تقوم حياة أي إنسان في الأساس على عملية إتخاذ القرار، فمن أكبر الأعمال التي يقوم بها الإنسان إلى قرار الإستيقاظ من النوم، كل هذه قرارات نتخذها حتى وإن لم ندرك ذلك. أكاديميًا يتم تدريس التسلسل الآتي في عملية إتخاذ القرار: في البداية يتم تحديد المشكلة التي يٌتخذ فيها القرار، ثم يتم جمع المعلومات المٌتعلقية بهذه المشكلة، ثم يتم تكوين بدائل تصلح جميعًا لتكون حلًا للمشكلة، ثم نصل إلى خطوة الإختيار بين هذه البدائل وإتخاذ القرار، وأخيرًا يتم الوقوف على نتائج هذه القرارات. تاتي عملية الإختيار وإتخاذ القرار بعد تحديد مجموعة من البدائل تصلح جميعًا لأن تكون حلًا للمشكلة، ثم يتم المفاضلة بينها للوصول للقرار، وهنا يأتي السؤال، ماهو أساس تلك المفاضلة ؟ بعبارة أخرى ما المعيار الذي يدفع مٌتخذ القرار إلى إختيار بديل واحد دون سواه ؟! هناك فرق كبير بين المٌطلقات والنسبيات، فدنيانا تعرف القليل من المٌطلقات والكثير من النسبيات؛ فالمطلقات هي تلك الحقائق التي لا جدال عليها فإن قلت لك إن الشمس تشرق من المشرق فلن يكون ردك أن هذه وجهة نظري؛ فهي حقيقة وليست وجهة نظر أو رأي، بعكس النسبيات التي هي أمر يصلح فيه الاختلاف والنقاش والأراء، فوجود الشمس حقيقة مطلقة، اما مدى الإحساس بحرارة الجو فهو أمر نسبي يختلف من شخص لآخر. ومن هنا يمكنني الإجابة على السؤال الذي طرحته منذ قليل، ماهو المعيار الذي يٌفاضل على اساسه متخذ القرار بين البدائل المطروحة، والحقيقة أن المعيار هو " الإختيار الأنسب " بناءً على الموقف الذي ربما يضطر فيه مٌتخذ القرار إلى البعد عن الحل الأمثل ويتجه إلى حل يحقق أكبر المكاسب وأقل الخسائر في ضوء المتاح وهو الحل الأنسب، فقرار بتر إحدى أطراف الإنسان ليس القرار الأمثل او الطبيعي الذي يتخذه أي طبيب يوميًا، ولكنه بالنسبة لمريض معين يهدد وجود طرف من الأطراف حياته يكون القرار الأنسب. الكمال لله وحده، وعدم الرضا بغير الكمال يجعل الإنسان في حالة سخط دائمة؛ فلن يحدث أن يكون كل شئ كاملًا لا عيب فيه، فأي قرار ستتخذه سيكون به من نقاط القوة ما به، وبه من نقاط الضعف ما به؛ لذلك فالاختيار بين الفاضل والأفضل يكون لصالح الأنسب وهو الأفضل، والإختيار بين الفاضل والسئ يكون لصالح الأنسب وهو الفاضل، والإختيار بين السئ والأسوأ يكون أيضًا لصالح الأنسب وهو السئ. ولا يمكن أن نتوقف عن التفكير لمجرد أن الاختيار الذي نواجهه بين السئ والأسوأ، بل على العكس إذا توقفنا ستزداد الأمور سوءً فحالة " اللاقرار " ليست فقط تأجيل لمواجهة المشكلة بل هي أيضًا فرصة لنموها وتعقيدها أكثر وأكثر، وفي عالمنا العربي أكبر الأمثلة على ذلك، فنحن نؤجل مشكلاتنا ربما لعقود حتى تتضخم وتصبح وحشًا كبيرًا يوشك أن يلتهمنا جميعًا مع أن قرارًا بسيطًا وقت حدوث الازمة كان يمكن أن يقضي على كل شئ. للتواصل مع الكاتب facebook.com/LoayAlkhteep