في الساعات الأخيرة قبل توجه الناخبين الإسرائيليين لصناديق الاقتراع تبدو إسرائيل مقدمة على مرحلة جديدة، ألا وهي حقبة تراجع الأحزاب التقليدية التي ارتبطت تاريخيا بوجود إسرائيل واستمرارها، وتراجع المعطيات التي كانت تصنف هذه الأحزاب بين يمين ويسار. فالخطاب التقليدي الذي كان يفصل بين اليسار واليمين، ويحدده بالموقف من الجيران الجنب ، وهو الفلسطينيون أو المنطقة العربية بشكل أوسع ، يتلاشى ومعه تتراجع القضايا التي كانت تضع العمل وأنصاره في معسكر اليسار وتضع الليكود وما انبثق عنه وارتبط به من أحزاب صغيرة وتكتلات في موقع اليمين. أصوات الناخبين يتسابق الزعماء السياسيون في إسرائيل على الفوز بأصوات الناخبين فيفضلون التزام المنتصف، وفي تلك المساحة الرمادية، يغيب الحديث عن حل الدولتين، أو عن استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، أو الموقف مما يحدث من انتفاضات عربية على مرمى حجر، وبدلا من ذلك يتركز الحديث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في حديث العمل، وعن إيران والاستعداد لضربها اذا اقتربت من حاجز التخصيب للأسلحة النووية في حديث الليكود، وعن الأراضي (الفلسطينية) التي يعلن نفتالي بينيت، القادم الجديد إلى الساحة الإسرائيلية زعيم البيت اليهودي، استعداده المطلق لضم ستين في المئة منها إلى إسرائيل ومنح سكانها الجنسية الإسرائيلية. شخصية كاريزمية ربما تؤكد شخصية هذا القادم الجديد إلى محيط السياسة الإسرائيلية حجم ما تشهده من تغيير يفتح الباب أمام جيل جديد من السياسيين يفضلون ان يولوا وجههم نحو أقصى اليمين. بينيت ، الذي يبلغ من العمر أربعين عاما ، خدم في قوات الكوماندوز الخاصة بالجيش الإسرائيلي، وهو السياسي المفضل للمستوطنين المتشددين، لكن نمط حياته أبعد ما يكون عن نمط المستوطن الذي يتدله بتلال الضفة الغربية، فهو مليونير يعيش في أرقى ضواحي تل ابيب، ابن مهاجرين أمريكيين، امتلك شركة لتكنولوجيا المعلومات قبل أن يدخل عالم السياسة ويصبح مديرا لمكتب رئيس الوزراء زعيم الليكود بنيامين نتنياهو. غموض وتشير التوقعات الأخيرة إلى أن البيت اليهودي قد يحصد 14 مقعدا في الكنيست المؤلفة من 120 مقعدا ليحل ثالثا بعد تحالف الليكود- اسرائيل بيتنا بزعامة نتنياهو ووزير خارجيته المستقيل افيغدور ليبرمان الذي يتوقع ان يحصل على 32 مقعدا والعمل الذي قد يحل ثانيا ويحصد 17 مقعدا. ورغم أن الأصوات المتوقعة للبيت اليهودي قد تكون أساسا من حصة اليمين، فإن موقف الأحزاب اليسارية لا يقل غموضا، فالعمل الذي كان يتبنى التسوية مع الفلسطينيين وحل الدولتين، جمد خطاب السلام، مفضلا التركيز على الشؤون الداخلية ، اذ تحاول زعيمته الصحفية التليفزيونية السابقة شيلي ياكموفيتش ، استهداف الطبقة الوسطى بعد الاحتجاجات التي شهدتها إسرائيل العام الماضي، وعلى خلفية بعض الاحصاءات التي تتحدث عن ان خمس الإسرائيليين يعيشون في حالة فقر. خطاب ياكومفيتش الداخلي يؤلب على الأحزاب الدينية واليهود المتشددين الذين يحصدون المكاسب والعلاوات من الدولة دون تحمل أعبائها. ويحذر من توجه حكومة يمينية جديدة من زيادة الضرائب على الطبقة الوسطى. أزمة اليسار من الصعب تعريف الأزمة التي يتعرض لها اليسار الإسرائيلي بشكل عام، ففي هذه الانتخابات لا يقتصر ضعفه على عدم تبنيه خطاب واضح وتقليدي في السياسة الخارجية أو ضعف حلفائه من الشيوعيين والأحزاب العربية، لكنه يشمل أيضا من زحفوا على مواقعه التقليدية قادمين من اليمين ويمين الوسط. فحزب كاديما الذي يتزعمه شاؤول موفاز والذي تأسس على أيدي آرييل شارون بعد انشقاقه عن الليكود أثر قراره الانسحاب من غزة، هذا الحزب يصنف نفسه وسطي، دون ان يستدعي ميراثه اليميني متطلعا إلى اصوات ناخبي العمل واليسار، والوصف نفسه ينطبق على الحركة االجديدة التي أسستها تسيبي ليفني زعيمة كاديما السابقة باسم هاتنواه ويتوقع حسب استطلاع صحيفة هآرتس اليسارية ان تحصل على ثمانية مقاعد. لكن اليسار أو بالأحرى العلمانيين اليهود يحتفلون بقادم جديد في ساحتهم هو حزب "يئيش اتيد " وتعني "هناك مستقبل"، فهو يسجل تقدما يوازي ما يحققه البيت اليهودي في معسكر اليمين. ورغم دعوة يائير لبيد زعيم الحزب، إلى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين ، فإنه يعارض أي تنازلات في القدس ولا يمانع في الالتحاق بائتلاف يميني يقوده نتنياهو. ويظل الطابع الغالب لديمقراطية اسرائيل اعتمادها على متوالية الائتلافات والتحالفات الحزبية التي قد لا تعمر طويلا والتي تجعل إسرائيل في حراك انتخابي دائم رغم أن حكومة نتنياهو قضت بالفعل ثلاثة ارباع مدتها المقررة.