ليس كل ما يريده المرء يدركه .. مقولة تحققت بالفعل على أرض مدينة الشلاتين في أقصى جنوب مصر .. فربما يرغب الإنسان في إنجاز أشياء ثم تدفعه الظروف إلى تغيير مساره تجاه حلمه. في شرفة أشهر مقاهي مدينة الشلاتين .. وفي جو بديع تلقي عليه أشعة الشمس دفئها، يجلس الدكتور محمد برغوت صاحب فندق "برغوت" على طاولته بعد يوم شاق قضاه في تقديم الخدمات العلاجية لأهالي المدينة، يروي قصته المدهشة بشأن حلم حياته في المدينة التي قضى بها أكثر من 30 عاماً. ويحكي الدكتور برغوت –في حوار خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط- أنه في بداية الثمانينات انتقل للعمل في مدينة الشلاتين بدافع إنساني من أجل خدمة أهله الذي شعر بأنهم أولى بالرعاية، وأنشأ عيادته الخاصة التي كانت تدر عليه دخلا يكفيه هو وأسرته التي تركها في مسقط رأسه بمدينة الإسكندرية .. ثم ذاع صيته بسبب مهارته وتحول إلى أشهر أطباء المنطقة وتجاوزت سمعته مدينة الشلاتين حتى وصلت إلى قرى حلايب وأبورماد. ويضيف الدكتور برغوت أن تلك الشهرة حققت له أرباحا اقتصادية كبيرة فاقت حاجته ومتطلبات أسرته وهو ما دفعه إلى التفكير في استثمار هذه الشهرة وإنشاء مستشفى خاص مجهز بكافة الإمكانات الحديثة من أجهزة ومعدات طبية ومعمل للتحاليل ومركز للأشعة. ولم يكن إنشاء تلك المستشفى بالأمر اليسير في هذا الوقت، بل عانى الدكتور برغوت في توفير متطلبات البناء التي قام بجلبها من أربع محافظات مختلفة .. ويقول "لقد عانيت كثيراً في توفير حاجة البناء فالطوب مثلا قمت بشرائه من القاهرة والأسمنت من محافظة الإسكندرية وأشياء أخرى من أسيوط وأسوان" ، متابعا أنه بعد العمل المتواصل وبعد الانتهاء من مراحل البناء والتشطيب وفي المراحل الأخيرة من تجهيز المستشفى أتت الرياح بما لا تشتهي السفن. ويروي الدكتور برغوت أن البيئة الجبلية والصحراوية التي يعيش فيها أهالي مدينة الشلاتين تفرض عليهم نمط وأسلوب حياة تجعلهم في بحث دائم وراء ما يطلقون عليه "الخريف" وهو المرعى الطبيعي أو النباتات التي تنمو تلقائيا عقب موسم الأمطار والسيول ويقول" فهم دائما يبحثون عن "الخريف" وسط الجبال لتأمين الغذاء اللازم لماشيتهم وإبلهم التي تتمتع بمكانة خاصة لديهم بغض النظر عن كونها المصدر الرئيسي لدخلهم. وأشار الدكتور برغوت إلى أن هذا النمط من الحياة يفرض على سكان المنطقة الترحال الدائم، وهذا ما لم يكن في حسبانه أثناء التفكير في إنشاء المستشفى التي لم يحالفه النجاح في افتتاحها، فقرر تحويلها إلى فندق خاص، وتحولت غرف المستشفى التي كانت من المفترض أن تستقبل الحالات المرضية إلى غرف لاستقبال الزائرين.