"الشاعر الصادق لايهمني أن يرحل أو لا يرحل لأن أشعاره تعيش وأنت أشعارك لاتعيش فقط وإنما تزداد تألقاً ومصداقية مع مرور السنوات، تكشف عنها طبقة بعد طبقة لتضحى أصالة الرؤية وصدق الالتصاق بالفكرة والحب العميق والحقيقى للوطن.. رحمك الله يا أمل ياصديق العمر ونتذكرك ليس في ذكراك فقط ولكنك تعيش معي في صورة دائمة.. رحمك الله"، هذه الكلمات هي ما أهداها الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي في اتصال ل "الوادي" لصديق عمره أمل دنقل في ذكرى وفاته ال 31. ولد أمل دنقل في أسرة نوبية في عام 1940 بقرية القلعة، مركز قفط بمحافظة قنا في صعيد مصر، وكان والده عالماً من علماء الأزهر الشريف مما أثر في شخصية أمل دنقل وقصائده بشكل واضح، سمي أمل دنقل بهذا الاسم لأنه ولد بنفس السنة التي حصل فيها والده على إجازة العالمية فسماه باسم أمل تيمنا بالنجاح الذي حققه. ورث أمل دنقل عن والده موهبة الشعر فقد كان يكتب الشعر العمودي، وأيضاً كان يمتلك مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي مما أثر كثيراً في أمل دنقل وساهم في تكوين اللبنة الأولى للأديب. فقد أمل دنقل والده وهو في العاشرة من عمره مما أثر عليه كثيراً وأكسبه مسحة من الحزن تجدها في كل أشعاره التي كتبها مثل"الشرفة" ،"نهر الخطايا" ، "الزيارة" ، "الروح المهجورة" وغيرها مثل "أين المسيح" وهي التي نشرت في كتاب "قصائد لم تنشر" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بمناسبة ذكرى رحيلة ال 31 والمرفق به الجزء خاص بمخطوطات تلك القصائد بخط يد أمل دنقل من أجندته التي تحمل تاريخ عام 1961 . رحل أمل دنقل إلى القاهرة بعد أن أنهى دراسته الثانوية في قنا وفي القاهرة التحق بكلية الآداب ولكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الأول لكي يعمل. عمل دنقل موظفاً بمحكمة قنا وجمارك السويس والأسكندرية ثم بعد ذلك موظفاً في منظمة التضامن الأفروآسيوي، ولكنه كان دائماً ما يترك العمل وينصرف إلى كتابة الشعر. استوحى أمل قصائده من رموز التراث العربي، وقد كان السائد في هذا الوقت التأثر بالميثولوجيا الغربية عامة واليونانية خاصة، وعاصر عصر أحلام العروبة والثورة المصرية مما ساهم في تشكيل نفسيته وقد صدم ككل المصريين بانكسار مصر في عام 1967 وعبر عن صدمته في رائعته "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" ومجموعته "تعليق على ما حدث". وشاهد أمل دنقل بعينيه النصر وضياعه وصرخ مع كل من صرخوا ضد معاهدة السلام، ووقتها أطلق رائعته "لا تصالح" والتي عبر فيها عن كل ما جال بخاطر كل المصريين، ونجد أيضاً تأثير تلك المعاهدة وأحداث شهر يناير عام 1977م واضحاً في مجموعته "العهد الآتي". وكان موقف أمل دنقل من عملية السلام سبباً في اصطدامه في الكثير من المرات بالسلطات المصرية خاصة وأن أشعاره كانت تقال في المظاهرات على ألسن الآلاف. عبر أمل دنقل عن مصر وصعيدها وناسها، ونجد هذا واضحاً في قصيدته "الجنوبي" في آخر مجموعة شعرية له "أوراق الغرفة 8"، حيث عرف القارئ العربي شعره من خلال ديوانه الأول "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" الصادر عام 1969 الذي جسد فيه إحساس الإنسان العربي بنكسة 1967 وأكد ارتباطه العميق بوعي القارئ ووجدانه. وصدرت له ست مجموعات شعرية هي :" البكاء بين يدي زرقاء اليمامة بيروت 1969 ، تعليق على ماحدث ببيروت 1971، مقتل القمر بيروت 1974، العهد الآتى بيروت 1975، أقوال جديدة عن حرب بسوس بالقاهرة 1983،أوراق الغرفة 8 القاهرة 1983"، وتزوج أمل الكاتبة الصحفية عبلة الرويني. وأصيب أمل دنقل بالسرطان وعانى منه لمدة تقرب من ثلاث سنوات وتتضح معاناته مع المرض في مجموعته "أوراق الغرفة 8" وهو رقم غرفته في المعهد القومي للأورام والذي قضى فيه ما يقارب ال 4 سنوات، وقد عبرت قصيدته السرير عن آخر لحظاته ومعاناته، وهناك أيضاً قصيدته "ضد من" التي تتناول هذا الجانب، والجدير بالذكر أن آخر قصيدة كتبها دنقل هي "الجنوبي "، وتوفي أمل في 21 مايو عام 1983 عن عمر 43 سنة.