كانت البداية خبراً تناقلته وكالات الأنباء منذ 3 أيام عن وصول الجنرال «مايكل فيكرز»، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية لشئون الاستخبارات، على رأس وفد أمريكى، إلى مصر فى زيارة تستغرق يومين. وحسب ما ذكرته وكالات الأنباء، فإن زيارة الوفد الأمريكى إلى القاهرة جاءت ضمن جولة بالمنطقة، يلتقى خلالها عدداً من المسئولين لبحث المساعدات التى يمكن أن تقدمها الولاياتالمتحدة إلى مصر للسيطرة على البؤر الإرهابية فى سيناء وإعادة فرض الأمن بداخلها، وكان الموقف كله بداية لسلسلة من التحركات التى أطلقها باراك أوباما، الرئيس الأمريكى، بشكل يكشف عن مدى الصداع الذى صارت سيناء تتسبب فيه للرئيس الأمريكى. اختيار «أوباما» لمايكل فيكرز نفسه، من أجل بحث الأوضاع الأمنية فى سيناء مع الجانب المصرى، كان له علاقة مباشرة بخبرة الأخير فى التعامل مع تنظيم القاعدة وتفكيك خلاياه، فمسئول المخابرات الأمريكية الذى زار مصر الأيام الأخيرة ضابط سابق فى القوات الخاصة الأمريكية، ومعروف بدوره فى تسليح المقاومة الأفغانية خلال حربها مع الجيش السوفييتى فى الثمانينات فى أفغانستان. وقالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية عن «فيكرز»: «يفكر أمنياً بطريقة رجال العصابات، وليس بطريقة رجال المخابرات»، بينما وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بأنه هو العقل المفكر وراء عمليات اغتيال زعماء القاعدة، وكان من أقنع وزير الدفاع الأسبق روبرت جايتس، بمجاراته فى عملية مداهمة مخبأ أسامة بن لادن واغتياله. وتكشفت كواليس زيارة مسئول المخابرات الأمريكيةلسيناء، بمرور الوقت، وظهر واضحاً، ارتباطها بالتعيينات الجديدة التى أعلن عنها «أوباما» فى إدارته، وشملت تعيين «تشاك هاجيل» وزيراً للدفاع، و«جون برينان» مديراً للمخابرات المركزية الأمريكية، وكلاهما على دراية كاملة بملفات الإرهاب، وبالملف الأمنى فى سيناء تحديداً، ما يكشف عن أهمية وتهديد شبه الجزيرة المصرية للرئيس الأمريكى. وقال موقع «ديبكا» الاستخباراتى الإسرائيلى، إنه بينما تستعد واشنطن لإعلان تعييناتها للإدارة الجديدة للرئيس الأمريكى، أرسل «أوباما» مايكل فيكرز إلى الشرق الأوسط فى محاولة لاحتواء الموقف وإعادة إحياء الحرب على الإرهاب فى أهم جبهتين بالنسبة له، وهما ليبيا ما بعد القذافى، وسيناء فى مصر. وأشارت مصادر الموقع الإسرائيلى فى واشنطن إلى أن «أوباما» سارع بالتوجه إلى تلك الجبهات بسبب مخاوفه من إثارة قضية مقتل كريس ستفينز، السفير الأمريكى فى ليبيا، قبل 5 أشهر، فى جلسات استماع الكونجرس، وهو ما يمكن أن يسبب عرقلة الكونجرس الأمريكى لتعيين «تشاك هاجيل» وزيراً للدفاع، و«جون برينان» مديراً للمخابرات الأمريكية. وكشف الموقع عن عمق معرفة مدير المخابرات المركزية الجديد بالوضع الأمنى فى سيناء، قائلاً: «برينان» كان مستشار الرئيس الأمريكى لشئون مكافحة الإرهاب، وكان مسئولاً عن وضع سياسات الولاياتالمتحدة فى كل ما يتعلق بليبيا ومصر وشبه جزيرة سيناء، وهو سبب اختيار أوباما له ول«هاجيل» فى إدارته الجديدة. وأثار اختيار تشاك هاجيل، وزير الدفاع الأمريكى، جدلاً واسعاً بسبب ما عُرف عنه من معاداته العنيفة لإسرائيل، إلى حد أن قالت صحيفة «ديلى بيست» الأمريكية: إنه فى حال إعلان «هاجيل» وزيراً للدفاع، فإن الأمر يمكن أن يكون إيذاناً ببدء تغير سياسات «أوباما» الخارجية، من حيث أولويات دعمه لإسرائيل. فى المقابل، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، أن رئيس المخابرات العسكرية السابق، والفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع المصرى، على علاقة طيبة بالأمريكان، وسبق أن تناول العشاء مع «هاجيل» وزير الدفاع الأمريكى الجديد، والمشير حسين طنطاوى، وزير الدفاع المصرى السابق، فى أكتوبر قبل الماضى، وهو ما اعتبرته الصحيفة الأمريكية وقتها إشارة إلى رغبة «طنطاوى» فى أن يحل «السيسى» محله بعد تركه وزارة الدفاع. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، إن «هاجيل»، يحظى ب«تقدير كبير من الدولة الراعية للإخوان المسلمين»، وهى السعودية، مشيرة إلى أنه «يخرج عن التيار العام، وهو ما يجعل صوته وتوجهاته ذات أهمية كبرى». الأمر الذى يشير إلى أن «سيناء» صارت على رأس أولويات «أوباما»، بما وصل أحياناً إلى حد التدخل السافر والفج فى الشئون الداخلية المصرية، ووفقاً لموقع «ديبكا» الاستخباراتى الإسرائيلى، فإن مكالمة هاتفية جرت بين بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، وأوباما، طالب فيها نتنياهو الإدارة الأمريكية بتخصيص جنود أمريكان لقيادة حملة مصرية واسعة ضد البؤر السلفية والإرهابية فى سيناء. وأضاف الموقع الإسرائيلى: «مصادرنا العسكرية أكدت أنه حتى الآن لم تتحقق مطالب نتنياهو، باستثناء زيارة متوقعة لسيناء من قِبل مجموعة من الضباط الأمريكان والجنود، باعتبارها مجموعة دراسية صغيرة». وأظهر الموقع غضب إسرائيل من تأخر أوباما فى التعامل مع ما يجرى فى سيناء، وقال: «الأمر الذى كان له 3 نتائج، أولها أن الجماعات المسلحة فى سيناء بدأت تتوحش أكثر من قبل، وثانيها: أن سيناء أصبحت الملعب الرئيسى لعمليات القاعدة فى أفريقيا والشرق الأوسط، والثالثة: غياب المقاومة، خصوصاً مع استغلال القاعدة للمواقع القريبة من الحدود الإسرائيلية». ولم تقتصر المخاوف من تأخر «أوباما» على إسرائيل، ففى أمريكا، قالت مجلة «ذى أتلانتك»، إن تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية فى مصر يمثل صداعاً سياسياً شديداً لإدارة أوباما خلال ال4 سنوات المقبلة، لكن على المدى القصير، فإن إدارة أوباما لديها الأزمة الأمنية الأكثر إلحاحاً، وهى «سيناء». وأضافت المجلة: «أى هجوم إرهابى من سيناء على إسرائيل من شأنه أن يحفز أزمة أمنية بين مصر وإسرائيل، ما يُعد ذريعة بالنسبة للإخوان المسلمين لخفض مستوى العلاقات المصرية الإسرائيلية، ومن المحتمل إلغاء اتفاقية السلام بين البلدين المبرمة عام 1979»، وطالبت المجلة أوباما بأن يمارس ضغوطاً على الرئيس محمد مرسى، لإقامة قنوات اتصال مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية لإدارة مثل هذا النوع من الأزمات، وقالت: «شن هجوم على إسرائيل من سيناء وتعرُّض العلاقات المصرية للخطر ليس افتراضاً نظرياً، بل حتمى نظراً لعدم الاستقرار فى سيناء وانهيار الأمن بعد الإطاحة بمبارك، ما جعل المربع الصحراوى يشهد فراغاً أمنياً، وسمح بشن العديد من الهجمات من هذه المنطقة، خصوصاً أن أى هجوم على إسرائيل يصب فى اتجاه المواجهة الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل». وقدمت المجلة الأمريكية مجموعة من النصائح والمقترحات لتعامل أوباما مع سيناء، قائلة: «الحد من وقوع هذا الحادث يتطلب استراتيجية أمنية جديدة للتعامل مع هذه الجماعات الإرهابية، فضلاً عن استراتيجية اقتصادية لتطوير سيناء وسكانها وتوفير الفرص العادلة لهم، لكن الأمر يبدو صعباً فى ظل الظروف المالية والسياسية التى تمر بها البلاد، ويمكن أن يتطلب سنوات لصياغة هذه الاستراتيجية». وأضافت: «على إدارة أوباما ضمان أن مرسى سيفتح قنوات اتصال مباشرة مع إسرائيل، وإقناعه أن هذه القنوات مهمة لاحتواء أية أزمة مستقبلية يصعب احتواؤها بين مصر وإسرائيل لو حدث هجوم من سيناء، وأن هذا من شأنه تهديد الأمن الإقليمى وسيضر الحكومة من ناحية قدرتها على جذب الاستثمار الأجنبى». وربطت المجلة بين المساعدات الأمريكية والوضع فى سيناء، قائلة: «على إدارة أوباما أن تقول صراحة لمرسى: إن المساعدات الاقتصادية والعسكرية هى استثمار فى مصر للمحافظة على علاقاتها السلمية بجيرانها، وعليها اقتراح التعاون بين مصر وإسرائيل فى مجال منع تدفق الأسلحة بين سيناء وقطاع غزة بما يطلق اتصالاً مباشراً بين «مرسى» و«إسرائيل».