عندما انطلق حسام حسن – صاحب ال 24 ربيعا آنذاك – يعدو بأقصى سرعته من منتصف ملعب إستاد باليرمو متوجهاً نحو مرمى الحارس الهولندي هانز فان بروكلين، لم يدر بخلده سوى أمر واحد فقط، أن هدف التعادل لمنتخب بلاده المصري بات على مقربة عدة خطوات بعدها سيتحدث العالم كله طوال ليلة الثلاثاء الثاني عشر من يونيو لعام 1990 عن معجزة كروية وقتها بتعادل الفراعنة مع منتخب هولندا بطل أوروبا الرهيب، بعد أن كانت التكهنات كلها تسير في اتجاه حساب عدد الأهداف التى سيمنى بها مرمى أحمد شوبير، والتى تجاوزت في توقعات الحاسب الآلي وقتها الرقم 8 لصالح رفاق فان باستين ورود خولييت. كانت تمريرة هشام يكن الطولية المفاجئة من مناطق دفاع المنتخب المصرى رائعة ودقيقة للغاية لتخترق قلب دفاع هولندا ، مع تحرك حسام الواعي لضرب مصيدة التسلل في التوقيت المناسب، ليجد مهاجم النادى الأهلى الشاب الكرة منطلقة أمامه بسرعة وقوة مناسبتين تماما ليتقدم وينفرد بالمرمى البرتقالى .. وخلال أقل من 3 ثوان فقط كانت الكرة تتهادى داخل منطقة الجزاء الهولندية، بينما سقط حسام حسن أرضا بعد دفعة من نجم الدفاع العالمى الهولندى رونالد كومان لاعب برشلونة في هذا الوقت، والفارق وقتها بينهما كان بملايين الدولارات، قبل أن يندفع الحكم الأسبانى إميليو آلادرين داخل المنطقة ليطلق صافرته معلنا احتساب ركلة جزاء لصالح المنتخب المصرى. ظل حسام على الأرض للحظات غير مصدق أنه حصل على ركلة جزاء لفريقه أمام نجوم العالم هؤلاء ، وان فرصة التعادل باتت الآن في مقدور منتخب بلاده ، ولعلها كانت اللحظات الاصعب في تاريخه كلاعب حيث خشى كثيرا ان تضيع الكرة والفرصة التى قد لا تتكرر في مثل هذه المناسبات العالمية الكبرى ... وبين فرحة الجماهير المصرية والعربية في المدرجات الإيطالية ، كان الكل يترقب لحظة تسديد الكرة ، والتى اختار الجنرال المصرى الراحل/ محمود الجوهرى لها لاعب خط وسط فريقه، مجدى عبد الغنى، والذي تحرك بخطوات بطيئة نحو المنطقة ليلتقط الكرة ويضعها عند علامة الجزاء استعدادا لتسديدها. لحظات قليلة مرت كالدهر على الجميع ، البعض يتذكر أجواء ما قبل التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم 1990، ظهور الجوهري الأول مدربا لمنتخب بلاده قبل عامين من تلك اللحظة الحاسمة، مسيرة التصفيات المتوازنة الناجحة، مواجهتا الجزائر العصيبتان، هدف حسام حسن في القاهرة والتأهل الثانى في التاريخ الكروى المصرى إلى كأس العالم ... مباريات تحضيرية كثيرة وكبيرة ، مباريات عالمية بحق ، جعلت من مصر اسما متواجدا لاول مرة منذ سنوات بعيدة جدا على الساحة العالمية .. توقعات الجميع قبل المباراة وانتظار الكل لنتيجة وفوز ساحق لمنتخب هولندا على حساب البطل الأفريقى حديث العهد بتلك المنافسات.. يا لها من ذكريات! وقف عبد الغنى في مواجهة بروكلين، ربما ليتأكد أولا أنه ليس حلما وأن ركلة الجزاء تنتظر تحرك قدمه ليركل بها الكرة، هل حلم في تلك اللحظة أنه سيكون صاحب الهدف الثالث في تاريخ الكرة المصرى بنهائيات كؤوس العالم بعد ثنائية عبد الرحمن فوزى عام 1934 أمام المجر؟، هل توقع أن يكون حتى الآن هو آخر لاعب سجل هدفا لمصر في تلك النهائيات؟.. بالتأكيد دارت في رأسه الكثير من الأحلام والأفكار ، لم يقطعها سوى صافرة آلادرين لتنبهه ان عليه الآن تسديد الكرة.. نفس عميق وتركيز واختيار للزاوية، ثم انطلق عبد الغني ليسدد كرة كلاسيكية جداً بقدمه اليمنى في أقصى الزاوية اليمنى للحارس الهولندي، انخلعت لها قلوب الجميع خوفا من أن تخرج بعيدا عن القائم أو يبعدها بروكلين، لكن كان الكابتن محمود بكر – المعلق الشهير – يتلمس هناك عدالة السماء في باليرمو، وسكنت الكرة الشباك في الدقيقة 83 من عمر المباراة بشكل أطلق صرخة وهتاف ملايين المصريين في وقت واحد (جوووووون)، لينطلق اللاعبون في فرحة هستيرية داخل الملعب، وترتفع الأعلام المصرية في المدرجات، وتتوالى الزغاريد في كل انحاء مصر تعبيرا عن فرحة شعب نادرا ما كان يفرح بشكل جماعي، ولا يزال للأسف إلا فيما ندر، ويظل الكابتن مجدي عبد الغني محتفظا بتلك الذكرى حتى الآن، يكررها على مسامع الجميع بين لحظة وأخرى. هذا الجيل العملاق بالفعل، الذي كان له الفضل في تطوير وتغيير كبير حدث في الكرة المصرية وقتها، واستمر حتى الآن، غادر هذا المونديال مرفوع الرأس بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق معجزة التأهل إلى الدور الثاني بعد أن قدم أداءً غير متوقع أبداً في مجموعة نارية ضمت بجوار هولندا، كل من آيرلندا وانجلترا.. وظُلِمَ كثيرا في التصفيات التالية لكأس العالم 1994 عندما بدأ مرحلة النضج الكروى الحقيقي وصارت أسماء نجومه الشباب مطمعا لأندية أوروبية، إلا أن العشوائية والتهور جعل هذا الجيل يدفع ثمن "طوبة" شهيرة في مباراة زيمبابوى بتصفيات الكأس التالية، حرمته من التأهل إلى الدور الثانى والاخير في تلك التصفيات. ولا تزال الكرة المصرية تنتظر جيلا جديدا قادرا على تكرار هذا الحلم الكبير، يماثل هؤلاء العمالقة الذين انصهروا في بوتقة واحدة تحت قيادة قائدهم الكبير، محمود الجوهري، صنعوا تاريخا رائعا لهم ولكرتهم المصرية، وحفروا أسماءهم كلاعبين بداخل قلوب الكثير من عشاق تلك اللعبة.. كثيرون منهم احتفظوا بتلك المكانة الراقية داخل ذاكرة المصريين، ولا يزال البعض منهم يخسر كل يوم تلك المكانة بسبب مواقف إعلامية وسياسية كشفت لمجتمعهم ما خفي عليه قديما .. لكن يظل جيل ( لاعبى 90 )، هو جيل العمالقة!