أدرك بفطنة المتمرسين فى العمل الأمنى، بعدما تولى مسئولية وزارة الداخلية، أن ملامح الواقع الجديد تتبدل بسرعة لافتة، لا تُجدى معها المناورات أو المواءمات، فانتبذ مكاناً قصياً داخل الحكومة، مفضلاً إمساك العصا من المنتصف، بحيث يمكنه إعادة الشرطة لدورها بلا تفريط أو إفراط. على هذه الخطى سار اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية السابق فى التعامل مع المحطات الصعبة التى تعرضت لها مسيرة عمله، أثناء جلوسه على كرسى الوزارة وحتى خروجه منها، وهو ما ظهر فى تعامل وزارته مع أحداث «الاتحادية»، وما تلاها من هجوم على مقرات حزب الحرية والعدالة فى عدة محافظات، حيث فضَّل الابتعاد عن العمل السياسى وتسخير «الداخلية» لخدمة فصيل سياسى معين، كما فعل حبيب العادلى وزير داخلية مبارك، لكن يبدو أن تلك السياسة لم تواكب أهواء الحزب الحاكم الذى جاء قراره بالاستغناء عن «جمال الدين» متوافقاً مع طلب حازم صلاح أبوإسماعيل القيادى السلفى بضرورة إقالة وزير الداخلية بسبب أدائه خلال الفترة الأخيرة. اللواء أحمد جمال الدين عاش مرحلة صعبة ومعقدة، لأن الظروف وضعته بين خيارين؛ كلاهما قاس، إما إرضاء الحزب الحاكم وقيادات التيار الإسلامى أو كسب ثقة رجاله من الضباط حتى لا يحسبوه على الإخوان ويتهموه بالعمل لمصلحتهم، وهذا ما فضل الرجل الابتعاد عنه، دون أن يُخل ذلك بقدرته على تسيير أمور وزارة عتيقة ومعرفته مَواطن القصور بها، فقد تدرج فى كل مجالات العمل الأمنى، ما أهَّله فيما بعد لعقد مصالحات متعددة بين «الداخلية» وائتلافات شباب الثورة التى تشكلت بعد الثورة، كما شارك تقريباً فى كل حملات «الداخلية» لتطهير البؤر الإجرامية منذ أن تخرج فى كلية الشرطة عام 1974. لم يهنأ «جمال الدين» بمنصبه حتى تفجرت موجة الاحتجاجات والغضب التى عمت القاهرة والمحافظات بعد إصدار الإعلان الدستورى الذى حصن فيه الرئيس قراراته من أحكام القضاء، فضلاً عن العديد من الأحداث التى سبقت «الاتحادية»، ومحاولات اقتحام السفارة الأمريكية، حيث زار ميدان التحرير خلال هذه الأحداث 3 مرات، قبل أن يقود القوات بنفسه لتطهير الميدان من الباعة الجائلين. «جمال الدين» كان فى مكتبه حتى الخامسة والنصف من مساء أمس الأول حتى جاءه خبر إقالته، الأقاويل تذهب إلى أن الرئيس مرسى كان متمسكاً به، لكن «الجماعة» رفضت استمراره وأصرت على رحيله، والدليل أن مشاورات التعديل الوزارى كانت بخصوص وزارات أخرى دون الحديث عن «الداخلية»، حتى حانت لحظة الإعلان عن التعديل الوزارى، وفوجئ الجميع بمن فيهم الوزيران السابق واللاحق، اللواء محمد إبراهيم، الذى وصله الخبر أثناء وجوده فى مكتبه بقطاع السجون، وساعتها قال لزميل صحفى أخبره بالقرار: «قول والمصحف أنا بقيت وزير».