كشفت كارثة قطار «البدرشين» التى لقى خلالها 19 مجند أمن مركزى مصرعهم، وأصيب 117 آخرون، عن إهمال الحكومة للمنطقة، التى حذر قاطنوها من تكرار الكارثة مرة أخرى، بسبب ما وصفوه بإهمال متعمد من قبل الحكومة، الأمر الذى جعل مستشفى المنطقة يتحول إلى مستنقع للأوبئة بعد أن تركها الأطباء بسبب اختفاء الأدوية والمعدات الطبية. كارثة قطار «البدرشين» كشفت عن معاناة يعيشها أهالى المنطقة التى سقطت من حسابات الأمن، ما دعا الخارجين على القانون يتخذون منها ملاذا آمنا لممارسة أعمالهم فى تجارة المخدرات وبيع الأسلحة، وفرض السيطرة، وذلك بعد أن رفضت قوات الأمن الاستغاثات المتكررة من الأهالى لحمايتهم من سطوة «البلطجية» الذين فرضوا سطوتهم على المنطقة فى أعقاب الثورة، حتى إن فتيات اتخذن من محطة القطار مكانا لعرض بضاعتهن، وسط تخاذل من الحكومة، ما دعا الفقراء من الأهالى الذين اتخذوا من العشش مكانا للمبيت فيه وسط القمامة للقول إن المنطقة أصبحت «أرضا ملعونة لم تستطع الحكومات المتعاقبة دخولها، وإنها أصبحت نقمة على حكومة قنديل»، مؤكدين أن حادث القطار الأخير لن يكون الأخير. روايات «المنسيين» فى أرض الكوراث البدرشين.. مدينة ومركز بمحافظة الجيزة تشتهر بصناعة الأثاث ومصانع الزيوت والصابون، ويعمل أهلها مزارعين فى المقام الأول، غير أن العديد من الأحداث الكبيرة التى شهدتها المنطقة، جعلت القاطنين بها يطلقون عليها «مدينة الكوارث»، بعد أن سقطوا أو أسقطتهم الحكومات المتعاقبة من حساباتها، ما دعا البلطجية لاتخاذ المنطقة وكرا وملاذا آمنا لارتكاب الجرائم، خاصة أن الفترة الماضية شهدت اختفاء الأمن من المنطقة، الأمر الذى كان له تبعات خطيرة جعلت خارجين على القانون يتحكمون فى توزيع أسطوانات البوتاجاز، ما رفع سعرها إلى 40 جنيها، فى المنطقة التى يعيش أغلب قاطنيها تحت خط الفقر، الأهالى أكدوا أن حادث قطار البدرشين الأخير لن يكون آخر الكوارث التى تعيشها المنطقة. قال أحمد سلامة: «أقيم فى المنطقة منذ 30 عاما، وعاصرت عدة حوادث بداية من اصطدام أتوبيس بقطار، وبعدها احتراق عربة القطار التى تسببت فيها سيدة قامت بإشعال موقد غاز فى عربة القطار، الأمر الذى تسبب فى احتراق العربة وإصابة العشرات، وبعدها حادث اصطدام قطار بعربة كارو، وكان الحادث الأخير هو الأصعب فى المنطقة بعد أن لقى أكثر من 19 شخصا مصرعهم، وأصيب 117 آخرون فى الحادث، الأمر الذى وضع البدرشين فى صدارة المشهد الكارثى لمحافظات مصر الكارثية. وأضاف: «الموت عندنا أصبح عادة متكررة، نتوقعها كل يوم بعد أن سقطت المدينة من حسابات الحكومات المتعاقبة، حيث اختفى عنصر الأمن، فأصبحت المنطقة ملاذا آمنا للبلطجية وأصبح ما يحكم المنطقة هو قانون البقاء للأقوى، وانتشرت الأسلحة البيضاء فى يد الجميع، وأصبح المواطنون البسطاء يخشون على حياتهم وحياة أسرهم، لذا فإن الكثيرين انصاعوا لمطالبات خارجين عن القانون بدفع إتاوة شهرية حتى يأمنوا شرهم». مخدرات منطقة الأموات سامح عبدالستار، سائق توتوك، أكد أن معاناة ساكنى البدرشين لا تتوقف على الكوارث التى تشهدها بين الحين والآخر، مضيفا: «اختفاء الرقابة الأمنية عن المنطقة تسبب فى انتشار ظاهرة بيع المخدرات، بعد سيطرة باعة المواد المخدرة على منطقة الأموات (أبوربع)، والتى يتم فيها بيع المواد المخدرة دون خوف من الملاحقات الأمنية، بخلاف انتشار باعة الحشيش والمواد المخدرة على أرصفة محطة القطار»، مشيرا إلى ارتفاع نسبة جرائم القتل فى المنطقة، بعد انتشار البلطجية واستقرار نسبة كبيرة منهم بالبدرشين، وبينهم مسجل خطر يدعى «حسن زرد» الذى ظهر فى أعقاب الثورة، وقام بقتل أكثر من شخص، وأشعل النيران فى البطاطين فى حجرة الحجز، الأمر الذى تسبب فى موت 4 محتجزين- حسب قوله. تقع منطقة «أبوربع» فى المنطقة الموازية لشريط السكة الحديد بمدينة البدرشين، وانتشرت بها عملية تجارة المواد المخدرة عقب اندلاع الثورة واختفاء الأمن عن المنطقة، الأمر الذى دفع عددا من الفتيات للمتاجرة ب«الممنوعات» واتخذن من محطة القطار مكانا لعرض بضاعتهن. مساكن البدرشين مساكن البدرشين.. هى منطقة عشوائية، تنتشر بها القمامة فى كل مكان، بخلاف العشرات من العشش للأهالى الفقراء، أو تحت خط الفقر، الأمر الذى جعل المنطقة مكانا متميزا لارتكاب كل الجرائم والموبقات بعيدا عن أعين الأمن، بما فى ذلك سرقة الآثار، خاصة أن المنطقة تتبع محافظة الجيزة التى يوجد بها إحدى عجائب الدنيا السبع (أهرامات الجيزة). أكد «عبد الستار» أن المنطقة شهدت العديد من الحوادث الخطيرة، كان أشهرها حادثة قرية «سقارة»، حيث اكتشف أحد الأهالى مقبرة أثرية، وعندما علم أهالى البدرشين بذلك، ذهب كل منهم بسلاحه للحصول على نصيبه من الآثار، وحدث ما يشبه المجزرة، أسفرت على موت عدد من المتصارعين على الفوز بآثار المقبرة، قبل أن يقرر «صاحب المقبرة» ردمها، وإغلاق بابها بأعمدة خرسانية حقنا للدماء. عزبة المعهد تشتهر عزبة المعهد بتجار المخدرات، وبائعى الأسلحة والخارجين على القانون، الذين يفرضون سطوتهم على أهالى البدرشين، لإرهابهم والحصول منهم على إتاوات شهرية، بعد أن اتخذوا من القرية ملاذا لارتكاب جرائمهم. قال عماد سالم، عامل بورشة نجارة: «لقى شقيقى مصرعه عقب مطالبته لأحد الأشخاص بمبلغ مالى قام باستدانته منه، الأمر الذى جعله يماطله وفى النهاية تخلص منه»، مضيفا أن الفترة التى أعقبت الثورة شهدت انتشار الجرائم، خاصة عمليات الهجوم على المنازل، ما دفع الأهالى يحتفظون بأسلحة نارية وبيضاء فى منازلهم بعد أن تخلت الحكومة عن دورها فى حماية السكان- حسب قوله. وأكد «سالم» أن حوادث قطارات البدرشين لم تكن وليدة الصدفة ولكن أكثرها ب«فعل فاعل»، مستبعدا أن يتسبب موقد غاز فى إحراق عربة قطار، مضيفا: «بالنسبة للقطار الذى ادعوا اصطدامه بعربة كارو، فهذا ليس حقيقيا فالقطارات وقتها خرجت عن القضبان، وسارت على قضبان خاطئة، أما الحادث الأخير فهناك تعمد واضح للتضحية بالعساكر والمجندين». مستشفى «الهلاك» وشكا «سالم» من إهمال مستشفى البدرشين، الذى لا يوجد به سيارة إسعاف أو مستلزمات طوارئ، وبنج، وتحول لمكان للموت فقط، بعد أن هجره الأطباء والعلاج، ولم تشفع له كثرة الحوادث التى تشهدها المنطقة، الأمر الذى جعل المصابين والمرضى ينتظرون الموت فى أى لحظة، بسبب عدم توفير الرعاية الكاملة- حسب قوله. وانتقد أحمد فراج، محاسب، عدم زيارة الدكتور محمد مصطفى حامد، وزير الصحة والسكان، للمستشفى أثناء تفقده موقع الحادث، واكتفاءه بزيارة معهد ناصر، الأمر الذى يؤكد أن المنطقة بالفعل سقطت من حسابات الحكومة- حسب قوله. وقالت كوثر صلاح، ربة منزل: «إحنا ما نجيش حاجة جنب الغلابة، زمان كان الفقر ملازمنا أما الآن فالفقر والموت يقيمان معنا داخل منازلنا»، مضيفة: «أن صراعات تجار المخدرات تسببت فى وفاة نجلها، لاختلافه مع شريكه على حصيلة إحدى صفقات تجارة الحشيش الذى يباع فى المنطقة فى وضح النهار، بعد اختفاء الأمن من المنطقة». وانتقدت سعاد سليمان، انخفاض قيمة المعاش الخاص بها، مؤكدة أنها تحصل على معاش 160 جنيها رغم أنها تعول 4 أطفال، مؤكدة انتشار الحوادث والمشاجرات بشكل يومى فى المنطقة، الأمر الذى تسبب فى انتشار الأسلحة البيضاء فى يد التلاميذ فى مدارس البدرشين. اختفاء أسطوانات الغاز انتقدت «سعاد» توزيع أسطوانات الغاز فى المنطقة بالكوبونات، مؤكدة أن تطبيق القرار تسبب فى حدوث العديد من المشاجرات التى تسببت فى وفاة نجل خفير قرية سقارة بسبب مشاجرة مع بلطجى أثناء انتظار دوره للحصول على أسطوانة غاز. البدرشين.. مدينة الخطر البدرشين، أقدم العواصم المصرية، وقد عرفت منذ 5 آلاف عام، حيث أقام فيها الملك «مينا» عاصمته الأولى «منف» بعد أن وحد القطر الشمالى مع القطر الجنوبى، وزالت القصور وتحولت عنها الأنظار، ثم رجعت مرة أخرى إلى دائرة الضوء، المدينة التى يعمل سكانها بالزراعة وصناعة الأثات تحولت فى الآونة الأخيرة من «أرض زراعية» إلى منطقة منكوبة. ظهرت البدرشين على الساحة الإعلامية فى انتخابات 2010؛ بعدما شن المستشار وليد الشافعى، عضو اللجنة العامة لدائرة البدرشين، هجوما على رئيس مباحث المدينة، بعدما اتهم وقتها المستشار وليد، ضابط المباحث أحمد مبروك، بمنعه من أداء عمله والمساعدة فى التزوير والتسويد واحتجاز عضو هيئة قضائية، الأمر الذى دفع النائب العام فى ذلك الحين إلى إحالة الضابط إلى محاكمة عاجلة، تسببت فى وقفه عن العمل ونقله من الدائرة. قطار وعربة كارو: فى أكتوبر 2011 عادت المدينة «المنسية» مرة أخرى إلى الأضواء فى حادث اصطدام «عربة كارو» بالقطار «91» القادم من مدينة سوهاج، باتجاه القاهرة وفوجئ بعربة كارو تسير على قضبان الحديد بقرية المرازيق بمركز البدرشين، مما تسبب فى خروج عجلات جرار القطار بالكامل عن القضبان وسقوط عدد من الضحايا وتم حبس عامل المزلقان والإفراج عنه بسبب عدم ثبوت أدلة عليه. وفى فبراير 2002 أدى حريق اندلع فى قطار بالقرب من البدرشين إلى مقتل 370 شخصا وإصابة 14 آخرين. فتنة طائفية تجمع قرابة الألف مواطن من المسلمين أمام منازل الأقباط وحاولوا اقتحامها وأشعلوا النيران فى عدد منها، كما اندلعت مشاجرة بالمولوتوف بين المسلمين والأقباط فى البدرشين جنوبالجيزة بسبب مشادات كلامية بين شاب مسلم ومكوجى قبطى بسبب حرق الأخير قميص الأول أثناء كيه، وأسفرت المواجهات عن إصابة مواطن واحتراق عدد من المنازل بعدما تجمع قرابة ألف مواطن مسلم أمام منازل الأقباط وحاولوا اقتحامها وأشعلوا النيران فى عدد منها، فيما فرضت قوات الأمن كردونا أمنيا بين الطرفين فى قرية «دهشور» وعززت من الخدمات الأمنية أمام كنيسة مارى جرجس، تخوفا من اقتحامها. قطار الموت «المجندين» حلت مصائب العام الجديد على مدينة البدرشين؛ فقد لقى أكثر من 19 شخصا مصرعهم وأصيب 117 آخرون فى حادث قطار، الأمر الذى دفع بالمدينة إلى صدارة المشهد مرة أخرى، ورغم ذلك يرى د. على عبدالرحمن، محافظ الجيزة: «التخطيط جيد والحوادث اللى فيها قليلة وعشان كده مش بتظهر على الإعلام». مشيرا إلى أن المدينة ليست على المستوى فى الوقت الحالى كونها من أقدم المدن المصرية، مؤكدا أن أعمال التطوير ستجرى فيها على قدم وساق: «البدرشين خدت أكبر دعم لرصف الطرق بحوالى 18 مليون جنيه، وفيه مدارس جديدة بتتبنى وإنارة للشوارع ورفع كفاءة الطرق، يعنى المدينة مش منسية وإن شاء الله هترجع لصدارة المشهد فى الخير.