هل نستطيع أن نقصى الشيعى والمعتزلى من المجتمع والدين والإسلام؟ الشيعى مسلم والمعتزلى مسلم وعليهما أن يعتزا بإسلامهما كما نعتز بإسلامنا، وليس مفروضاً علىّ ولا على غيرى من أبناء مصر من السنيين أن نكون وهابيين حتى يعترف بنا الشيخ ياسر برهامى أو غيره، ولا يستطيع أحد تكفير شيعى أو معتزلى أو مجتهد خارج إطار المذاهب الأربعة السنية، وقد وصلنى تعليق من مواطن مصرى يتبع مذهب المعتزلة فضل أن يخفى اسمه فى هذا الجو الهستيرى ويعلن رأيه من خلال منبر «الوطن»، يقول صاحب الرسالة تعليقاً على الدستور: «على الرغم من المواد المشوَّهه التى تعج بها مسودة الدستور المصرى فإننى سأقف على مادة قاتلة لمفهوم المواطنة وحقوقها، وهى تلك المادة التى تقع فى الفصل الثانى تحت عنوان أحكام عامة: مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة. معنى المادة «219» فى مسودة الدستور المصرى ليس إلا: الاستبداد والقهر باسم المذهب، وسيطرة القراءة السنية السلفية تحديداً بنسختها الوهابية الصحراوية على الإسلام، بما فيها من معاداة للحضارة والتقدم والمدنية والتطوير والتحديث، وردة إلى الفقه البدوى والعقيدة التجسيمية الرافضة للتأويل والمجاز وإعمال العقل والتفكير والتدبر فى الأنفس والآفاق والآيات. مادة «219» تعنى سرقة مصر من حضارتها وتاريخها وتراثها وتنوعها الشديد الرهيب المُتسع (الحضارة الفرعوينة- المسيحية- الإسلامية) إلى دائرة الضيق، إلى دائرة أهل السنة والجماعة بالفهم الوهابى. كيف قبل الأزهر، أشعرى المنهج، بهذا؟ وكيف قبل بعض المفكرين فى التأسيسية تمرير هذه المادة العنصرية المُضادة لحقوق المواطنة؟ كيف قبلوا هذا فى دستور مصرى عصرى بعد ثورة لكل الشعب المصرى وليس لأهل السنة فى مصر فقط؟ هل يمكن أن يقولوا لنا بأى فهم لمنهج أهل السنة والجماعة سيحكمون ويشرعون لمصر؟ هل بالفهم الأفغانى أو السعودى أو السودانى أو القاعدى أو الأشعرى أو الماتريدى أو الصوفى، وكلهم ينسبون أنفسهم لأهل السنة والجماعة! وجميعنا يعلم الصراع الحامى الوطيس بين الأشاعرة والوهابية من جانب، والوهابية والمتصوفة من جانب على نسبة أنفسهم لأهل السنة والجماعة، وكأن «أهل السنة والجماعة» قارب يتخطفه الركبان، بالطبع هذا بسبب أحاديث «الفرقة الناجية». هذه المادة تحبس الإسلام وتسجنه فى مربع أهل السنة والجماعة، فأين المنهج الإباضى والمعتزلى والشيعى؟ بل إذا افترضنا وجود مواطنين مصريين منتسبين لمذاهب أخرى غير المذهب السنى فهل ضاعت حقوقهم بهذا الدستور؟! لماذا غفل أعضاء اللجنة الدستورية عن القاعدة التى اقتبسها المشرع المصرى من المذهب الشيعى الجعفرى الإثنى عشرى، وهى قاعدة «الوصية الواجبة لحماية حقوق الأحفاد الأيتام»! هذه المادة العنصرية تضيق واسعاً، وتجعل الذات المذهبية تتضخم على حساب الرؤية الشاملة للإسلام ومدارسه وطُرق فهمه. هذه المادة تؤدى إلى عدم احترام الخصوصية الثقافية للمواطنين واختياراتهم البشرية، وتعمل على المزيد من الانغلاق والتهميش والتنميط والقولبة لجميع المسلمين من سكان مصر. هذه المادة تعمل على دفن الثروات الفكرية والفقهية بل والتراثية لكل ما عدا أهل السنة والجماعة! هذه المادة ستؤدى إلى قتل التنوع الفقهى والفكرى وسيكون مصاحبا للتعصب والأحادية. كنا نتمنى أن تكون مصر ما بعد الثورة بلداً للحريات يكون فيها الحق للجميع: مصريين سلفيين كانوا أو أشاعرة أو معتزلة أو شيعة أو متصوفة أو ماتريدية أو قرآنيين أو... الخ، ما المشكلة لو كنا مواطنين متنوعى المذاهب وأمة واحدة بأفهام متعددة؟ ألم يحثنا القرآن على هذا؟ كيف نفعل ما ننتقد به إيران فى دستورها وفى ممارستها مع أهل السنة؟ إن هذه المادة تؤسس للإقصاء وللأحادية المذهبية والفقهية والتشريعية والتعليمية وللعصف بمبادئ القرآن فى التنوع، وتذهب بكتابات الإسلاميين عن نموذج الحضارة الإسلامية فى التعايش وقبول الآخر».