على مدى التاريخ وحقبه وأزمنته وأزماته، كان الأدب النسائى حاضراً، موجوداً، لكن على استحياء، قليل جداً لدرجة أنه لم يكن ملحوظاً، وإن لوحظ، هوجمت صاحبته ونُعتت بالتمرد والفجور، أو بالخروج عن العادات والديانات، ومع تطور الزمان، خفت حدة تلك الاتهامات، لكنها لم تختف ولوحقت دوماً من التيارات المتأخرة والمتزمتة. هناك مفهومان للأدب النسائى، الأول أنه ذاك النوع من الآداب المتنوعة الذى تقوم بكتابته النساء، والمفهوم الثانى يفسر جمله الأدب النسائى بأنه كل شكل أو إنتاج أدبى يناقش قضايا المرأة، حتى إن كان من يكتب عن المرأة رجل، فتلك الكتابة حينها تندرج تحت مسمى (الأدب النسائى)، مستشهدين ومدللين على ذلك بأن أعظم من ناقش قضايا المرأة كانوا رجالاً، لتمتعهم بمساحات حرية اجتماعية أرحب وأكبر، لم تتح يوماً للمرأة التى طالما غلت يدها بأغلال مجتمعية شديدة الأحكام، أغلال صدئة. لا تقبل أى تعامل ولا سبيل لفتحها سوى بالكسر. جميعنا نقع بذات الحفرة المسماة (الكتابة النسائية)، نتيجة تنشئتنا كإناث بمجتمعات ذكورية، نقمع بكلمات عيب وحرام ولا يصح! تلك الكلمات التى لا تمر بمسامع الشرقى يوماً، لهذا حينما نمسك بأقلامنا نجدها الفرص السانحة المانحة لقول ما حبس سنين وعقوداً ودهوراً، والألم دائماً نسائى، والوجع نسائى، والمشاكل نسائية، فيستفزنا كل هذا للتعبير عنه ومهاجمة كل من تسبب به فى ذاك المجتمع الرجولى، فنحصر بذات الدائرة الضيقة، الخانقة والتى تقتل أى تجدد أو إبداع. لماذا تصر معظمهن على الكتابة عن الصراع الدائر بينها وبين العالم، وعن مشاكلها وعدم تحققها وحربها مع الكون فى سبيل نيل حريتها وتحررها؟! إن الأمر معنى بالمرأة ذاتها، إذ إنها أسفاً منشغلة بقضية الأنوثة والتذكير ومهتمة بإثبات الذات فى مواجهة الرجل، ومعنية برفع الظلم والقمع والكبت الواقع عليها، والذى ترى مصدرة الدائم هو الرجل ومجتمعه، وبهذا تسجن نفسها وبيديها، داخل فكرة الرجل، بماذا ترد عليه وكيف تجعله يتعامل معها! وكيف تنتقم من جبروته تجاهها! وكيف تثأر لنفسها ولبنات جنسها من هذا الكائن!! بل وكيف تحصل على اهتمامه وإعجابه!!! فتتحول كل كتاباتها إلى شئون نسائية عاطفية بحتة، تبتعد عن التنظير والتفكير فى العام المطلق. إذا لم تتحرر المرأة بعد!، ولم تتحرر كتابات النساء، ما زالت حواء تكتب وعيناها على آدم، الذى لم يتحرر هو بالأساس، على الأقل سياسياً وفكرياً، إذن، فهى تريد التحرر من أغلال وتبعية من لم يتحرر هو بالأساس!!!! لهذا لن تتجاوز أعتابه، ولا عالمه، بشكل جدى فعال وحقيقى، ففقط عندما تتجاوز النساء تلك العقبة، حينها لن يوجد ذاك المسمى العجيب (الأدب النسائى)!! لماذا التبعية والتتبع!! نحّى آدم جانباً عن كتاباتك وأفكارك وانطلقى للأعمق والأهم، وليكن الأعمق إنسانياً، عاماً شاملاً، نافعاً، ينفع الجميع ذكوراً ونساء، وإن كتبتِ أدباً تفوقى، ولا تلتزمى بعبارات النساء وبكاءات النساء وغوايات النساء!! كونى إنساناً وفقط، حينها تعبر مفرداتك وسطورك عواصم الدنيا المذكرة والمؤنثة!!، حتى لا ينعت الأدب الضعيف، العاطفى، الهزيل، الخالى من العمق، والدائر حول ذاته منغلقاً (بالأدب النسائى). هكذا تعبر المرأة من التخصصية إلى اتساع وشمول الكتابات فى جميع المجالات بل والتفكير والتحليل والتنظير!! فكيف لا يكون لدينا مفكرات نساء؟؟ إن كثيراً من النساء لا يجرؤن على التفكير والأكثر ليس لديهن رفاهية التنظير، والأعم ليس لديهن وقت للإبداع والتعبير عنه، أو يخشينه!!. إن المفكرات بعالمنا قلة نادرة نحتاج إلى المزيد منهن، ليتوازن هذا العالم، نحتاج ألا يجرفن جرفاً لتلك المعركة سالفة الذكر المعنية بكونهن نساء. مفكرات نساء تعنى نساء ينظرن ويمنطقن ويغطين جميع أفرع ومناحى الحياة، بحكمتهن وفلسفتهن الخاصة وإحساسهن النسوى المميز والدقيق، ولا أعنى هنا العالمات المتخصصات، لذا استخدمت كلمة (مفكرات)، والتى تعبر أى تخصص محدود وضيق! العالم بحاجة لتنظير وتفكير نسائى، وليس نساءً معنيات فقط بشئون النساء.