بعد غروب الشمس بلحظات، وأخذ الليل يزحف على الهضاب الصخرية الجرداء منذرا بحلول ظلام كثيف وطويل، يوم 5 أكتوبر 1985م، وفي النقطة 46، التي كان يقف على حمايتها، وفجأة أخذت أخيلة تتراقص أمام عيني الجندي سليمان خاطر، زاحفة نحوه بأعداد كبيرة، ولاحت له بينها أجساد عارية لنسوة ورجال، أخذ يرقبها وهي تتقدم حتى إذا أصبحت على مدى قريب منه، وزاوله الشك باليقين بأنها تقصده وتقصد نقطته التي كلّف بحمايتها ومنع أي أحد من دخولها، صرخ يأمر المتقدمين بالتوقف مخاطبا إياهم باللغة الإنجليزية، وطالبهم بالتوقف ولكنهم لم يتوقفوا، أطلق النار في الهواء محذّرا، ولكنهم سخروا من تلك النار، فوجه نحوهم نيران رشاشه بعد أن فرغ صبره، وبعد أن رأى بعضهم يبصقون باتجاهه، وباتجاه العلم المصري، فقتل سبعة منهم وجرح اثنين. هو سليمان محمد عبد الحميد خاطر الشرقاوي المصري، الشهير ب"سليمان خاطر"، مواليد قرية أكياد البحرية، مركز فاقوس، محافظة الشرقية، عام 1966، لأسرة بسيطة متدينة، وكان هو أصغر إخوانه، في طفولته وهو ابن تسع سنين، شاهد آثار قصف الصهاينة لمدرسة "بحر البقر" الابتدائية المشتركة بمحافظته الشرقية في 8 أبريل سنة 1970م، أكمل دراسته الإبتدائية والإعدادية والثانوية، وحصل على شهادة الثانوية العامة، وانتسب بكلية الحقوق جامعة الزقازيق، والتحق بالخدمة العسكرية الإجبارية، وكان مجندا في وزارة الداخلية بقوات الأمن المركزي، أخبروه بألا يترك أحد يصعد إلى مكان الخدمة، وعندما فعل، حاكموه، وقالوا عليه مجنون. وفي صباح اليوم التالي للحادث السادس عشر 1985م، صرح الرئيس المخلوع، حسني مبارك، بأنه "في غاية الخجل" بسبب قيام جندي مصري بفتح النار على مجموعة من الصهاينة اخترقوا الحدود المصرية، ما أدى إلى مقتل سبعة منهم. وبدلا من تكريمه على عمله الوطني، تم تحويله إلى محاكمة عسكرية بالرغم من أن المحكمة المختصة بالنظر في دعواه هي محكمة مدنية. كما وصفته الصحف القومية "بالمجنون"، وقال التقرير النفسي الذي صدر بعد فحص سليمان بعد الحادث أنه "مختل نوعا ما". وفي يوم 22 ديسمبر 1985، أصدرت المحكمة العسكرية العليا في السويس، برئاسة اللواء مصطفى دويدار، وعضوية اللواء محمد خورشيد، والعميد محمود عبد العال، حكمها بالقضية رقم 142 لعام 1985 جنايات عسكرية السويس، بالسجن المؤبد لسليمان خاطر مع الأشغال الشاقة. وبعد أن سمع خاطر الحكم صاح قائلا "إن هذا الحكم، هو حكم ضد مصر، لأنه جندي مصري أدى واجبه"، ثم التفت إلى الجنود الذين يحرسونه قائلا "روحوا واحرسوا سينا، سليمان مش عايز حراسة، سليمان مات". تم ترحيله إلى السجن الحربي بمدينة نصر بالقاهرة، وفي اليوم التاسع لحبسه في 7 يناير 1986 بدأ مسلسل الأحداث الذي انتهى بالإعلان عن انتحاره. وفي اليوم التالي، تمّ نقل سليمان خاطر إلى مستشفى السجن الحربي، والسبب الرسمي المعلن لهذا الانتقال هو علاجه من مرض البلهارسيا، والذي أكدت أسرته ورؤساؤه ومرؤوسوه أن سليمان لم يكن مصابا به. وخرجت الصحف القومية ب"مانشيتات" تقول "انتحر بعد أن شنق نفسه على نافذة ترتفع عن الأرض بثلاثة أمتار"، وقال تقرير الطب الشرعي إنه انتحر. وما أن شاع خبر موت سليمان خاطر حتى خرجت الجموع في مظاهرات عارمة تندد بقتله، وخرج طلاب الجامعات، وكذلك طلاب المدارس الثانوية مرددين هتافات "الشعب هياخد التار.. الصهيوني ده غدار"، و"سليمان قالها في سينا.. قال مطالبنا وقال أمناينا"، و"سليمان خاطر يا شرقاوي.. دمك فينا هفيضل راوي"، و"سليمان خاطر قالها قوية.. الرصاص حل قضية"، وكانت أجمل الهتفات "سليمان خاطر مات مقتول.. مات علشان مقدرش يخون".