تابعوا معي المشهد في الشرق الأوسط "الكبير" الذي يشمل المنطقة من افغانستان وحتى موريتانيا، هذه المنطقة الآن هى مسرح لأكثر من سبعين بالمائة من الاضطرابات في العالم كله، اضغطوا عدسة الزووم إن zoom in" " وركزوا على المنطقة العربية في القلب من هذا الشرق الأوسط الكبير، هذه المنطقة باتت الأكثر اضطرابا في العالم مع أعداد كبيرة جدا من الضحايا وملايين المشردين والنازحين واللاجئين. قبل اكثر من عشرين عاما، عرفنا في مصر النازحين من جنوب السودان، وفي أعقاب سقوط بغداد مطلع العام 2003 عرفنا النازحين من العراق، ومع ربيع التمزيق العربي، عرفنا النازحين من ليبيا ،كما عرفنا النازحين من سوريا ، والآن تتلقى مصر حصتها من نازحي الصراع اليمني... ما معنى هذا؟.. وهل فقط لأننا مستهدفون بالاضطراب، أم لأننا نمتلك "جاذبية خاصة" تجعلنا جديرون بأن نكون مسرحا له؟! معناه أننا نعيش في بؤرة الاضطراب الاقليمي.. أما لماذا تنفرد منطقتنا بأغلب صراعات هذا الكوكب، ففيها قولان: هناك حديث المؤامرة، فنحن مستهدفون لذاتنا، أو لديننا، أو لثرواتنا، ونحن محسودون من باقي سكان هذا الكوكب، على ما نحن فيه من نعمة الدين والدنيا، ولهذا يبدو استهدافنا أمراً طبيعياً، والحقد علينا مفهوما، ونظرات الحسد التي تلاحقنا بطاقتها السلبية، أكيدة، وفعالة..! وهناك أيضاً، حديث أننا نستاهل ما جرى ويجري لنا، فقد اخترنا ان نعيش عالة على غيرنا، في الفكر والابداع والانتاج ، بل وراح البعض منا يعتبر ذلك اختصاصا الهيا لنا بالتميز، مستشهدا بقوله تعالى في سورة الزخرف:" سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين.." في غير موضع الاستشهاد!! حديث المؤامرة مريح، فهو يعفينا –جزئيا- من المسؤولية عما جرى ويجري فوق اراضينا في اللحظة الراهنة، لكنه لا يعفينا من المسؤولية عن التقصير في الاكتشاف المبكر لتلك المؤامرة المفترضة، ولا من المسؤولية عن التصدي لتلك المؤامرة بأدوات فعالة وقادرة، فضلا عن أنه لا يقدم لنا ما يعيننا على التصدي لتلك المؤامرة المفترضة. أما حديث أننا نستاهل ما جرى ويجري فوق اراضينا، فهو يفتح الباب لاكتشاف عوامل واسباب جدارتنا بالكوارث التي تلحق بنا، و قد يعيننا -اذا حضرت الإرادة- على التصدي الصحيح لعوامل التردي واسباب السقوط، لكنه ايضا يسقط في خطيئة الجلد المفرط للذات، بما قد يعوق ارادة الفعل، أو يبدد آمال استعادة الذات. والحقيقة في ظني، أننا –مثل كل بلاد الدنيا- مستهدفون ومحسودون، فالطبيعي على مدى التاريخ الانساني كله، أن تكون لدى البلاد التي تمتلك الطموح،خطة، والطبيعي أيضا أن تتعارض مثل تلك الخطة مع خطط ومشاريع دول أخرى، والطبيعي كذلك ان تتصادم الدول وتتصارع حول خطط كل منها، والطبيعي أخيراً، أن يفوز من استعد جيدا وعلى نحو صحيح بامتلاك عناصر القوة، وبحسن توظيفها للغايات، ووفق التوقيتات الدقيقة والمنضبطة، أما غير الطبيعي، فهو ان تسير الامم بلا خطط ولا خرائط ولا توقيتات، وهذا هو حال أغلبنا في المنطقة العربية المنكوبة بالاضطرابات الساخنة الراهنة. أما لماذا نرى أغلب دول الاقليم بلا خطط ،ولا ارادة، ولا عمل، فهو ببساطة، لأن أغلبها في ظني ما زال "خارج حركة التاريخ" أي أنه لم ينخرط بعد في النظام الدولي، الذي لا يكفي للانخراط فيه ان تحمل علماً، أوأن تهتف بنشيد، اذ يتعين اولا ان تمتلك ارادة، لا تتحقق بغير تفويض شعبي، قد يأتي عبر صندوق الانتخاب، او عبر البيعة، او من خلال القبول العام، لكن هذا التفويض لابد ان يأتي في جميع الأحوال، من "مواطن" يتمتع بكافة حقوق المواطنة التي لا تميز بين شخص و آخر بحسب الدين، أو المذهب، أو الملة، أو اللون، أو العرق، أو الجنس، أو المنطقة، أو القبيلة، أو الفخذ الذي ينتسب اليه، او الأصل الذي ينحدر منه. عندما تستكمل الدول العربية المستهدفة، مقتضيات تكريس قيم المواطنة الحقة،سوف تصبح محصنة ضد المؤامرات، وسوف تتحول من أمم مهددة بالانشطار الى أمم يحسب الآخرون حسابها ويتجنبون المساس بمصالحها. أوطاننا التي تتهددها المؤامرات يمكن تحصينها بالعدل وبقيم المواطنة،أكثر مما تحصنها الاسلحة الفتاكة والجيوش الجرارة.. فحروب الجيل الرابع تعتمد على "التفجير من الداخل".... حصنوا أوطانكم من الداخل يرحمكم الله.