المسودة الأولية الصادرة عن اللجنة التأسيسية للدستور حملت العديد من المخاوف ربما بشكل أكبر لمقدمى برامج «التوك شو»، التى تعتبر حرية التعبير مصدر قوتها واستمرارها، إلا أن مواد مسودة الدستور التى تناولت الحريات لم تكن كافية لأن تسود الطمأنينة لدى مقدمى التوك شو، خصوصا أن حرية التعبير لم ترد إلا بشكل روتينى ومجرد فى «المادة 39» والتى تنص على «حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن فكره أو رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير». وهو ما يتشابه بشكل كبير مع «دستور 1971»، كما تنص «المادة 41» من مسودة الدستور على أن حرية الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق وتداولها، أيا كان مصدرها ومكانها، حق مكفول للمواطنين، وتلتزم الدولة بتمكينهم من مباشرة هذا الحق دون معوقات والإفصاح عن المعلومات، بما لا يتعارض مع الأمن القومى، أو ينتهك حرمة الحياة الخاصة، وكلمة «الأمن القومى» هنا تحتمل الكثير من التفسيرات، والعبارات التى تفتح الباب أمام تضييق الخناق على الإعلاميين وهى دائما ما تثير المخاوف، خصوصا أن موجة التحقيق بتهمة إهانة القضاء والتى تركت تأثيرا سلبيا على الكثير من الإعلاميين جاءت بطريقة مشابهة، بما يشير إلى استمرار الإعلاميين تحت طائلة القانون حال اقترابهم من أى محظورات... «الصباح» استطلعت آراء مجموعة من مقدمى التوك شو فى هذا التحقيق...
فى البداية يقول تامر أمين، الإعلامى، إن اللجنة التأسيسية للدستور حاولت التحايل على عدم مشاركة الإعلاميين باللجنة من خلال عقد اجتماع لمشاورتهم حول نصوص الإعلام فى الدستور، الأمر الذى لم يسفر عن أى نتائج فعالة وإيجابية عن هذا الاجتماع، مما يؤكد أنه مجرد صورة شكلية للخروج من مأزق تجاهلهم للإعلاميين فى المشاركة بالتأسيسية، حيث كانت آراؤهم تشاورية فقط، مشيرا إلى أنه تلقى دعوة للحضور بهذا الاجتماع، لكنه رفض الحضور.
ويؤكد «أمين» أن كل الإعلاميين متخوفون من وضع الدستور على هذا النهج لما تحويه المسودة من عبارات مطاطة تحمل الكثير من المعانى تجاه حرية الإعلام والإعلاميين ولا تضمن الحماية الكافية لهم ولا تمثل صمام الأمان للعمل الإعلامى بشكل حاسم ومنصوص عليه.
وأضاف «أمين»: إنه لم يعد من المدهش إقصاء الإعلاميين من لجنة وضع الدستور، ذلك لأنه من المتعارف عليه أن أى نظام حاكم من مصلحته عدم إعطاء الفرصة الكاملة للإعلام والإعلاميين، ولكنهم يحاولون دائما تدجينه وتكسير أظافره.
أما الإعلامية لبنى عسل مقدمة برنامج «الحياة اليوم» على قناة «الحياة» فأعربت عن استيائها من خلو المسودة لمواد خاصة بحرية الإعلام ووضع ضمانات لها، وقالت: كان من الأفضل أن يكون واضعو الدستور من خبراء القانون وليس من الشخصيات العامة التى لها توجهات سياسية حتى نخرج من هذه الورطة.
من جانبها أكدت الإعلامية رولا خرسا، مقدمة برنامج «البلد اليوم» على قناة «صدى البلد»، عدم اقتناعها بالمسودة الأولى للدستور، واعتبرتها مجرد مقترح وتشكيل اللجنة التأسيسية للدستور سيئ من البداية ومحاولة فاشلة لإرضاء القوى السياسية على حساب مصلحة الشعب باختيار الشخصيات العامة وتجاهل فقهاء القانون ومتخصصى الدساتير أمثال إبراهيم درويش وأحمد كمال أبوالمجد وغيرهما من فقهاء القانون، كما أشارت «رولا» إلى أن هناك الكثير من الملفات المهمة تم تجاهلها وليست حرية الإعلام فقط، وأنا فى النهاية لست مقتنعة باللجنة التأسيسية للدستور.
فيما أكدت الإعلامية ريهام السهلى، مقدمة برنامج «90 دقيقة» على قناة «المحور»، ضرورة مشاركة خبراء وأساتذة الإعلام لوضع مواد خاصة بحرية الإعلام لحماية الإعلاميين، وأشارت «السهلى» إلى أن مشاركة خبراء وأساتذة الإعلام أهم من الإعلاميين، لأنهم على دراية تامة بقوانين حرية الإعلام ووضع ضمانات للإعلام الخاص.
من جهتها قالت منى الحسينى فى تصريح خاص ل«الصباح»: «طظ فى الفضائيات لو لم تكن هناك حرية للإعلام»، ووجهت دعوتها إلى جميع الإعلاميين والصحفيين للاعتصام أمام قصر «الاتحادية»، إذا لم يتطرق القائمون على اللجنة التأسيسية للدستور لوضع مواد صريحة تخص حرية الإعلام وفى حالة وقوع خطأ من أى إعلامى تكون هناك محاسبة بالقانون. وعن رأيها فى المسودة الأولى للدستور أكدت «الحسينى» أن هذا دور الأحزاب والقوى السياسية بالمشاركة فى وضع الدستور وعدم السماح لتيار واحد بالانفراد بالدستور الذى سيحكم مصر «50» عاما حتى لا نندم على اللبن المسكوب.
وعن عدم وجود ممثلين عن الإعلام فى لجنة إعداد الدستور، أكدت أن القائمين على اللجنة لن يسمحوا لإعلامى كان يهاجم «الإخوان» بالمشاركة فى الدستور ولن يكون هناك مكان إلا لمن ساندوا الرئيس «مرسى» أثناء الانتخابات الرئاسية وهم معروفون للجميع.
ويختلف الإعلامى محمود الوروارى فى الرأى، حيث يرى أن مسودة الدستور مرضية بالنسبة لحرية الإعلاميين إلى حد ما، ونحن نسعى إلى توسيع حرية الإعلاميين بشكل أكبر، بالإضافة إلى أن يكون هناك تنفيذ حقيقى لهذه الرؤى، ولكن الخوف من استخدام عبارات واسعة التفسير مثل «بما يخالف شرع الله»، اما «المادة 66» الخاصة بحقوق المرأة ختمت بجملة «بما لايخالف شرع الله» كعمر الزواج، وهذه الجملة تفتح الباب للأقاويل، وأكد «الوراورى» أنه يخشى من تقييد حرية الإعلام بجملة «بما لا يخالف شرع الله».
من جهته قال على عبدالرحمن، رئيس قطاع القنوات المتخصصة، إن مسودة الدستور لا تتضمن مواد تضمن حرية الإعلام بصورة دقيقة وكل ما يقال فقط هو مصطلح «حرية الإعلام»، وأنا شخصيا أعتبره لفظا فضفاضا لا يؤدى للغرض الحقيقى والمرجو فى الدستور الجديد، ويجب وضع مواد ملزمة وتنص على ضمان الحرية والفصل بين الملكية والإدارة، كما يجب وضع مادة تنص على اختيار الكوادر الحقيقية لقيادة الإعلام، خصوصا أن من يضع مواد الدستور حاليا ليس لهم أى علاقة بالإعلام وغير متخصصين، وأضاف رئيس قطاع المتخصصة إن كل الدساتير السابقة شملت مصطلح حرية الإعلام دون وضع قواعد وضوابط حقيقية.
أما الإعلامى أسامة كمال، مقدم برنامج «نادى العاصمة» على القناة الفضائية المصرية، قال: إن الجزء المتعلق بالإعلام فى مسودة الدستور لا يكفل الحريات ولا يضمن حرية الصحفى أو الإعلامى الشريف، مؤكدا وجود عقوبات لا يصح أن توجد فى دولة قامت بثورة، ومن المفترض أن تكفل الحريات للجميع، وأضاف: هذه المسودة مقيدة للحريات ولا تتيح للإعلامى الشريف الحر أن يمارس عمله وتفتح الباب للابتزاز من الجهات الأمنية، ومن الممكن أن يتم حبس أى إعلامى يناقش قضية خطيرة ومؤثرة طبقا لمسودة الدستور الجديد فى «المادة 43» المتعلقة بالأمن القومى، وطالب «كمال» من اللجنة التأسيسية الأخذ بالمقترحات التى قدمها عدد من الإعلاميين.
أما الإعلامية عزة مصطفى فأوضحت أن الجزء المتعلق بالإعلام لم ينص صراحة على منع حبس الإعلاميين أو إغلاق القنوات وهو أمر مقلق، كما انتقدت «عزة» جملة «طبقا لقيم ومبادئ المجتمع»، مؤكدة أن هذه الجملة توحى بسوء النية وبها خلاف شديد وتشير إلى إمكانية استخدامها للهجوم على الإعلاميين، لأن كل شخص لديه قناعات مختلفة حول المبادئ والقيم، ومن الممكن استغلال تلك الأفكار من قبل فئة بعينها، وأضافت إن المسودة مماثلة للقوانين السابقة، التى قيدت الحريات لسنوات طويلة مع تغيير المصطلحات فقط.
قال أسامة منير: للأسف «الدستور» يتم طبخه، والإخوان قاموا بإقصاء ممثلين للكثير من طوائف الشعب وليس فقط الإعلاميين، وكتبوا على المطبخ «ممنوع الدخول لغير العاملين»، وأعرب منير عن استيائه البالغ لاختيار بعض الإعلاميين للتمثيل فى مؤسسة الرئاسة ومعروف عنهم ولاؤهم السابق للنظام والحزب الوطنى المنحل، وعن مواد الإعلام فى المسودة الدستورية.. قال منير: أنا لم أقرأها، لأنها لا تمثل الإعلاميين والإعلام وجميع العاملين فى المنظومة الإعلامية تبرءوا منها تماما لما تحويه من قصور ولعدم تمثيلهم فى اللجنة من الأساس، وأضاف «منير» إن نصوص الإعلام فى مسودة الدستور جاءت معبرة عمن كتبوها وليست معبرة عمن كتبت عنهم وهم العاملون بالحقل الإعلامى.
قالت إيناس عبدالله: إن عدم تمثيل الإعلام الرسمى فى اللجنة التأسيسية للدستور يعد عوارا تاريخيا لن يغفره الإعلام، مشيرة إلى ضرورة تمثيل الإعلاميين باللجنة، وهذا التمثيل يعد إضافة للجنة ولاينتقص منها، مؤكدة ضرورة نص الدستور على وضع ميثاق شرف للعمل الإعلامى ينص على حرية الإعلام وكذلك وضع ضوابط معينة لهذه الحرية.
وأشارت «عبدالله» إلى أن وجود ممثلين من الإعلام الرسمى باللجنة سيكون ضمانة لوضع نصوص تكفل وتضمن تقديم إعلام حيادى وموضوعى، وهذا يعد ضمانة للإخوان أيضا لخلق إعلام يتناول الحزب الحاكم بموضوعية دون مهاجمة أو مهادنة، وذلك يكون من خلال وضع ضوابط لهذا الإعلام لتحديد مسئولية جميع الأطراف.