رجل البريد الذي تربع على «أدب المهمشين» بالحنين ل«الكيت كات» أصلان صاحب مالك حزين وغرفتين وصالة ما بين الهروب من الإعلام ومعركة أعشاب البحر «لا يجب أن تتحدث عن الحب بل عليك أن تتحدث بحب، فكل النصابين يجيدون أحاديث الهوى... ولا يجب أن تتحدث عن العدل بل يجب عليك أن تتحدث بعدل لأنه لا يجيد الحديث عن العدل مثل الظالمين».. هكذا اختصر عم إبراهيم أصلان، الأديب العصامي الذي بدأ حياته وبناها بمجهوده وبصبر وبحكمة الراوي، مدرسته الأدبية، المدرسة التي صنعها وأثراها بأعماله عن البسطاء والمهمشين حتى وفاته. ولد أصلان في محافظة الغربية في 3مارس سنة 1936 ورحل عنا في 7 يناير 2012. عاش في حى إمبابة والكيت كات، وقد ظل للمكانين الحضور الأكبر والطاغى في كل أعمال الكاتب بداية من مجموعته القصصية الأولى "بحيره المساء" مرورا بعمله وروايته الأشهر "مالك الحزين"، وحتى كتابه "حكايات فضل الله عثمان" وروايته "عصافير النيل" وكان يقطن في الكيت كات حتى وقت قريب ثم انتقل للوراق أما الآن فهو يقيم في المقطم. لم يحقق أصلان تعليما منتظما منذ الصغر، فقد ألتحق بالكتاب، ثم تنقل بين عدة مدارس حتى أستقر في مدرسة لتعليم فنون السجاد لكنه تركها إلى الدراسة بمدرسة صناعية. ألتحق إبراهيم أصلان في بداية حياته بالهيئة العامة للبريد, وعمل لفترة كبوسطجى ثم في إحدى المكاتب المخصصه للبريد وهي التجربه التي ألهمته مجموعته القصصيه "ورديه ليل". ربطته علاقة جيدة بالأديب الراحل يحي حقي ولازمه حتى فترات حياته الأخيرة ونشر الكثير من الاعمال في مجله "المجلة" التي كان حقى رئيس تحريرها في ذلك الوقت. ينتمي إبراهيم أصلان إلى جيل من الروائيين المصريين الذين نشطوا في نهاية الستينيات وحقبة السبعينيات من القرن الماضي. هناك سمات مشتركة تربط بين إبراهيم أصلان وعبدالحكيم قاسم (الذي رحل عن عالمنا في وقت مبكر) وصنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني، الذين ينتمون إلى ذلك الجيل: الصدمة التي أصابتهم بها الهزيمة التي منيت بها الجيوش العربية أمام الجيش الإسرائيلي، وتأثير ذلك على أدبهم. كان أدب هؤلاء "الشبان الغاضبين" مجددا في عوالمه وأسلوبه، تجريبيا في بعض نواحيه، وشكل نوعا من الثورة على تقاليد الكتابة التي كانت سائدة حتى ذلك الوقت. وتباينت أساليب "كتاب الغضب" المصريين في التعبير الفني عن غضبهم، فمنهم من استشرف المستقبل، وأحدهم استلهم الماضي (الكاتب جمال الغيطاني، ربما كرد فعل مغاير لردود فعل الآخرين الذين رأوا في كثير من سمات الماضي أشباحا للتخلف، بينما الغيطاني تشبث بالتراث اللغوي والتاريخي) . إبراهيم أصلان، الذي قدم تناولا جديدا للواقع الاجتماعي وشخصياته بقي مخلصا للرؤية التقليدية للعالم الروائي، الذي يتمسك بعناصر التشويق والمتعة فيه (بعكس الروائي إدوار الخراط مثلا، الذي يقول انه ليس مطلوبا من الرواية أن تكون ممتعة)، وهو، أصلان، يقول "إذا اخترعت شخصية واخترعت لها سيكولوجية واخترعت لها مصيرا، فقد اخترعت جثة". في هذا يختلف أصلان عن الكثيرين من الروائيين المجددين في العالم، الذين يرون أن "الاختراع" و "الخيال الجامح" هو عنصر أساسي من عناصر الإبداع، وتزخر رواياتهم بالمصائر والمسارات الغرائبية "المخترعة في سنة 2000 كان إبراهيم أصلان أحد أطراف واحدة من أكبر الأزمات الثقافية التي شهدتها مصر دون أن يرغب في ذلك، وذلك في سنة حين تم نشر رواية وليمة لأعشاب البحرلكاتبها حيدر حيدر وهو روائي سوري، التي جاء نشرها سلسلةآفاق عربيةالتي تصدر عن وزارة الثقافة المصرية ويرأس تحريرها إبراهيم أصلان. تزعمت صحيفة الشعب والتي كانت تصدر عن حزب العمل من خلال مقالات للكاتب محمد عباس حمله على الرواية حيث أعتبرها الكاتب أنها تمثل تحديا سافرا للدين والأخلاق، بل وان هذه الرواية تدعو إلي الكفر والإلحاد، وأثارت في هذة لفترة الجدل العارم وقامت المظاهرات بين طلاب الأزهر على خلفيه استفزازهم بالمقالات التي تتصدى للرواية وترفضها ظنا منهم أنها ضد الدين بالفعل، ولم تقعد الدنيا وتم التحقيق مع إبراهيم أصلان وتضامن معه الكثير من الكتاب والأدباء والمفكرين، غير أن مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر قد أدان الرواية والقائمين علي نشرها في مصر واعتبروها خروجا عن الآداب العامة وضد المقدسات الدينية. في 7 يناير 2012 توفى ابراهيم أصلان بعد فترة مرض قصير بمستشفى قصر العيني ودخل أصلان المستشفى قبل عشرة أيام من وفاته على إثر تناوله عقاقير طبية مقاومة لنزلة برد، غير أن هذه العقاقير أثرت سلبًا على عضلة القلب وأربكت وظائفه مما دفع الأسرة إلى نقله للمستشفى عامان على رحيل أصلان: «مالك الحزين» رجل البريد الذي تربع على «أدب المهمشين» بالحنين ل«الكيت كات» في ذكرى إبراهيم أصلان الثانية.. «الوادي» تعيد نشر شهادات نجيب محفوظ والبحراوي وفتحي عن «رفيق الدرب» شهادات داوود عبد السيد ومجدي أحمد علي في الذكرى الثانية لرحيل إبراهيم أصلان: حين فقدنا «مالك الحزين»