أن مبارك "صانع سلام". وأيضا كيف ينتظر المصريون اليوم الرئيس القادم.. وهل سيكون أحمد شفيق أم محمد مرسي؟ وإذا كان البعض يرى أن حكم المحكمة يعزز فرص مرسي فهل لو فاز مرسي بالفعل سيكون أليفا نحو الجيش مثل أحمد شفيق. من سخرية القدر أن الثورات لا تعرف النهايات السعيدة ومنها الثورة الفرنسية عام 1789 والروسية 1917وحتى ثورة مصر عام 1952 لقد كتبت منذ عام ونصف كيف أن ثورة 25 ينايرهي أسعد من أي ثورة مضت، وما زال هذا صحيحا حتى الآن فالعرب بالملايين قد أطاحوا بدكتاتور لكنني أخشى أن الديكتاتور ذهب وبقيت الديكتاتورية، فالجيش لا يزال يدير الأمور في مصر ونحن، في الغرب نفضل أن نتعامل مع بلاد يحكمها العسكر وكذلك تفعل واشنطن. لا أحد يشير إلى أن مستقبل مبارك سيكون مظلما، فسف يتم نقله إلى مستشفى سجن طرة، السجن الذي طالما اعتقل وعذب فيه معارضيه والذي يقضي عديدا من وزرائه وقتهم الآن بداخله على ذمة قضاياهم وسوف يزوره ولداه جمال وعلاء الذين مازالا قيد الاحتجاز بتهمة التلاعب في سوق الأوراق المالية. وسوف يستحوذ ذلك على اهتمام الشباب الثوري الحقيقي في ميدان التحرير فهم يريدون دولة نظيفة، ومجتمعا نظيفا، ولا يريدون أن يروا في جولة الإعادة مرشحا للإخوان المسلمين وآخر من نظام مبارك، ويبدو أن تونس كانت سباقة فقد هرب ديكتاتور فاسد إلى السعودية وفي مصر سيموت ديكتاتور آخر، وذلك على النقيض من ثورتي ليبيا واليمن اللتين اتسمتا بالعنف.