منذ أيام أصدر البنك المركزي المصري موافقته على قيام بنك قطر الوطني بالفحص الفني النافي للجهالة للبنك الأهلي سوسيتيه جنرال-مصر، وذلك بعد الطلب الذى سبق وأن تقدم به بنك قطر الوطني وإعلانه عن رغبته فى الاستحواذ على نسبة 77.17 % من حصة البنك الأهلي سوسيتيه جنرال الأم فى ذراعها بمصر، وهو الأمر الذى يأتى متسقاً مع رغبة البنك الفرنسى للتخارج من وحدته فى مصر ليس بسبب وجود مخاطر للعمل داخل السوق المصرى بقدر ما هو تدعيم لميزانية البنك وتقوية موقفة المالي، ويأتى هذا فى ظل توجه عام لبعض البنوك الأوربية بشكل عام والبنوك الفرنسية بشكل خاص للتخارج من العديد من الوحدات التابعة لها على مستوى العالم فى ظل أزمة الديون الطاحنة التي تجتاح عدد من الدول الأوربية وتهدد توسعها وانتشارها. وكان قد سبق وأن قام بنك قطر الوطني بالفحص الفني النافي للجهالة لثلاثة بنوك أخرى ولم تسفر عملية الفحص عن تقدم البنك بعرض رسمى للشراء لأى من تلك البنوك وهى بنك بيريوس اليوناني وبنك بى إن بى باريبا الفرنسي، بخلاف المصرف المتحد والذى توقف بسبب القضايا المرفوعة على البنك منذ تكوينه على خلفية دمج ثلاثة بنوك متعثرة. ويعد إقدام بنك قطر الوطني على تلك الخطوة بالأمر الجيد الذى يأتى فى التوقيت المناسب لما سيكون له من تأثير إيجابى على القطاع المصرفى بوجة خاص ليزيد من جاذبيته وعلى مناخ الاستثمار فى مصر بشكل عام سواء الاستثمار المباشر أو غير المباشر والذى ظهر جلياً من خلال الارتفاعات القياسية المتتالية فى سعر سهم البنك الأهلي سوسيتيه جنرال والذى قفز لما يقارب 30 % خلال أول ثلاث جلسات عمل منذ الإعلان عن الرغبة فى الاستحواذ على ذلك البنك وموافقة البنك المركزي للبنك القطري للقيام بعملية الفحص الفني، وانعكس الأمر كذلك على أسعار أسهم قطاع البنوك بشكل عام حيث يساهم ذلك الاستحواذ على ارتفاع التقييمات بالقطاع المصرفي ويدعم من ثقة المستثمرين فى السوق المصرى ويشجعهم على الاحتفاظ بأرصدة أسهمهم. غير أن عملية الفحص الفني التى تتم وعرض الشراء المتوقع للاستحواذ على البنك الأهلي سوسيتيه جنرال-مصر من قبل بنك قطر الوطني يعد من قبيل الاستثمار الطائر حيث أنه وعلى الرغم من استفادة الجانب المصري من خلال بيع حصة الأقلية المتداولة بالبورصة المصرية إلا أن الاستفادة القصوى من عملية الاستحواذ لن تتحقق لمصر بقدر ما سوف تتحقق للجانب الفرنسي من خلال تحويل قيمة الصفقة للبنك الأم فى فرنسا. ويشير الأمر هنا إلى أن البنك المركزي لم يلعب دور المسوق والجاذب للاستثمار داخل مصر فى تلك الحالة بقدر ما اكتفى بدور المنظم والرقيب من خلال إعطاء الموافقة على القيام بعملية الفحص الفني، حيث لم يدخل البنك المركزي فى مفاوضات مع البنك القطري لبحث رغبته فى العمل داخل مصر وكيفية الاستفادة منه بالشكل الذى يحقق الاستفادة القصوى للطرفين، خاصة وأن هناك العديد من البدائل التى كان يمكن أن يلجأ إليها البنك المركزي، لاسيما وأن هناك رغبة سابقة مدعمه بخطط لدى البنك المركزي للتخلص من حصة مصر فى البنك العربي الأفريقي الدولي وهى تلك الخطط التى توقفت بسبب أحداث الثورة، وأصبح الوقت الآن مهيئاً أكثر من أى وقت مضى لتفعيلها فى ظل حالة التفاؤل بمستقبل جيد للاقتصاد بعد الثورة مدعوماً بمساندة العديد من دول العالم، وكل ذلك نتاج التحول الديمقراطي الذى تشهده مصر حالياً. ولعل من بين تلك البدائل أيضاً إعادة النظر فى فتح باب الترخيص مرة أخرى لبنوك جديدة للعمل داخل مصر خاصة بعد استقرار أوضاع الجهاز المصرفي بعد نجاح المرحلة الأولى والثانية من إصلاحه ومعالجة معظم المشاكل التى كانت تعانيها البنوك من خلال التعامل مع ملفات الديون المتعثرة وتقوية الأنظمة الرقابية السابقة واللاحقة داخل البنوك، ثم زيادة رؤوس أموال البنوك بالشكل الذى دعم من القواعد الرأسمالية لها وجعلها قادرة على استيعاب المزيد من أنظمة العمل الحديثة بالشكل الذى يدعم من قدراتها التنافسية ويجعلها قادرة على مواجهة المزيد من المنافسة. إنها أحد القضايا المهمة التي تواجه القائمين على الأمر داخل البنك المركزى المصرى وتحتاج إلى إعادة التفكير.