■ كرر القرآن قصة فرعون مع موسى مراراً حتى شغلت 60% من مساحة القرآن الكريم، وكأن القرآن ينبه الجميع إلى الآفة العظمى التى ستُبتلى بها الأمة الإسلامية وهى الاستبداد وغياب الحريات. ■ والمتأمل لحال الدول الإسلامية والعربية يجد أن معظمها متخلف، ومن العالم الثالث، وبعضها يقبع ضمن الدول الفاشلة. ■ وقديماً كانت أزمة الاستبداد من أزمات الحكام وحدهم.. ولكن المتأمل لحال المجتمع الإسلامى والعربى يجد أن رقعة الاستبداد قد اتسعت لتبدأ من الأسرة حتى أكبر المؤسسات الحكومية والخاصة، مروراً بالأحزاب السياسية والجماعات الدينية والكنائس والمساجد.. فالاستبداد تحور فى بلادنا إلى جين وراثى ينتقل من جيل إلى جيل، ومن المدير إلى أصغر موظف، ومن أكبر حزب سياسى إلى أصغر سياسى. ■ لقد تأملت الوطن العربى كله فأدركت أن الجميع يعشقون الاستبداد بدءاً من الأب والزوج فى أسرته وانتهاءً بالمؤسسات والحكومات. ■ فلو تأملت مثلاً «حزب الله اللبنانى»، الذى يعد حزباً سياسياً يشارك فى العملية الديمقراطية اللبنانية -التى كان يُضرب بها المثل قديماً فى العراقة- أصبح له جيش وسلاح ثقيل ومخابرات ومنظومة اتصالات واقتصاد أقوى من جيش وسلاح ومخابرات واتصالات واقتصاد الدولة اللبنانية. ■ قالوا: «كل ذلك من أجل تحرير الأرض اللبنانية من إسرائيل»، قال الجميع: نعم ونبارككم، ثم حُررت الأرض تماماً وغادرها الإسرائيليون.. ورغم ذلك بقى السلاح وتضاعف، وقويت مخابراته واخترقت أجهزة الدولة، وتفوق إعلامه على إعلام الدولة اللبنانية التى ظلت أكثر من عامين بدون رئيس مع حكومة عرجاء صماء بكماء لا تسمع ولا ترى ولا تتحرك، ويعلم الجميع أن ولاء الحزب لإيران ومرشدها أكثر من ولائه للبنان، وثناءه على إيران والمرشد أكثر من ذكره للبنان وحكومتها. ■ غض الجميع الطرف عن ذلك، فحسنته فى مقاومة إسرائيل ومساهمته فى طردها تغفر عندهم مثل هذه الأخطاء الاستراتيجية. ■ بدأ الحزب يتمدد رأسياً وأفقياً بسلاحه وقواته، ويمد نشاطه الإعلامى والعسكرى والسياسى والتدريبى والاستخباراتى خارج حدود لبنان، وينشأ ما يسمى «حزب الله الإقليمى». ■ سكت الجميع فبدأ حزب الله يقاتل فى سوريا ويدعم بشار الأسد المستبد الذى قتل وجرح وشرد الملايين من شعبه من أجل البقاء فى السلطة التى ورثها دون وجه حق فى بلد لم يدرك حسنات الملكية ولا الجمهورية. ■ ترى لو كان الحسن أو الحسين بن على أو أباهما على بن أبى طالب، رضوان الله عليهم، أحياء هل كانوا سينصرون «بشار» أم يقفون فى وجهه؟! ■ ويمعن الحزب فى نشاطه الحربى مع «بشار» فيحاصر القرى ويترك أهلها المدنيين «يكادون يموتون جوعاً أو يأكلون الحيوانات»، فى طائفية بغيضة لم يعهدها منه الناس فى بداية تكوينه وعهده بالحرب. ■ ولا يكتفى الحزب بمجهوده العسكرى الوافر لنصرة بشار الأسد، بل يساند مجموعات الحشد الشعبى والميليشيات العراقية فى حروبها اللاأخلاقية ضد المدنيين العزل فتذبحهم وتحرق بيوتهم فى المدن والقرى التى ترحل عنها «داعش».. فيقع السكان البسطاء من أهل العراق، خاصة فى المناطق السنية، بين مطرقة «داعش» وسندان هذه الميليشيات التى لا تختلف كثيراً ولا قليلاً عن «داعش»، حيث تقتل بالاسم والمذهب وتحرق الزراعات والبيوت وتنتهك الأعراض وتقوم بأعمال قذرة أقلها التطهير العرقى والمذهبى وتهجير أهل السنة. ■ وأخيراً وليس آخراً يمتد نشاط الحزب إلى اليمن حيث يتولى تدريب وتسليح وتمويل وتعليم الحوثيين كل شىء، ويرعى تحويل اسمهم إلى اسم مشابه لحزب الله حيث صار اسمهم «أنصار الله».. ويرعى نيابة عن الحرس الثورى تحول مذهب أكثر الحوثيين من المذهب الزيدى القريب من العرب واليمنيين والسنة الذين يعيشون بينهم إلى المذهب الاثنا عشرى، وهو المذهب الذى يعتنقه حزب الله وإيران. ■ لقد ترك الحوثيون مذهبهم الدينى والعقائدى الذين عاشوا عليه 14 قرناً كاملاً من أجل عيون الدعم الإيرانى وحزب الله.. وهم لا يُلامون على ذلك بقدر ما يُلام حكام اليمن الذين أهملوا الحوثيين ولم يحتضنوهم فارتموا فى الحضن الإيرانى. ■ فهل هناك حزب سياسى فى تاريخ الديمقراطية كلها يحارب خارج دولته دون إذن أو إعلام لدولته وحكومته أو فرقائه السياسيين اللبنانيين؟ ■ هل هذه هى الديمقراطية التى تفهمها الأحزاب العربية؟ ■ وإذا كانت الدولة نفسها لا تستطيع الحرب خارج حدودها إلا بعد إجراءات دستورية وقانونية معقدة.. فكيف لحزب سياسى أن يحارب ويقاتل دون إخبار أو إعلام أو تعريف دولته أو الأحزاب السياسية الأخرى، فضلاً عن استئذانها فى خوض عدة حروب إقليمية؟ ■ إن فهم العرب للديمقراطية غريب وعجيب وشائن، ليس بالنسبة للحكام والمؤسسات فحسب، بل بالنسبة للأحزاب السياسية التى لا تستحى أن تتحول إلى ميليشيات تقوم بعمليات تفجير أو حصار أو تعذيب أو مهمات استخباراتية قذرة أو تحارب بالوكالة نيابة عن دول أخرى. ■ وهل هناك وزراء فى الحكومة فى أى دولة فى العالم لكل منهم ميليشيا مسلحة بل وجيوش، وولاؤها للخارج أكثر من ولائها للوطن؟! لا تعجب فهذا يحدث فى العراق صاحبة الديمقراطية الأمريكية، حيث لكل فصيل مذهب وميليشيا وجيش ومخابرات وتمويل خارجى، وفى نفس الوقت يشارك فى الانتخابات، ويضع المتفجرات فى مساجد ومقرات الخصوم إلى جوار وضع بطاقة الترشح فى صندوق الانتخابات. ■ ولا عجب فى هذه الازدواجية فأنت فى بلاد العرب، ولا غرابة فهذه هى ديمقراطية العرب.. إنه الاستبداد بطعم ولون ورائحة الديمقراطية.. وأمجاد يا عرب أمجاد.