هكذا كانت تصيح إحدى الحاضرات في حفلة عبير نعمة الأخيرة بالقاهرة، بعد أن انتهت المطربة اللبنانية من فقراتها دون أن تتخللها أي أغنية عن هذا ال"زكي ناصيف"، لكن نبرات صوت المعجبة الحزينة جعلها تلتفت إليها وتعدها بأن الحفل القادم ستغني كل ما تحبه لزكي ناصيف. لكن من هو زكي ناصيف؟، ولماذا كانت تصر على سماع أغانيه إلى هذا الحد؟ شخصيًا أنا أعتبره أحد أعمدة الموسيقى اللبنانية، له أكثر من ألف أغنية ولحن، سواء قدمها بصوته أو بأصوات مطربين آخريين مثل "فيروز، وديع الصافي، ماجدة الرومي، صباح، نجاح سلام، سميرة توفيق، وغيرهم". يعتبره النقاد، المؤسس للمدرسة اللبنانية – العربية الجديدة، بسبب ألحانه الفريدة التي كانت مشتقة من الفلكلور، حيث كان ل"ناصيف" قدرة عبقرية على الجمع بين ثقافتي الموسيقى الشرقية والغربية في آن واحد. هل يوجد أحد غير زكي ناصيف قادر على أن يجمع آلة المجوز الفلكلورية العريقة مع آلة البيانو الكلاسيكية؛ ليخرج بلحن جميل ومنسجم!.. زكي أضاف الكثير من خلال هذا التآلف بين الشرق والغرب من الناحية الموسيقية، فمن خلال الاستماع لأغانيه يمكنك أن تستشعر البساطة في ألحانه، حيث تتميز ألحانه بالجملة الموسيقية المتقنة، والإيقاع البسيط والمركب، حتى أن المطربة ريما خشيش، قالت عنه إن ألحانه محملة بالطفولة والبراءة والحب. زكي كان بعيدًا كل البعد عن التكلف والتعقيد الموسيقي، الذي كان يحاول البعض حينها "فلسفة" الجملة الموسيقية.. لكن ألحان زكي ناصيف كانت قريبة من كل الناس، ويُمكن حفظها بكل سهولة دون جهد، لكن كما يقول "شربل روحانا"، فإن أعماله البسيطة ليست سهلة أبدًا فهو ينتمي إلى "السهل الممتنع". كان زكي قريبا من الناس لدرجة أن أغنية "راجع يتعمر لبنان"، التي ألفها في العام 1980، أصبحت تنافس النشيد الوطني اللبناني في الشارع.. وفي العام 1995 فاجأ زكي ناصيف الجميع الذين اعتقدوا، أنه لا يمكن أن يقدم عملًا جديدًا وموسيقى مختلفة، وألّف ألبوما كاملا ل"فيروز" هو "فيروز تغني زكي ناصيف"، والذي احتوى على أغنيات شهيرة مثل "أهواك بلا أمل، وبناديلك يا حبيبي، وسحرتنا البسمات، وع بالي يا قمر". وتوفي زكي ناصيف في العام 2004 بعد أن أضاف وأغنى الموسيقى الشرقية بالكثير، وبعد رحيله حوِّل منزله الواقع في "مشغرة"، إحدى قرى لبنان القديمة، إلى متحف يحتوى على مخطوطاته الموسيقية وألحانه التي لم تكتمل، وتظهر للنور وأغراضه الشخصية.. حتى كرسيه الخشبي العتيق، الذي كان يهوى الجلوس عليه مساءً؛ ليتأمل القمر، حيث كان معروفا جمال المشهد من هذه القرية، لدرجة أن فيروز غنت له "يا قمر مشغرة". الآن وبعد أكثر من 10 أعوام على رحيل زكي ناصيف هل يخرج لنا من هذا الجيل شخص قادر على إضافة وإثراء الموسيقى العربية مثلما فعل زكي ناصيف؟، أم "مفيش زكي ناصيف؟".