ونحن نُحِبُّ الحَيَاةَ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلاَ كشكول الغرام هامش من هوامش تفاصيلنا التي تخص اليوميات البسيطة .. عن حواديت الغرام جميعها عن كل أيام الرحيل والغياب والأمل في اللقاء واليأس الذي لا يلد إلا ثورات .. الكشكول أبطاله جميعاً من الواقع ف قصص الغرام تسكن الشوارع وليس صفحات الروايات فقط .. وما عَجَبِي مَوْتُ المُحِبِّينَ في الهوى ولكنْ بقاءُ العاشقينَ عجيبُ .. " عروة إبن حزام" كعادتي لا تجذبني قناة ناشيونال جيوجرافيك كثيراً إلا في حالات الاكتئاب والملل الشديدة, منذ عدة أيام كانوا يعرضون فيلم وثائقي عن القنبلة الذرية التي ضربت مدينتي ناجازاكي وهيروشيما على يد الولاياتالمتحدة الاميريكية في الحرب العالمية الثانية سنة 1945 وراح ضحيتها أكثر من 200 ألف بني آدم من المدنيين من جميع الأعمار غير ألاف المصابين, كان الفيلم يرتكز على شهادات للناجين من هذة الحرب البشعة, جميعهم مشوهون, عيونهم بها ألم غريب رغم مرور تلك الأعوام الطويلة جداً. كانت تحكي سيدة يصعب النظر لوجهها من التشوهات المنتشرة به تقول: من أكثر الإنتهاكات التي تعرضت لها بعد النجاة من الحرب النووية الانتهاك الذي تعرضت له من قبل منظمات حقوق الإنسان, حيث إنهم كانوا يتعاملون معنا كفئران التجارب ينتهكون خصوصيتنا في أي وقت للتحقيق أو الكشف علينا, لا يهتمون بكون أننا غير مستعدين أو متألمين ولا نريد الحديث عن شيء فقط نريد الصمت. وتستكمل: أذكر في ليلة كنت بين مجموعة علاجية بها مجموعة كبيرة من الأطباء أدخلوني إلى حجرة ضخمة وصلتوا علي الضوء لدرجة لم تجعل ان يكون لدي القدرة على رؤيتهم وطلبوا مني خلع ملابسي بالكامل حتي يستطيعوا الكشف علي وعلى الإصابات الموزعة بجسمي, كنت طفلة في سن المراهقة شعرت بخجل وحزن وخوف ولم أخبر أهلي ولا حتى أمي عن هذا الحدث حتى اليوم من فرط شعوري بالانتهاك, ولكني أيضاً صديقي الذي كان يحضني كل يوم حضن مجاني ويحدثني عن الأمل والحياة, كان يرفع عني الألم بالدفأ والأمل والحديث عن حياتي القادمة وأني سأموت فعلاً ولكني سأموت عجوز نائمة في سرير مريح.. وهكذا صرت عجوز, لم ينقذني مجهود الحقوقيين بل أنقذني رفيق عادي وبسيط.. " توقفت أمام كلماتها عن الرفيق الذي لا أعلم إن كان حبيبها أم صديقها الذي حملها بدفء طيلة هذة السنوات ليرفع عنها ألم الحرب وانتهاك الجميع لها. هكذا من رحم المعارك والحروب تخرج قصص الدفء والغرام والشفاء كما يولد الألم أيضاً. أتذكر جيداً منذ أسابيع حينما ذهبت إلى دار القضاء العالي لأحضر جلسة الحكم على علاء عبد الفتاح وأخته منى سيف وأنا أحمل بقلبي أوجاع كل الرفاق الذين يسكنون السجون الآن. دخلت إلى قاعة المحكمة حيث وجدت منى وحدها بالقفص وعلاء غير موجود, تجلس منال زوجته أو حبيبته كما أحب أن أطلق عليها "أم خالد" الجميلة, متوترة وبعيونها طفيف من الدموع التي تعبر عن القهر والوجع, سألت عن علاء وعرفت أن النيابة قد تحفظت عليه بسبب أتهامه في قضية آخرى ولم يحضر, لحظة النطق بالحكم بسنة مع إيقاف التنفيذ والافراج عن منى والتحفظ على علاء بسبب اتهامه في قضايا أخرى تجمهر الكل حول منال, كانت مرتبكة للغاية كانت قوية تحبس دموعها وتقف وسط الجميع لتطمئنهم وجميعنا نعلم إنها لا تريد سوى حبيبها وأبو ابنها, طبطبت على يد سناء الأخت الصغيرة ل علاء وقالت لها"متخافيش", بينما لمحت عمرو يقف خارج القضبان ينظر ل منى بمنتهى الحب وينتظرها لتخرج من خلف القضبان, فتكتب منى بعد لحظات إنها تفتقد أخيها رغم كل الإيمان أن الظلم سينتهي عن قريب.. هكذا يكتمل المشهد زوجة وحبيبة في انتظار الحبيب والزوج خارج القفص بلا جدوى وحبيب ينظر لحبيبته وهي تحاكم وراء القضبان في تهم باطلة, ومصور يلتقط حبيبته بين الجماهير تبكي من أجل أصدقائها عند الحائط المجاور للقفص الحديدي. خرجت من المحكمة وأنا أفكر في ولع المحبين وقصص الحب المتضفرة في يومياتنا وصراعتنا ليل ونهار.. ووجدت صورة علي شعث وهو يحتضن رنوة يحيى تتسرب إلى ذهني بشكل تلقائي, فقد رحل علي عنا فجأة هذا الرجل الأربعيني الفنان والمبدع وترك وراءه إرث هائل من المحبة والأحلام وترك أيضاً حبيبة ورفيقة الدرب والثورة والأحلام وحيدة تتساءل لماذا رحل الآن وتركتني هاهنا وحيدة؟ ألم يكن عليه أن يأخذني معه أو ينتظرني كي نرحل سوياً من هنا... رنوة هذة الأيام تكرر عبارة تكتب فيها : من نام عاشقاُ, استيقظ ومحبوبه عند رأسه للنفري, لكنك إن تأملت ملامح رنوة ستجد إبتسامة علي مطبوعة على وجهها.. وهذا يكفي .. منذ شهر تقريباً تم القبض على المصور الصحفي محمد عبدالمنعم النوبي الشهير بالنوبي من قبل القوى العسكرية بسبب تواجده كمصور في موقع أحداث وتم حبسه وتعذيبه وخرج على ذمة القضية بكفالة 500 جنيه, النوبي هو نفس الشاب الذي ودعه أصدقائه منذ أيام نتيجة موته في حادث سيارة فجأة في ملحمة من الحب ووقفت شعبة المصورين الصحفيين في مشهد مهيب تصفق له على فوزه بجائزة 2013 للشعبة هذا الشاب الأسمر الذي قام بدور محمد منير وهو شاب في "مشوار منير" صاحب الوجه المبتسم الذي أحبه الجميع, نعم لم تحبه السلطة, لم يحبه العسكر, سُجن وتم تعذيبه ورحل بعدها بأسابيع عن الدنيا ككل, هكذا هي السلطة وهكذا نحن وكما ظُلم النوبي في وطنه فمحبة أصدقائه له فاقت حدود الجمال .. "نعم .. الحكومة لا تعرف الحب" .. وأخيراً .. حلم يراودني.. يوماً ما سيكون هناك كتاب ضخم بحجم ميدان التحرير .. سنعبر بجانبه كل يوم ومن حقنا جميعاً أن ندون فيه كل قصصنا الجميلة وذكرياتنا البسيطة .. سنكتب فيه عن الحب والقصص التي لا يعرفها عنا الشارع الآخر .. فهم لا يعرفون أن وراء قصص النضال جميعها أصدقاء تلاقوا وتفرقوا وتفاصيل كثيرة عن الغرام والإيمان والمحبة .. فأرواحنا لم تهزم بعد فهي طليقة في مكان ما تشارك ترانيم وتسابيح منتصف الليل مع أصدقائنا الذين استشهدوا على أسم الحرية في تلك المدينة ..وأحبائنا الذين رحلوا في منتصف الطريق ورفاقنا الذين سجنوا من أجل الحقيقة.. هناك ليالي طويلة من سهر المحبين وغفران العشاق لأحبابهم وصباحات تحكي عن المسافات التي بينهم والثمن الذي دفعه كل هؤلاء من أجل ما يؤمنون به ببساطة شديدة دون أي مكياج للحياة أو للتاريخ .. عن الفقد والخوف والهلع والوحدة عن تفاصيل النضال ورسائل المعتقلات .. نعم ولدنا كي نحيا هكذا ولن نعود ... وفي ظل تلك الظروف العصيبة نعم نكدب لو قلنا مبنحبش .. فالتاريخ الخالي من تاريخ الأحبة هو عاري وضعيف.. جميعهم كانوا عظماء وجميعهم أحبوا بشدة من كفافيس ل جيفارا ل فريدا ل كافكا لفتاة الحرب التي حكينا عنها ل منال وعلاء والفتاة التي تزوجت في الميدان أثناء ال 18 يوم الأولى لثورتنا .. فدائماً ما كان للشاعر قسطنطين كفافيس رجاء ما في الحنين والذكرى لا أعرف كيف كان يتملكني هذا الشعور بالحنين لكل الغائبين كلما قرأت له, ففي ليلة كان يترجى الإحساس السري للشوق فيناجيه ويقول : عد إلى كثيرا.. وتّمّلكني أيها الإحساس السري، عد إلى، خذني وامسك بي¬ عندما يستيقظ الجسد وأطراف الأصابع تتلمس، مقتربة ومبتعدة، على مساحة الجسد كله عد إلى. تملكني أثناء الليل عندما تعود الأجساد للحياة، ونتذكر الشفتين.... لم أجدها ثانية¬ ذهبت بسرعة ويقول: العينان الشاعرتان، وذلك الوجه الشاحب.. في الشارع المظلم.. لم أّجدها ثانية¬ تلك العينان التي ظفرت بهما صدفة، ثم لم أعد اكترث بهما عينان شاعريتان، وجه شاحب، هاتان الشفتان¬ كل هذا فقدته إلى الأبد .. نعم .. نكدب لو قلنا مبنحبش .... يتبع ..