"قيثارة السماء" لقب إشتهر به الشيخ "محمد رفعت" أقوى وأعذب وأفضل صوت مصري وعربي في القرن العشرين حسب ما أكد علماء الأصوات والتجويد والموسيقى، لدرجة أن صوت غنائي كبير كأم كلثوم جاء تاليا له في الترتيبن مما يدل على ما كان يتمتع به الشيخ من طلاوة في الصوت وعذوبه في تلاوة القرآن الكريم. ولد الشيخ "رفعت" عام 1882 بحي المغربلين بالقاهرة، وكان ترتيبه الرابع بين إخوته، وكان أبوه يعمل ضابطا في قسم شرطة الخليفة. فرحت الأسرة كلها بمقدم الطفل الذي كان يتمتع بطلة بشوشة وبعين جميلة، لكن الأهل والجيران صحوا فجأة في أحد الأيام ليجدوا عيني "محمد" مصابتين بإلتهاب شديد، فأخذه أبوه إلى طبيب يسمى "الخواجة روكش" الذي أجرى له جراحة فقد الطفل على إثرها بصرة تماما. وعاش الأب بعد هذه العملية سبع سنوات حزينا على طفله ليموت كمدا ويصبح الشيخ "محمد" يتيما. وقد أراد الأب أن يخفف من وطأة الصدمة على طفله الصغير فألحقه بالكتاب لحفظ القرآن الكريم وما إن أكمل عامه التاسع حتى كان متما لحفظه. وبعد ذلك سعى الصبي "محمد" إلى تجويد ما حفظ فبدأ في دراسة القراءات السبع على يد الشيخ "عبد الفتاح هندي" وبدأ إسمه ينتشر في المنطقة حتى أصبح المقرء الأول لمسجد "فاضل باشا" والموجود بدرب الجماميز، وظل مقرءا بهذا المسجد حتى وفاته. وفي عام 1934 كان إفتتاح الإذاعة المصرية وكان صوت الشيخ "رفعت" هو أول صوت ينطلق من ميكرفون الإذاعة بآيات القرآن، مما جعل المستمعون يتحلقون حول الراديو لينهلوا من حلاوة الصوت، فلم يكن الشيخ رفت يقرأ بلسانة فقط بل يقرأ بروحه أولا، لدرجة أن بعض أهالي المناطق الشعبية أقاموا مقاهي خاصة للإستماع والإستمتاع بصوت الشيخن وكانت هذه المقاهي التي إنتشرت في أحياء السيدة زينب والمنيل وعابدين، وكان لهذه المقاهي خصوصية حيث منعت فيها ألعاب التسلية كالدمنيو والشطرنج، وكان أصحاب هذه المقاهي يفرضون شروطا خاصة على روادها خاصة مساء يومي الثلاثاء والجمعة حيث كانت تبث قراءة الشيخ "رفعت" من الإذاعة. وبالإضافة إلى موهبته الفطرية وما حباه الله به من جماليات الصوت وقوة الأحبال الصوتيه وإنسيابية الأداء، فقد أثقل الشيخ "رفعت" هذه الموهبة بالدراسة، فبالاضافة إلى تجويده للقرآن الكريم منذ أن كان طفلا، فقد كان محبا للأنغام والموسيقى التي تعلم قواعدها وصادق كبار ملحني عصره وحفظ منهم الأدوار والتواشيح. وهذا ما أعطى لصوته حساسية وشعورا خاصا بالكلمة المنطوقة، أضف إلى ذلك دراسته العميقة للتفاسير المختلفة، فكان لا ينطق حرفا وإلا هو يدرك معناه. وقد تعرض الشيخ محمد رفعت لأزمتين قاهريتين في حياته أولهما فقده لبصره وهو طفل صغير، والثانية فقده لصوته بداية من عام 1942 بسبب "الزغطة". وقد قام فكري أباظة بالدعوة إلى إكتساب شعبي لعلاج الشيخ وجاءت بالفعل التبرعات بالآلاف لتصل إلى خمسين ألف جنيه وهو مبلغ كبير بمقياس زمنه، لكن الشيخ قال لهم عبارة واحدة تحمل الثقة والرضا وهي "أراد الله أن يمنعني ولا راد لقضائه الحمد لله". وظلت هذه الكلمة على لسانة يواجه بها قسوة المرض والحياة حتى فاضت روحه الطاهرة يوم 9 مايو 1950. وقد ترك الشيخ رفعت ميراثا فوق الذهب والمال فقد جمع عشاق صوته وقرآته 278 إسطوانة مسجل عليها 21 ساعة قراءة. استمع الي التلاوة المباركة