[email protected] سرني على الآخر أن فيه ممن قرأوا مقال "موازير (1)"، أرسل لي تدرج الإحساس عنده بما سمعه، حتى ألف النغمة "كأني بَسمع مَزيكا عربي لبليغ يا أ.وزيري".. هي من لقبتني بأستاذ مش أنا!! لينك مقال موازير (1) http://elwadynews.com/art-news/2013/11/22/1148#.Uo_MsbIayK0 بعد هذه الجملة التي وردت في إيميلها لي؛ عادت لي حيرة كنتُ قد طنشتها مُذ فترة، وأظن ليست حيرتي لوحدي؛ مِش المزيكا مَزيكا ليه هُناك شرقي وغربي؟ في تقييم خرج من جامعة أكسفورد نهاية القرن العشرين عن أهم إختراع علمي في تاريخ البشرية؛ أقرت الجامعة بأفضلية "الصرف الصحي"، والسبب الأهم في التقييم لم يكن سوى حجم إستفادة الإنسان، وحجم التغيير الأضخم -للأفضل طبعاً- في حياة البشر الذي قام به الإختراع.. الإنسان ها!! الإنسان وبس.. عند الحيرة بين عدة عوامل في التقييم للعلوم "تجريدية وطبيعية"؛ رجحت كفة العامل الإنساني؛ فما بالك بالفنون! مممم يعني تقصد أنك محتار بين عدة رؤى وتفسيرات لكل منها رسوخ ووجاهة؛ فقررت أن العامل الإنساني وبعد المسافات والتواصل المُتأخر نسبة لعمر الإنسانية بين أطراف وحنايا الكوكب له الدور المحوري في تفسير حدوتة مَزيكا الشرق والغرب هذه؟!.. بالظبط. على فِكرة المزيكا الشرقي ليس المقصود بها فقط العربي؛ فهناك الفارسي والتركي والصيني وغيرهم. المزيكا صوت، وبالتأكيد لم ينزل أي إنسان من فرج أمه بأكورديون، أو مشروع بيانو، لكنه نزل بحنجرة تصدر أصوات، ومع العيشة والإتصال بالمحيط والمخلوقات الأخرى؛ أكتشف البشر أن للحياة إيقاع، وأنه يمكن تنغيم ما يخرج من هذا الفم، وأن هذه الحنجرة، وهذا الجوف يشمل مساحات ودرجات صوتية متعددة؛ فظهر الغناء، وظهرت الألآت الموسيقية. المنطقي أن يكون الغناء في الأول عمل فردي كُل واحد مع حاله يغني أو يغني لمجموعة، ولأن إختراع الألآت الموسيقية سبق الشرق فيه الغرب، فلم يكن هُناك حاجة إنسانية ماسة؛ للغناء في مجموعات إلا في غياب الأله كغناء العمال المصريين القدماء أثناء العمل؛ لأن الألة تُصاحب الصوت البشري وتسنده، أما في أوروبا ومناطق كثيرة بإفريقيا فبما أن الألة لم تكن مُصاحبة للصوت في ذلك الزمن البعيد حبتين؛ فسند صوت الإنسان مثيله الإنسان، وبدأ الغناء يكون في مجموعات.. ومع الغناء الجماعي بدأت فكرة تعدد الأصوات، التي تؤدي لإخراج عمل غنائي، والتي أدت أيضاً للوصول إلى علم الهارموني في التأليف الموسيقي كما سنرى. في الشرق أستمر الغناء المُصاحب للمزيكا في الإستمرار والتطور، حتى ظهرت قوالب "غنائية" مثل الدور، الطقطوقة، الموال، القد، المونولوج، الديالوج، النشيد، الأنشودة، الأغنية، الابتهال، التوشيح، وغيرهم، وسنتطرق لهم أنا أو العزيز جرجس بربري في مقالاتٍ قادمة. لكن في هُنا تساؤل بديهي: يعني ماذا قالب غنائي؟ القالب الغنائي: أسلوب لحني أي تلحين الكلمات بطريقة مُعينة أو إذا وضعت كلمات مُعينة على نوع مُعين من الألحان؛ يُنتج عمل غنائي يُطلق عليه هو أيضاً أسم بعينه.. مثلاً الطقطوقة تتكون من: 1- كلمات باللغة العامية يعني في مصر باللغة المصرية التي نتكلمها سوا. 2- أسلوب لحني كالآتي: نبدأ بالمذهب، وبعده عدة كوبليهات في آخر كل واحد منها نُكرر المذهب، وهذا يعني أن كثير من الأغاني، التي نسمعها هي طقاطيق ونحن لا نعرف. أسمع معي طقطوقة "ما دام تحب تنكر ليه؟!" إنتاج سنة 1940، غناء أم كُلثوم، كلمات أحمد رامي، ألحان محمد القصبجي: http://soundcloud.com/sherief-zohairy/w0jcagzpkcp8 ونسمع نفس الطقطوقة بنكهة الچاز من ريما خشيش ونرسل السلام لروح الأستاذ محمد القصبجي، والله يسامحك يا ست!! http://soundcloud.com/baraa_nabil/blklmkm4i7ya في الغرب بقى، وبعد علو كعب المسيحية على ما يُسمى بالوثنية، بدأ حدوث تحول تدريجي في شكل الغناء الشعبي الجماعي.. الكنيسة طبعاً تُعادي مظاهر الوثنية، وبالتالي بدأت عملية إدخال الغناء والمزيكا حظيرة الإيمان، وظهرت الترانيم وأشهرها الترانيم الجريجورية، وسميت كده لأن البابا جريجوري الأول هو من نظمها من الكتاب المقدس، وضبط ألحانها وغنائها دون مصاحبة أي ألآت موسيقية؛ لأنها إرث وثني، وكأي حالة غناء جماعي قبل الوثنية أو بعدها؛ مع الموسيقى أو دونها يلزم تظبيط الأصوات النشاز الخارجة عن الطبقة المطلوبة لأداء الترنيمة وتوظيف إختلاف الطبقات، وهذا ما بلور أكثر فكرة تعدد الأصوات التي تحدثنا عنها أعلى المقال. نسمع مع بعض هذه الترنيمة بمُصاحبة المزيكا: http://youtu.be/aX_EM1-WoI8 قبل الإسترسال كيف وصلت إلينا هذه الترنيمة وغيرها؟! الحقيقة أنه لا أحد يعرف بالضبط متى كانت أول محاولة للتدوين الموسيقي، لكن بالقطع أقدم تدوين موسيقي وصل للإنسانية كان من الشرق وليس من الغرب؛ من مملكة أوغاريت أي مملكة الحقل المحروث كما تُرجمت عن اللغة الأكدية، أكتشفت أنقاضها صدفة سنة 1928 في سوريا في تل رأس شمرا الأثري، ورأس بن هاني التابعان لمحافظة اللاذقية.. هل يعرف أحد الآن ماذا حل بها وبغيرها؟ تدوين أوغاريت الموسيقي -كما يقول مالك جندلي في هذا البرنامج الوثائقي القصير "لا يتعدى التسع دقائق" من إنتاج قناة الچزيرة- عبارة عن سُلم موسيقي سُباعي دياتوني قبل ألف سنة من فيثاغورس، وهذه حالة لا يُستهان بها موسيقياً.. يرجع تاريخ هذا التدوين إلى 3000 سنة قبل الميلاد، وأكتشف سنة 1948 ميلادية. لينك البرنامج: http://youtu.be/Pyy51o__7oA وإذا أضفنا هذه المعلومة بجانب معلومة أن اليهود كانوا يدونون موسيقى المزامير الخاصة بهم بالحروف الأبجدية، وكذلك فعل المسيحيون بنفس الطريقة، وبالأساليب اليونانية التي أسس لها فيثاغورث، يمكننا تفسير وصول هذه الموسيقى وغيرها إلينا.. المجد لفعل الكتابة الذي وصل القرون ببعضها البعض.. ما أستغربته بشدة أنه "لم يصلنا أي تدوين موسيقي عربي" كما يقول الفنان الملحن وعازف العود نضال إسكندر، رغم أن تدوين أوغاريت كان باللغة الأكدية التي هي من أقرب اللغات للعربية!! يلا نسمع أقدم تدوين موسيقي في التاريخ برؤية مالك جندلي: http://youtu.be/NeP_AS0DqaU في مقال قادم سنستكمل إسترسال ما قطعه مالك بموسيقى ترنيمة أوغاريت لألهة القمر: أيتها الألهة أمنحي أزواجنا الذرية واجعليهم أبناءاً لأبائهم لكن الروح تندب عقمها لماذا حُرمت من إنجاب أطفالك؟ وأنا الزوجة الصادقة!!