أكد المحلل السياسى والخبير فى الشؤون العربية عبد الحليم المحجوب أن العلاقات المصرية السعودية فى ضوء تداعيات المتغيرات الراهنة تكتسب أهمية خاصة ليس فقط فى إطارها الثنائى، وانما فى ضوء تداعياتها المحتملة على الصعيدين العربى والاقليمى عامة. وأوضح المحجوب - فى دراسة أعدها حول العلاقات المصرية السعودية - أنه من الضرورى تأكيد أن بحث تطوير العلاقات بين القاهرة والرياض لا يستهدف معالجة اللحظة الراهنة فى مصر، وانما الأمر يستهدف التصدى لفترة ما بعد المرحلة الانتقالية خصوصا بعد تبلور معالم جديدة للأوضاع السياسية فى مصر مغايرة تماما لما كان عليه الوضع قبل 25 يناير 2011. وأكد المحجوب أن هناك ثوابت تحكم العلاقات بين مصر والسعودية منذ بداية نظام الدولة فى المملكة العربية السعودية، وأن إلحاق الضرر أو إسقاط هذه الثوابت يضر بالمستقبل العربى كله باعتبار ان مصر والسعودية هما الدولتان الاهم والاكثر تأثيرا فى السياسات العربية على مدى الستين عاما الماضية دون اغفال لبقية أدوار اخرى تتميز من حيث تأثيرها بالموسمية حيث تظهر فى فترات وتكاد تختفى فى فترات اخرى، بل ان واحدا منها يكاد ينعدم حاليا فى الظروف الراهنة وهو الدور العراقى. وأوضحت الدراسة أن الدورين المصرى والسعودي يستندان إلى مقومات جغرافية عكس الادوار العربية الاخرى، وتؤهل هذه المقومات كل منهما لممارسة تأثير فعال فى مناطق ومواقع بالغة الحساسية من الزاوية الاستراتيجية، فضلا عن خلفيات تاريخية تدعم امتلاكهما لقدرة المبادرة والفعل على الصعيدين العربى والاسلامى وليس فقط انتظار رد الفعل. كما تملك كل من مصر والسعودية من الثروات الطبيعية والبشرية ما يؤهلهما لتحمل أعباء الأدوار والمسؤوليات المفروضة على كل دولة على حدى او عليهما معا. ولفت المحجوب فى دراسته إلى أنه يدعم ذلك توفر ثقافة الحركة والانتشار المتاحة لكل من مصر والسعودية بدرجات متفاوتة وبما يحول دون تقوقع اى منهما داخل حدوده الجغرافية. وأكدت الدراسة أن البيئة الاقليمية والاستراتيجيات الدولية فى المنطقة تحولان دون ان ينكب اى من الدولتين مصر والسعودية على همومه الخاصة المحلية حتى لو اختار ولاة الأمر هذا الطريق. وتحدثت الدراسة عن الأسس الاستراتيجية للعلاقات المصرية السعودية، فأشارت إلى مجموعة من الافتراضات المؤثرة على مسار هذه العلاقات والوضع العربى العام ومنها التأكيد على الاهمية الاستراتيجية للبلدين باعتبار ان توافقهما حول سياسات مشتركة يمثل عامل استقرار جوهرى فى المنطقة العربية، وان المطلوب الان هو بحث آليات هذا التوافق، أما الدخول فى مواجهات صراع بينهما فيمكن ان يحدث اضطرابا عاما فى النظام العربى كله. وأشار السيد عبد الحليم المحجوب فى دراسته إلى أنه لا يوجد ما يسمى بتصدير الثورة، حيث فشلت التجربة الايرانية وتجارب اخرى عربية، مؤكدا أن التمكين فى الداخل وامتلاك كل دولة لمقومات الاستقرار الحقيقي هو المحرك الرئيسى لانتهاج سياسات اقليمية ودولية نشطة ومثمرة فى مواجهة كافة المشروعات والاستراتيجيات المناوئة للعرب والمسلمين، وأوضح أنه افتراضيا لا يوجد فى الواقع تصادم استراتيجى او تضارب فى المصالح بين كل من مصر والسعودية وان اختلاف المنهج السياسى يمكن معالجته فى اطار احتياجات الامن القومى كما تفرضها الاوضاع الجيواستراتيجية. ولفت المحجوب إلى ضرورة وأهمية وضع الهزات والمشكلات التى تعترض العلاقات بين البلدين بين فترة واخرى فى حجمها الطبيعى والابقاء على وضع هذه المشاكل فى حدودها القانونية والدبلوماسية وبذل الجهود من الطرفين لحلها بعيدا عن الفضائيات التى اصبح بعضها يتربص بكل حدث ويصب الزيت على النار، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعى التى يتعامل اغلبية مستخدميها خارج اطار اى قانون ويسمحون لانفسهم بنسج الراويات وحبك السيناريوهات واستخدام كل الالفاظ الخارجة عن ضوابط الآداب العامة فى كيل الاتهامات لهذا الطرف او ذاك مما يزيد الامر اشتعالا، ويحول دون الاحتواء الهادىء لهذا النوع من الازمات العابرة فى طريق العلاقات المصرية السعودية. ونبهت الدراسة فى الختام إلى أنه ينبغى الابتعاد عن الأساليب العشوائية والانفعال فى معالجة اى أزمة قد تهز العلاقات، وانه يجب ان تتم المعالجة بدقة وببحث عميق وشامل. ولفتت الدراسة إلى أن المملكة العربية السعودية هى التى تصدت لمحاولات بعض الدول العربية فى عام 1979 لامتداد المقاطعة العربية لمصر بعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد لتشمل مصالح الشعب المصرى فى المنطقة ممثلة فى العمالة المصرية التى تعمل فى الدول العربية ووقف خطوط الطيران والملاحة البحرية وغيرها من المصالح المصرية الاخرى.