بعد يومين، تكون الثورة قد أتمت عامها الثانى.. وما بين البدء والذكرى، جرت فى النهر مياه كثيرة تضمنت من الأحزان والأوجاع أكثر مما حملت من الأفراح.. لم يكن يدرى بخلد أحد أن يوم 25 يناير 2011 هو شرارة البدء.. كانت أقصى الأمانى إيقاف العمل بقانون الطوارئ وإقالة وزير الداخلية، لكن الشعب المصرى خيب ظنون الجميع.. وبشىء من الثبات والإصرار والتحدى والمقاومة والتضحية والوحدة، قامت الثورة وسقط رأس النظام.. وقد تبلورت أهداف الثورة فى شعارات محددة، لكنها ملهمة ومعبرة عن قسوة المعاناة: عيش - حرية - عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية. العيش والعدالة الاجتماعية صنوان، يرمزان إلى ضرورة توفير الخبز، وحل أزمة البطالة، وعلاج مشكلات التعليم والصحة والإسكان والنقل والمواصلات، وتحديد الحدين الأدنى والأقصى للدخول، ووصول الدعم لمستحقيه الفعليين، ووضع نظام ضريبة تصاعدياً.. خلال العامين فشلت الحكومات المتعاقبة فى اتخاذ أى خطوة إيجابية نحو هذين الهدفين، بل ازداد الأمر سوءاً، ويبدو أن أهل الحكم غير مدركين لحقيقة الأوضاع.. حل الوضع الاقتصادى المأزوم مرهون بشكل جذرى بالاستقرار السياسى والتعافى الأمنى، وكلٌ منهما يعانى من أزمة حقيقية مستحكمة تلقى بثقلها السلبى على عملية الإنتاج، والنشاط السياحى، والاستثمارات الخارجية، والاحتياطى النقدى. الحرية والكرامة الإنسانية انقلبتا إلى فوضى ودم.. الخطأ الأكبر الذى وقعت فيه القوى الثورية، لحظة تنحية مبارك، أنها لم تتفق على مجلس رئاسى مؤقت لتولى السلطة ولإعداد جمعية تأسيسية لكتابة الدستور، بل إنها تركت -غفلة منها- المجلس العسكرى ليتولى إدارة البلاد.. جرى الاستفتاء على التعديلات الدستورية بمعاونة القوى المحافظة، ثم صدر الإعلان الدستورى الذى مكّن المجلس العسكرى من السلطة، وتم البدء فى إجهاض الثورة وإنهاك القوى الثورية.. سالت دماء كثيرة، وارتُكبت مجازر وحشية فى ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء، واستاد بورسعيد، ومحمود 2، والعباسية.. كما ألقى القبض على 12 ألفاً من المدنيين وحوكموا عسكرياً.. وجرى طمس معالم الأدلة المتعلقة بقتل الثوار، كى يتم تدشين مهرجان «البراءة للجميع».. من المؤكد أنه لولا الشهداء والجرحى، ما أجريت الانتخابات النيابية والرئاسية. فى بداية توليه المسئولية، وعد الدكتور مرسى بالقصاص من القتلة والمجرمين وأخذ حق الشهداء، لكن شيئاً لم يحدث.. وبعد شهر ونصف تقريباً، أصبح الطريق أمامه خالياً، وأتيح له الجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.. لكنه فشل فى مد جسور الثقة مع الجماعة الوطنية، بل إنه أصدر إعلاناً دستورياً معيباً أدى إلى تجزر الانقسام الحاد فى المجتمع، والاعتداء على استقلال القضاء، وتغييب سيادة القانون.. تصاعدت حدة العنف والبلطجة والاحتراب الأهلى، وارتكبت مذبحة قصر الاتحادية، ومحمد محمود.. وبشكل مباغت، أنهت اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور عملها، وتم الاستفتاء عليه فى ظل مقاطعة 35 مليون مواطن يمثلون 68٪ ممن لهم حق التصويت. فى يوم الجمعة القادم، سوف تحتشد القوى الثورية فى ميدان التحرير للتأكيد على نفس الأهداف التى لم تتحقق: عيش - حرية - عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية.. علاوة على القصاص للشهداء.. وأن الثورة ما زالت مستمرة.