فوجئت أمس بالراقصة اللولبية وصاحبة الصدر الأعظم فى كل العصور، ومالكة ساقى الغزلان، وصاحبة المؤخرات الهيفاء «شوشو سوست»، تلك التى أسكرت الكثيرين بوسطها وأقلقت أحجار الهرم الأكبر بهزاتها، تتصل بى وهى تبكى وتولول، وقالت لى: الحقنى، شفلى حل، كار العوالم هايروح فى داهية، مهنة الرقص الشرقى ستنقرض. لم أستطع أن أستوعب، ذهبت لمنزلها، وما كدت أجلس أمامها حتى وجدتها ترفع يدها وتدعو على اللى ما يتسموش قطاعين الأرزاق، كنت خلال ذلك أطل على الحائط المقابل لى، حائط بطولات وإنجازات الست «شوشو سوست»، يسرد تاريخها العظيم والعريض، ممتد بطول وعرض شارع الهرم ذلك الذى كان اسمها فيه مثل الجنيه المصرى أيام مجده، صور لرقصاتها فى جميع الملاهى، بأحدث بذلات الرقص، صورها وهى تتسلم شهادة الدكتوراه فى الرقص الشرقى من جامعة كامبردج، صورة لها وهى تفتح دورة الرقص الشرقى الأولمبية بطوكيو، وصور أخرى فى بلدان عربية وإفريقية وأوروبية وغربية حيث كانت تمثل مصر، صورها فى بعض الأفلام والمسلسلات التليفزيونية الشهيرة، وصورة أخيرة لها وهى تحج بيت الله. عندما انتهت السيدة «شوشو سوست» من دعائها، التفتت لى وقالت: جماعة الزعيم تحاربنا فى لقمة عشنا، أجبت عليها: إنهم يحاربون كل الناس فى لقمة عيشهم، قالت: لا.. إحنا أكتر، عمالين يشتروا فى كازينوهات وصالات شارع الهرم، لازم تصعّدوا الموضوع، خدوا بالكم، كار العوالم أول الضحايا، أنا من بكرة الصبحية، هلم كل العوالم والصبيان ورايحين على مجلس الشعب، لازم يشوفولنا حل فى الموضوع ده. لم أستطع أن أتصور كيف يكون المنظر أمام مجلس الشعب وأمامه تقف السيدة «شوشو سوست» وزميلاتها ببدل الرقص، سيكون حدث الموسم وفضيحة بجلاجل، قطع تصورى حرقة بكائها، ثم أكملت: المصيبة أنهم اشتروا أكثر من كازينو فى شارع الهرم، تخفت عنه الأضواء الآن، فمعظم ما تم شراؤه يتحول بقدرة قادر إلى مول تجارى أو سوبر ماركت أو معرض سيارات، والخوف كل الخوف أن يمتد هذا الطوفان والطغيان إلى أن يصل إلى أبى الهول والأهرامات. فكرت، ماذا يحدث وقد خرجت فى الآونة الأخيرة الفتاوى بهدم الهرم، وعدت للسيدة «شوشو سوست»، قلت لها بحسن نية: طب والنقابة، أجابت: العوالم مالهمش نقابة تحميهم ولا تدافع عنهم، والله ده إحنا غلابة، ونشف ريقنا مع نقابة المهن التمثيلية والموسيقية إنهم يخدونا تحت أى بند وماحصلش، فى النهاية قلت لها: أمامك يا ست شوشو ثلاثة حلول، أولا: أن تعتزلى الرقص وربنا يعوض علينا فى فنك، وثانيا: أن تكتبى مذكراتك كى تكون شاهدا على تاريخك وتاريخ الوطن، قالت لى: طب وباقى العوالم فى الكار، قلت لها: يمكن أن يحولن بعضهن إلى ستات تشوف الأتر ومكشوف عنها الحجاب بصفتها تابت وعادت إلى الله، وهذا سوف يفتح لهن بابا للرزق، وشوية بخور وشوية دروشة والمسائل تمشى، قالت: طب والباقى؟ قلت: والله لو اشتروا ميكروباصات ولا تكاتك دى مشروعات مربحة جداً الآن، وفى النهاية نظرت لى الست «شوشو سوست» وكان يبدو أن كلامى مقنع لها، قالت لى: ماشى، طب واسم المذكرات: فكرت لحظات، وتجولت بعينى على صورها ثم قلت: «انقراض راقصة».