سيارات شرطة تحترق ولا أحد يجرؤ على إخمادها، وضباط ومجندون يهربون من كل جانب خالعين ملابسهم الميرى، هرباً من غضب الثوار.. هكذا كان المشهد الذى لم ينسه أمن الإسكندرية فى عهد مبارك يوم جمعة الغضب، ليتجنب الدخول فى مواجهات جديدة مع المتظاهرين فى المكان ذاته فى عهد مرسى. لم يعد لدى قوات الأمن بالإسكندرية رغبه فى الدخول فى مواجهات جديدة مع المتظاهرين أمام ساحة مسجد القائد إبراهيم بعد أن كان هو الطرف الخاسر فى تلك المواجهات خلال ثورة 25 يناير، فأمام المسجد أُحرق نحو 4 سيارات تابعة للإدارة العامة للأمن المركزى، خلال فترة لم تزد على 40 دقيقة هى زمن الاشتباكات بين تشكيلات الأمن المركزى والمتظاهرين أمام القائد إبراهيم يوم جمعة الغضب، لتهرب بعدها تلك التشكيلات من غضب الثوار الذين كانوا يطاردون قوات الأمن وكأنهم يطاردون الرئيس مبارك الذى كانوا يهتفون بسقوط نظامه، وحبيب العادلى الذى عذب منهم الكثير فى سجونه. أصدر اللواء محمد إبراهيم، مدير أمن الإسكندرية، خلال تلك الفترة، والمتهم بقتل المتظاهرين بالإسكندرية، تعليمات مشددة لقوات الأمن بعدم الوجود أمام مسجد القائد إبراهيم لعدم استفزاز المتظاهرين مرة أخرى. وتسببت إحالة إبراهيم و4 من ضباط مديرية أمن الإسكندرية للمحاكمة بسبب قتل المتظاهرين بالمدينة أمام أقسام الشرطة وفى مناطق أخرى بينها ساحة القائد إبراهيم، فى زيادة الرغبة لدى القيادات اللاحقة لمديرية أمن الإسكندرية بعدم الدخول فى مواجهات مع المتظاهرين خاصة فى المناطق التى أصبحت رمزاً للثورة والتى لا يمكن للداخلية أن تبرر سقوط قتلى فيها من بين المتظاهرين بأنه نوع من أنواع الدفاع عن النفس مثلما حدث مع المتظاهرين الذين قُتلوا أمام أقسام الشرطة. استمرت تلك السياسة لمديرية أمن الإسكندرية بالابتعاد عن ساحة مسجد القائد إبراهيم فى عهد ثلاثة مديرى أمن تولوا المنصب عقب إبراهيم، هم اللواءات مصطفى شتا، وأحمد عبدالباسط، وخالد غرابة، إذ لم يُصدر أى منهم تعليمات بالتعامل مع أى تظاهرة خرجت من أمام القائد إبراهيم. وحرص كل مدير أمن بالإسكندرية، عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، على التصريح للإعلام بعدم وجود أى ضابط أو فرد شرطة بمحيط مسجد القائد إبراهيم، وذلك عقب ضبط المتظاهرين عدداً من المواطنين خلال التظاهرات التى كانت تنطلق كل جمعة للمطالبة بإسقاط المجلس العسكرى والاعتداء عليهم ظناً منهم أنهم عناصر أمنية تتجسس عليهم. وتحول شكل الصراع عقب تولى الرئيس محمد مرسى الرئاسة من صراع بين متظاهرين وقوات أمن إلى صراع بين متظاهرين ومتظاهرين، ما بين مؤيدين ومعارضين للرئيس، مما أسفر عن نشوب معارك دامية فى حرب بالشوارع الجانبية لمسجد القائد إبراهيم بسبب خطبة الشيخ المحلاوى التى روج فيها للتصويت ب«نعم» قبل يوم من الاستفتاء على الدستور، مما تسبب فى إصابة 21 متظاهراً من الجانبين. ورصدت عدسة «الوطن» فى اليوم ذاته عشرات الأفراد يحملون أسلحة بيضاء فى محيط المسجد للاعتداء على المتظاهرين بدعوى حماية الشيخ المحلاوى. واكتفت قوات الأمن فى هذا اليوم بالفصل بين المتظاهرين بصورة سلبية، لكنها لم تمنع اندلاع حرب شوارع بين المؤيدين والمعارضين فى محيط المسجد استمرت على مدى 15 ساعة، هى نفس المدة التى قضاها الشيخ المحلاوى محاصراً داخل المسجد قبل أن يخرج فى حماية مدرعة. يقول ياسر سيف، ناشط سياسى بالإسكندرية: «لا يمكن أن يترك الأمن المسجد فى حماية ميليشيات مسلحة، فانسحاب الأمن من محيط المسجد كان أمراً إيجابياً ومبرراً قبل حدوث حالة الاستقطاب، وذلك لوعى قيادات الأمن بالإسكندرية أن وجودهم غير مرغوب فيه أمام مسجد القائد إبراهيم الذى أصبح رمزاً للحرية بالمحافظة، خاصة أن تلك الفترة كانت فيها مشاعر الغضب من الممارسات القمعية للداخلية فى قمتها، لكن هذا الانسحاب أصبح غير مبرر الآن خاصة فى ظل فترة الانقسامات التى أصبحنا نعانى منها ووجود صراع بين قوى سياسية تتمثل فى معارك دامية أمام ساحة المسجد». وتساءل سيف: لماذا يترك الأمن المتظاهرين سواء كانوا مؤيدين أو معارضين يدخلون فى معارك دامية أمام مسجد القائد إبراهيم الآن؟. وتقول عبير يوسف، ناشطة بحركة «لازم» بالإسكندرية: على الأمن أن يتخلى عن خوفه، فهو لم يعد طرفاً فى الصراع الآن مع المتظاهرين، ومن واجبه أن يتدخل لحمايتهم من الميليشيات الخاصة بالقوى المؤيدة للرئيس. وأصدرت وزارة الداخلية، أمس الأول، بياناً حمّلت فيه القوى والتيارات السياسية التى دعت للتظاهر أمام القائد إبراهيم مسئولية نتائج تلك الدعوات. وفسر محمد يكن، وكيل مؤسسى حزب الأحرار الدستوريين، إصدار الداخلية لهذا البيان عقب إعلان جماعة «حازمون» للتظاهر فيما سمته «جمعة نصره الشيخ المحلاوى»، بأنه تهرب من المسئولية. وقال يكن: كان من الأولى بوزارة الداخلية أن تقوم بمنع الميليشيات المسلحة من الوصول لمسجد القائد إبراهيم لترهيب المتظاهرين السلميين أمام المسجد. وأكد ضرورة أن تعود الداخلية لساحة مسجد القائد إبراهيم لكن هذه المرة ليس لحماية نظام الرئيس، أو للدخول فى اشتباكات ومعارك دامية مع المتظاهرين، لكن لحماية هؤلاء المتظاهرين سواء كانوا مؤيدين أو معارضين للرئيس والدستور، أو كانوا من محبى أو رافضى الشيخ أحمد المحلاوى.