عيار 21 يفاجئ الجميع.. انخفاض كبير في أسعار الذهب والسبائك اليوم الخميس بالصاغة    نجاة مسؤول أمني ليبي من محاولة اغتيال في طرابلس    نجاة مسؤول أمني ليبي من محاولة اغتيال في طرابلس    "مبابي يعادل صلاح".. ترتيب قائمة المرشحين لحصد الحذاء الذهبي الأوروبي    "فوز الريال وهزيمة ميلان".. نتائج مباريات أمس الأربعاء    جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    حريق يلتهم مصنعا للبلاستيك بأكتوبر    امتحانات الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2025 بالشرقية.. مواعيد المواد الأساسية وغير المضافة للمجموع    ضبط المتهم بدهس بطل مصر وأفريقيا في كمال الأجسام بالتجمع    حريق هائل بكورنيش الملك الصالح بالقاهرة|صور    من البيت.. طريقة استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (الرسوم والأوراق المطلوبة)    الصفقة التي فجّرت الخلاف.. كواليس صدام حسام غالي مع كولر قبل رحيله من الأهلي    وزير الخارجية: الرئيس السيسي يقود جهودًا دبلوماسية لوقف العدوان على غزة وإيصال المساعدات    حار والعظمى في القاهرة 30.. حالة الطقس اليوم    «5 استراحة».. اعثر على القلب في 5 ثوانٍ    سجل اسمه رسميا مع مايكل جاكسون وبيبر، الشامي يدخل التاريخ بإنجاز غير مسبوق بأغنية "وين"    فيفي عبده تشعل السوشيال بفيديو غامض: «ابعتهاله» (فيديو)    موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    فلسطين.. 5 شهداء بقصف إسرائيلي على منزل في جباليا شمال غزة    بالأسماء.. إصابة 4 أشخاص فى حادث سيارة ميكروباص بالطريق الزراعى بأسوان    سالي عبد السلام ترد على منتقديها: «خلينا نشد بعض على الطاعة والناس غاوية جلد الذات»    قبل موعد اتحاد الكرة بيومين.. الرابطة تدعو الأندية لاجتماع من أجل مناقشة شكل الدوري    منتخب مصر يتصدر جدول ميداليات بطولة إفريقيا للمضمار ب30 ميدالية    خالد بيبو: حمزة علاء تهرب من تجديد عقده مع الأهلي    كيف قضى قانون الجديد العمل على استغلال الأطفال وظيفيًا؟    عدد أيام إجازات المرأة وفقًا لقانون العمل الجديد    تحركات برلمانية لفك حصار الأزمات عن أسوان ومستشفيات الجامعة    ترامب ل أمير قطر: لدينا أفضل المعدات العسكرية وأنتم تشترون الكثير منها    رئيس الوزراء القطري: إسرائيل غير مهتمة بالتفاوض على وقف إطلاق النار في غزة    ترامب: لا أرغب في أن تأخذ المحادثات النووية مع إيران مسارًا عنيفًا    مصرع رجل وزوجته في حادث تصادم سيارتين أجرة ونقل على طريق طنطا- كفرالشيخ    التزموا منازلكم، تشكيل غرفة عمليات بالخارجية لمتابعة التطورات في ليبيا    البرلمان ينتصر للفلاح.. ضخ مليارات لإنقاذ الزراعة وسداد مستحقات مزارعي القطن    بعد انخفاضه رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 15 مايو 2025    محافظ البحيرة توجه بركوب ذوي الهمم بالمجان في أتوبيسات النقل العام    العقرب «محامي شاطر» والجوزاء «علاقات عامة».. المهنة المناسبة لشخصيتك حسب برجك الفلكي    "أول واحدة آمنت بيا".. محمد رمضان يكشف أهم مكالمة هاتفية في حياته    تبرعت بمنزلها لتحفيظ كتاب الله بالمجان.. وفاة الشيخة «محاسن» أقدم محفظة قرآن بالمنيا    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي 2025 بمحافظة الإسماعيلية (رسميًا)    وصول حسام البدري والفوج الأول من الرياضيين المصريين إلى القاهرة    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    الكويت: سرطان القولون يحتل المركز الأول بين الرجال والثاني بين الإناث    وكيل صحة الدقهلية يشيد بجهود الآطقم الطبية والإدارية في شربين    ضمن مبادرة الأمراض المزمنة .. "الصحة" تقدم نصائح لمرضى ضغط الدم لتجنب مضاعفاته    ريهام عبد الحكيم تأسر قلوب الحضور فى دار الأوبرا بروائع أم كلثوم    الخارجية الأمريكية: ترامب يريد تحسن الوضع الإنسانى المتفاقم فى قطاع غزة    توسعات ل«إيجاس وهاربور إنرجي» في استكشاف الغاز ب«حقل دسوق»    «شراقي» يُحذر من انفجارات شمسية قوية تصل حرارتها إلى الأرض خلال ال 48 ساعة القادمة    أخبار × 24 ساعة.. مجلس الوزراء: رسوم عبور قناة السويس تُحصل بالعملات الأجنبية    وكيل تموين الإسماعيلية تتفقد صوامع القمح بالقنطرة شرق    محافظ الدقهلية: لن أترك ملفا دون حل وأؤمن بأن الإعلام شريك أساسى فى خدمة المواطن    الرئيس يتابع تنفيذ المشروع القومي لبناء الإنسان    ب«3 دعامات».. إنقاذ مريض مصاب بجلطة متكاملة بالشريان التاجى في مستشفى شرق المدينة بالإسكندرية (صور)    «الرقابة الصحية» تشارك بالنسخة الأولى من المعرض العربي للاستدامة    أمين الفتوى يحذر من استخدام المياه في التحديات على السوشيال ميديا: إسراف وتبذير غير جائز شرعًا    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية العامة الفصل الدراسي الثاني 2024-2025 في البحيرة    دار الإفتاء توضح الأدعية المشروعة عند وقوع الزلازل.. تعرف عليها    براتب 7 آلاف ريال .. وظيفة مندوب مبيعات بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العائدون من الموت مجموعة من الحوارات تكشف أسرار احتلال الحرم المكي وخبايا الجماعات الجهادية
نشر في الصباح يوم 30 - 10 - 2012

خلال ‬الأسبوع ‬الماضى ‬وعقب ‬القبض ‬على ‬الخلية ‬متعددة ‬الجنسيات ‬على ‬ذمة ‬قضية ‬تفجيرات ‬مدينة ‬نصر ‬التى ‬انفردت ‬‮«‬الصباح‮»‬ ‬بها ‬منذ ‬يومها ‬الأول ‬والمصريون ‬وغيرهم ‬يريدون ‬معرفة ‬كيف ‬يفكر ‬هؤلاء ‬وعلاقتهم ‬بالقاعدة ‬أو ‬أى ‬تنظيمات ‬أخرى ‬تحمل ‬ذات ‬التفكير؟
‮«‬الصباح‮»‬ ‬ولصفحات ‬قادمة ‬تنشر ‬حوارات ‬تفصيلية ‬مع ‬عدد ‬كبير ‬من ‬هؤلاء ‬العائدين ‬من ‬جبال ‬الموت ‬فى ‬أفغانستان ‬وألبانيا ‬وغيرهما.. ‬من ‬المنتمين ‬للقاعدة ‬وممن ‬خرجوا ‬على ‬أفكارها ‬ويكشف ‬بعضهم ‬تفاصيل ‬مذهلة ‬عن ‬عمليات ‬لم ‬تكشف ‬بعض ‬الدول ‬التى ‬حصلت ‬تلك ‬العمليات ‬الإرهابية ‬على ‬أرضها ‬عنها ‬من ‬قبل.. ‬مثل ‬عملية ‬احتلال ‬الحرم ‬المكى ‬التى ‬أسدلت ‬السلطات ‬السعودية ‬الستار ‬عنها ‬طيلة ‬ربع ‬قرن.. ‬التفاصيل ‬مذهلة.. ‬والقادم ‬أكثر ‬رعبا.. ‬تابعونا.‬
ليس ‬سهلا ‬أن ‬يقتنع ‬أحد ‬العائدين ‬من ‬أفغانستان ‬بالكشف ‬عن ‬أسرار ‬الكهوف ‬المظلمة ‬هناك، ‬وليس ‬سهلاً ‬أن ‬يتحدث ‬‮«‬مجاهد ‬سابق‮»‬ ‬عن ‬رحلة ‬الخروج ‬على ‬الوطن، ‬و ‬تجنيده ‬بالمملكة ‬العربية ‬السعودية، ‬أو ‬عن ‬مصادر ‬تمويل ‬‮«‬المجاهدين‮»‬ ‬وما ‬إلى ‬ذلك ‬من ‬أسرار، ‬بعضها ‬تم ‬الكشف ‬عنه، ‬وبعضها ‬الآخر ‬سيظل ‬غامضا، ‬ويدعو ‬إلى ‬الاهتمام ‬والتأمل ‬والتفكير.‬
محاولات ‬دؤوبة ‬ومفاوضات ‬شاقة، ‬أجراها ‬محرر ‬‮«‬الصباح‮»‬ ‬ليقنع ‬الشيخ ‬محمد ‬أبوغريبة، ‬عضو ‬الجماعة ‬الإسلامية، ‬صاحب ‬التجربة ‬‮«‬الكبرى‮»‬ ‬فى ‬الجهاد ‬ضد ‬الشيوعية ‬– ‬حسب ‬تعبيره - ‬لمدة ‬ست ‬سنوات ‬بأفغانستان، ‬ثم ‬خروجه ‬منها، ‬بعد ‬دخول ‬الأفغان ‬كابول، ‬متوجهاً ‬إلى ‬ألبانيا ‬ثم ‬مقدونيا ‬فألمانيا ‬ومنها ‬إلى ‬أيرلندا، ‬حتى ‬عاد ‬إلى ‬مصر، ‬ليسجن ‬لمدة ‬4 ‬أشهر، ‬قبل ‬تحويله ‬من ‬القضاء ‬العسكرى ‬إلى ‬المدنى.‬
وبعد ‬أن ‬اقتنع ‬بالحديث، ‬ووافق ‬على ‬اللقاء، ‬كان ‬لابد ‬من ‬الخضوع ‬لإجراءات ‬أمنية ‬صارمة، ‬قبل ‬اللقاء ‬فى ‬فيلا ‬فارهة ‬بمنطقة ‬العجمى ‬بالإسكندرية.‬
لم ‬يكن ‬مسموحاً ‬مقابلة ‬الشيخ ‬مباشرةً، ‬أو ‬معرفة ‬عنوانه، ‬ولابد ‬من ‬الالتزام ‬باللقاء ‬مع ‬بعض ‬‮«‬مساعديه‮»‬ ‬بمحطة ‬الرمل، ‬لنستقل ‬سيارة ‬مع ‬شخصين ‬ملتحيين، ‬لم ‬يتحدثا ‬إلا ‬بكلمات ‬محسوبة : ‬‮«‬تفضل.. ‬الشيخ ‬بانتظارك‮»‬.‬ صالة ‬متوسطة ‬المساحة، ‬على ‬جدرانها ‬آيات ‬قرآنية، ‬والشيخ ‬يقعد ‬فى ‬ركنها ‬الأيمن، ‬على ‬كرسى ‬داكن، ‬وبين ‬يديه ‬مسبحة ‬خضراء، ‬وبعد ‬احتساء ‬اليانسون، ‬بدأ ‬الحوار ‬من ‬سؤال ‬ضرورى : ‬لماذا ‬كل ‬هذه ‬الإجراءات ‬الأمنية؟
قال ‬الشيخ: ‬منذ ‬خمسة ‬وعشرين ‬عاماً ‬أعيش ‬فى ‬خطر، ‬ومطارد ‬من ‬أجهزة ‬أمنية ‬لا ‬ترحم، ‬لهذا ‬لابد ‬أن ‬تكون ‬حذراً، ‬لأنك ‬لا ‬تعرف ‬من ‬أين ‬ستأتيك ‬الطعنة؟
العيش ‬على ‬خط ‬النار، ‬يجعل ‬الإنسان ‬أكثر ‬ميلاً ‬إلى ‬الشك.. ‬وهذا ‬أمر ‬طبيعى.‬
رأيت ‬أهوالاً، ‬وواجهت ‬الموت ‬مرات ‬ومرات، ‬وشاهدت ‬زملائى ‬فى ‬أفغانستان ‬أشلاء، ‬من ‬قصف ‬طائرات ‬الاتحاد ‬السوفيتى. ‬كنت ‬قبل ‬هذه ‬التجربة ‬المريرة، ‬موظفا ‬بسيطا ‬فى ‬جمارك ‬الإسكندرية، ‬أمارس ‬عملى ‬بأمانة، ‬وأؤدى ‬الصلاة، ‬لم ‬أكن ‬ملتحياً ‬ولم ‬أنتم ‬لأى ‬جماعة ‬من ‬الجماعات.‬
خرجت ‬من ‬السجن ‬منذ ‬وقت ‬قصير، ‬بضعة ‬أسابيع ‬لا ‬أكثر، ‬واعتقلت ‬بمجرد ‬عودتى ‬إلى ‬مصر ‬فى ‬سجن ‬العقرب ‬لمدة ‬أربعة ‬أشهر، ‬حتى ‬قرر ‬القضاء ‬العسكرى ‬إحالتى ‬مع ‬غيرى ‬من ‬المعتقلين ‬إلى ‬القضاء ‬المدنى ‬الطبيعى.‬
ويضيف: ‬بعد ‬سنوات ‬من ‬الغربة، ‬وعندما ‬أطلقت ‬الجماعة ‬مبادرة ‬نبذ ‬العنف، ‬أرسلت ‬أولادى ‬إلى ‬وطنهم، ‬لكنى ‬لم ‬أرجع ‬خوفاً ‬من ‬حكم ‬أصدره ‬القضاء ‬العسكرى ‬بسجنى ‬15 ‬عاماً.. ‬كان ‬الحكم ‬كابوساً ‬يطاردنى ‬صاحياً ‬ونائماً، ‬وكانت ‬لى ‬تجربة ‬سيئة ‬سابقة ‬فى ‬السجون ‬المصرية، ‬حتى ‬اندلعت ‬ثورة ‬يناير.. ‬وسقط ‬النظام ‬السابق، ‬فرجعت ‬إلى ‬مصر، ‬ودخلت ‬المعتقل ‬أربعة ‬أشهر، ‬التقيت ‬خلالها ‬بعدد ‬من ‬رفاق ‬أفغانستان، ‬وقيل ‬لنا ‬إن ‬البرلمان ‬الذى ‬استحوذ ‬الإخوان ‬على ‬أغلبيته، ‬سيصدر ‬قانوناً ‬للعفو ‬عنا، ‬ثم ‬تم ‬حل ‬البرلمان، ‬فأصبح ‬الأمل ‬معقوداً ‬على ‬أن ‬يصل ‬الدكتور ‬مرسى ‬إلى ‬الحكم.‬
صحيح ‬أن ‬رموز ‬الجماعة ‬الإسلامية، ‬خارج ‬السجن، ‬أعلنت ‬دعمها ‬للدكتور ‬عبدالمنعم ‬أبوالفتوح، ‬لكننا ‬فى ‬السجن ‬رأينا ‬أنه ‬لن ‬يتمكن ‬من ‬‮«‬نصرة ‬الإسلام‮»‬ ‬لأنه ‬منشق ‬عن ‬الإخوان، ‬وبدون ‬فصيل ‬قوى ‬يحتمى ‬به، ‬مما ‬سيدفعه ‬إلى ‬عمل ‬تحالفات ‬ربما ‬تجعل ‬قراره ‬غير ‬مستقل.‬
كنا ‬نصلى ‬فى ‬السجن، ‬وندعو ‬لمحمد ‬مرسى، ‬ونؤمن ‬بأنه ‬سيفرج ‬عنا، ‬لأنه ‬‮«‬سجين ‬سابق‮»‬ ‬ذاق ‬الويلات ‬مثلنا، ‬لكننا ‬فوجئنا ‬به ‬يفرج ‬عن ‬الذين ‬انتهت ‬مدد ‬سجنهم، ‬ويأمر ‬بتشكيل ‬لجنة ‬لدراسة ‬الحالات ‬الأخرى، ‬كل ‬حالة ‬على ‬حدة.‬
القرار ‬أصابنا ‬بالإحباط، ‬لأن ‬اللجنة ‬كانت ‬تضم ‬قيادات ‬أمنية ‬تكرهنا ‬ولا ‬يمكن ‬أن ‬توافق ‬على ‬الإفراج ‬عنا، ‬لكن ‬القضاء ‬العسكرى ‬قرر ‬تحويلنا ‬إلى ‬القضاء ‬المدنى، ‬وتم ‬الإفراج ‬عنا ‬من ‬حينها.‬
ويضيف ‬قائلا: ‬لا ‬أريد ‬أن ‬ألوم ‬الدكتور ‬مرسى، ‬فهو ‬نظراً ‬لانتمائه ‬لجماعة ‬الإخوان، ‬يحسن ‬عمل ‬التوازنات، ‬لكنى ‬على ‬ثقة ‬بأنه ‬سيصلح ‬أمر ‬الدين، ‬وستقام ‬دولة ‬الخلافة ‬الإسلامية ‬على ‬يديه.‬
بداية ‬الرحلة
تلك ‬نهاية ‬الرحلة، ‬أما ‬بدايتها ‬فقد ‬انطلقت ‬بعد ‬تخرجى ‬فى ‬كلية ‬التجارة ‬سنة ‬1981، ‬حين ‬التحقت ‬بالجيش ‬لتأدية ‬الخدمة ‬العسكرية، ‬وخلال ‬هذه ‬الفترة، ‬تعرفت ‬على ‬مجند، ‬ينتمى ‬سرياً ‬لجماعة ‬التبليغ ‬والدعوة، ‬فأخذ ‬يدعونى ‬إلى ‬الالتزام، ‬وأنا ‬أحاول ‬التهرب ‬منه، ‬غير ‬أنه ‬لم ‬ييأس، ‬حتى ‬أقنعنى ‬بعد ‬انتهاء ‬التجنيد، ‬بإطلاق ‬لحيتى، ‬وكانت ‬الخطوة ‬الأولى ‬نحو ‬أفغانستان ‬ثم ‬ألبانيا، ‬وصولاً ‬إلى ‬ظلمات ‬السجون ‬المصرية، ‬حتى ‬خرجت ‬مؤخراً.‬
فى ‬هذه ‬الأثناء ‬كنت ‬أشعر ‬بأن ‬‮«‬فلوس ‬الجمرك ‬حرام‮»‬، ‬فالرشاوى ‬منتشرة ‬بشكل ‬رهيب، ‬والذمة ‬والضمير ‬لا ‬مكان ‬لهما ‬فى ‬التعامل، ‬حتى ‬التقيت ‬الشيخ ‬أحمد ‬المحلاوى، ‬أحد ‬أكبر ‬مشايخ ‬السلفية ‬فى ‬مصر، ‬وتقربت ‬إليه ‬وحدثته ‬عن ‬عدم ‬ارتياحى ‬لوظيفتى، ‬فأجابنى ‬بالحديث ‬النبوى: ‬لعن ‬الله ‬الراشى ‬والمرتشى ‬والرائش.‬
عندئذٍ.. ‬عملت ‬سائقاً ‬بعض ‬الوقت، ‬وبائعاً ‬فى ‬محل ‬لمواد ‬البناء، ‬ودخلت ‬مشروعات ‬تجارية ‬صغيرة، ‬خسرت ‬فيها ‬كل ‬ما ‬أملك، ‬خلال ‬عامين، ‬وبدأت ‬بيع ‬ممتلكاتى، ‬حتى ‬جعل ‬الله ‬لى ‬مع ‬العسر ‬يسرا، ‬إذ ‬التقيت ‬بالشيخ ‬أحمد ‬فريد، ‬فقدمنى ‬إلى ‬مجموعة ‬من ‬الأخوة ‬الذين ‬ساعدونى، ‬وعرفونى ‬على ‬زملاء ‬شرفاء ‬فى ‬الجمرك، ‬فعملت ‬معهم ‬مطمئناً ‬إلى ‬أخلاقهم ‬الطيبة، ‬وابتعادهم ‬عن ‬كل ‬ما ‬يغضب ‬الله، ‬وبدأت ‬أهتم ‬أكثر ‬بحضور ‬الدروس ‬الدينية، ‬ومن ‬ثم ‬تعرفت ‬على ‬الدكتور ‬ياسر ‬برهامى، ‬وكان ‬طالب ‬علم ‬وجمعتنا ‬الأخوة ‬وأحببته ‬فى ‬الله، ‬كما ‬أحببت ‬غيره ‬من ‬رموز ‬الدعوة ‬السلفية.‬
ويضيف: ‬فى ‬عام ‬1986 ‬كانت ‬الجماعة ‬الإسلامية ‬قد ‬بدأت ‬تتشكل، ‬وكان ‬المجاهدون ‬فى ‬أفغانستان، ‬يتصدون ‬لمطامع ‬الاتحاد ‬السوفيتى ‬الأسبق، ‬وبدأت ‬الصحف ‬تنشر ‬الأنباء ‬عما ‬يتعرض ‬له ‬المسلمون ‬هناك، ‬من ‬مجازر ‬وحشية ‬همجية، ‬فقررت ‬السفر ‬إلى ‬المملكة ‬العربية ‬السعودية، ‬لأداء ‬العمرة، ‬ثم ‬التوجه ‬إلى ‬أفغانستان ‬لرؤية ‬الصورة ‬الحقيقية.‬
التجنيد
كان ‬تفكيرى ‬منصباً ‬على ‬دورى ‬فى ‬مساعدة ‬المسلمين ‬هناك، ‬ولم ‬أكن ‬أعرف ‬كيف ‬يكون ‬ذلك؟ ‬وعلى ‬هذا ‬الأساس ‬غادرت ‬مصر، ‬وفى ‬السعودية، ‬سمعت ‬خطباء ‬الحرم، ‬يحثون ‬المسلمين ‬القادرين ‬على ‬الجهاد، ‬ضد ‬الروس ‬‮«‬الكفار‮»‬، ‬والتقيت ‬بأسامة ‬بن ‬لادن، ‬الذى ‬كان ‬يلقى ‬المحاضرات ‬الحماسية ‬فى ‬الحجاج ‬والمعتمرين، ‬وكان ‬يجمع ‬التبرعات ‬لراغبى ‬الجهاد، ‬ويمولهم ‬من ‬ماله ‬الشخصى ‬أيضاً، ‬هذا ‬قبل ‬أن ‬يتوجه ‬بنفسه ‬إلى ‬أفغانستان، ‬ويصبح ‬أمير ‬المجاهدين ‬العرب ‬هناك، ‬وقبل ‬أن ‬يعرفه ‬العالم ‬بأسره.‬
وهكذا ‬أصبح ‬الطريق ‬ممهداً، ‬إذ ‬أصبحت ‬مقتنعاً ‬بأن ‬دورى ‬هو ‬أن ‬أجاهد، ‬أما ‬بالنسبة ‬للتمويل، ‬فلا ‬مشكلة، ‬لأن ‬الأخوة ‬يمولون ‬المجاهدين، ‬فتوجهت ‬من ‬السعودية ‬إلى ‬باكستان ‬ثم ‬أفغانستان، ‬ومعى ‬أخوة ‬يبلغ ‬عددهم ‬15 ‬مجاهداً ‬خرجوا ‬فى ‬سبيل ‬الله، ‬وكان ‬منهم ‬ثلاثة ‬مصريين ‬فقط.‬
ولم ‬تعترضنى ‬أى ‬مشكلة ‬مادية، ‬فى ‬ذاك ‬الوقت، ‬فقد ‬كان ‬الأخوة ‬يمولون ‬المجاهدين، ‬ويوفرون ‬لهم ‬تذاكر ‬السفر، ‬والإقامة ‬والمأكل ‬والمشرب ‬والملبس.‬
حينما ‬خرجنا ‬من ‬مطار ‬إسلام ‬أباد، ‬وجدنا ‬فى ‬انتظارنا ‬عددا ‬من ‬المجاهدين ‬العرب، ‬يهتفون ‬هتافات ‬ترحيب ‬وحماسة، ‬ثم ‬توجهنا ‬إلى ‬منزل ‬الشيخ ‬سياف، ‬فاستقبلنا ‬بحفاوة ‬بالغة، ‬ثم ‬بدأ ‬يحدثنا ‬بعربية ‬صحيحة، ‬عن ‬ذكرياته ‬حينما ‬كان ‬طالباً ‬فى ‬الدراسات ‬العليا ‬بالأزهر، ‬وعن ‬حبه ‬للقاهرة ‬وأهلها.‬
كان ‬الشيخ ‬سياف ‬رجلاً ‬ضخم ‬الجثة، ‬ذا ‬لحية ‬هائلة، ‬يقود ‬سبع ‬فصائل ‬مجاهدة، ‬حلو ‬الحديث، ‬قوى ‬الصوت، ‬وأخذ ‬يخبرنا ‬عن ‬طبيعة ‬القتال ‬ضد ‬الروس، ‬وتفاصيل ‬المكان ‬جغرافياً، ‬وبعض ‬التفاصيل ‬العسكرية ‬الأخرى، ‬وبعدها ‬بأيام ‬كنت ‬على ‬الجبهة ‬للتعرف ‬على ‬الواقع ‬ميدانياً.‬
وقررت ‬أن ‬أنضم ‬للمجاهدين ‬فى ‬منطقة ‬تسمى ‬‮«‬كونر‮»‬، ‬مجرد ‬قرية ‬صغيرة ‬حدودية، ‬وكان ‬الوصول ‬إليها ‬يقتضى ‬السير ‬يوماً ‬وليلة، ‬وكان ‬يرشدنى ‬دليل ‬أفغانى، ‬ومعنا ‬ثلاثة ‬شباب: ‬مصرى ‬وسعودى ‬وكويتى.. ‬سرنا ‬معاً ‬وسط ‬سلاسل ‬جبلية ‬رائعة، ‬يكسوها ‬اللون ‬الأخضر ‬بالكامل، ‬وكان ‬المنظر ‬بديعاً، ‬وفى ‬الوقت ‬ذاته ‬كان ‬قصف ‬الطيران ‬السوفيتى ‬ثقيلاً ‬متواصلاً، ‬إلى ‬درجة ‬أن ‬الشاب ‬الكويتى ‬لم ‬يصمد ‬واستسلم ‬للخوف ‬فهرب.. ‬ولما ‬وصلنا ‬إلى ‬كونر، ‬استقبلنا ‬شابان ‬أفغانيان ‬من ‬المجاهدين، ‬وأخذا ‬يدرباننا ‬تدريبات ‬قتالية، ‬فتعلمنا ‬فى ‬وقت ‬قصير، ‬استخدام ‬الكلاشينكوف ‬والمدافع ‬المضادة ‬للطائرات، ‬وال ‬‮«‬آر ‬بى ‬جيه‮»‬ ‬المضاد ‬للدبابات، ‬والقنابل ‬اليدوية، ‬وكانت ‬كونر ‬فى ‬ذاك ‬الوقت، ‬لا ‬تفعل ‬شيئاً ‬إلا ‬القتال ‬والتدريب ‬والصلاة، ‬وهكذا ‬مكثت ‬هناك ‬شهرين.‬
الظروف ‬المعيشية ‬فى ‬أفغانستان ‬كانت ‬صعبة، ‬المواد ‬الغذائية ‬نادرة، ‬والبصل ‬الغذاء ‬الرئيسى ‬للمجاهدين، ‬وفى ‬كثير ‬من ‬الأحيان، ‬لم ‬يكن ‬سهلاً ‬الحصول ‬على ‬البصل.. ‬كنا ‬نأكله ‬نيئاً ‬ونطهوه ‬فى ‬ماء ‬وملح، ‬حتى ‬يصبح ‬مستساغاً، ‬وفى ‬كثير ‬من ‬الأحيان ‬كنا ‬نكتفى ‬بالشاى ‬الأخضر، ‬و«سف ‬السكر‮»‬ ‬حتى ‬يمدنا ‬بالطاقة.‬
كان ‬تناول ‬وجبة ‬بها ‬القليل ‬من ‬اللحوم ‬أشبه ‬بالمستحيل، ‬ولم ‬يكن ‬هذا ‬المستحيل ‬يتحقق ‬إلا ‬حينما ‬تكرمنا ‬عائلة ‬أفغانية، ‬من ‬حين ‬لآخر، ‬بذبح ‬خروف، ‬أو ‬بعض ‬دجاجات، ‬وفى ‬مثل ‬هذه ‬‮«‬المناسبات ‬المهمة‮»‬ ‬كنا ‬نحتفل ‬من ‬شدة ‬الفرح.‬
ومن ‬ذكريات ‬هذه ‬المرحلة، ‬أن ‬الطيران ‬الروسى ‬أخذ ‬يقصف ‬قصفاً ‬شرساً ‬لمدة ‬15 ‬يوماً، ‬فاختبأنا ‬فى ‬الكهوف، ‬وكنا ‬لا ‬نخرج ‬إلا ‬نادراً، ‬لأن ‬أسلحتنا ‬كانت ‬بدائية ‬لا ‬تقوى ‬على ‬مثل ‬هذه ‬المواجهة، ‬وقد ‬أسفر ‬القصف ‬عن ‬تدمير ‬أجزاء ‬كبيرة ‬من ‬كونر، ‬ولما ‬خرجنا ‬كانت ‬القرية ‬أشبه ‬بقرية ‬أشباح، ‬إلى ‬درجة ‬أن ‬جثث ‬الأغنام ‬والبغال ‬كانت ‬متفحمة، ‬كل ‬هذا ‬كان ‬يحدث، ‬وأسرتى ‬فى ‬مصر، ‬لا ‬تعلم ‬عنى ‬شيئاً، ‬فقد ‬كانت ‬التعليمات ‬تقضى ‬بألا ‬يخبر ‬المجاهد ‬أهله.‬
أرض ‬المعركة
بعد ‬انتهاء ‬شهرين، ‬عدت ‬إلى ‬مصر ‬عبر ‬الأردن، ‬لأواصل ‬عملى ‬مستخلصاً ‬بالجمارك، ‬لكن ‬قلبى ‬كان ‬قد ‬تعلق ‬بالجهاد، ‬وصرت ‬أشعر ‬برغبة ‬شديدة ‬فى ‬العودة ‬إلى ‬أرض ‬المعركة.‬
تعاطفت ‬مع ‬الشعب ‬الأفغانى، ‬لأنهم ‬مع ‬الأسف، ‬أكثر ‬تديناً ‬من ‬العرب، ‬حيث ‬ترتدى ‬النساء ‬ما ‬يسترهن ‬بالكامل، ‬والرجال ‬يطلقون ‬اللحى ‬اتباعاً ‬للسنة، ‬فعرفت ‬حينها ‬كيف ‬يقام ‬المجتمع ‬المسلم، ‬وحزنت ‬على ‬حال ‬العرب.‬
فى ‬مصر، ‬ازداد ‬حرصى ‬على ‬الدروس ‬الدينية، ‬وتقربت ‬من ‬أعضاء ‬وقيادات ‬الجماعة ‬الإسلامية ‬‮«‬لأنهم ‬الأكثر ‬تطبيقاً ‬والتزاماً ‬بالشرع‮»‬، ‬وأصبحت ‬مقتنعاً ‬بأفكارهم ‬حول ‬الدولة ‬الإسلامية، ‬وضرورة ‬تأسيس ‬الخلافة، ‬وآمنت ‬بمنهجهم ‬الدعوى ‬القائم ‬على ‬الموعظة ‬الحسنة، ‬كما ‬تقضى ‬سنة ‬الرسول، ‬صلى ‬الله ‬عليه ‬وسلم، ‬وأصبحت ‬من ‬أشد ‬المؤمنين ‬بفكر ‬الشيخ ‬عمر ‬عبدالرحمن.‬
أسباب ‬أخرى ‬جعلتنى ‬أميل ‬للجماعة ‬الإسلامية، ‬أبرزها ‬أن ‬الجماعة ‬منظمة، ‬ولها ‬هيكل ‬إدارى، ‬على ‬عكس ‬السلفيين، ‬غير ‬المنظمين، ‬هذا ‬بالإضافة ‬إلى ‬امتلاكها ‬تصوراً ‬حول ‬شكل ‬الدولة ‬الإسلامية ‬وطبيعتها، ‬وكانت ‬الجماعة ‬ترى ‬أن ‬الجهاد ‬فرض ‬عين ‬وواجب ‬على ‬كل ‬المسلمين، ‬وأن ‬كل ‬مسلم ‬غير ‬قادر ‬على ‬الجهاد، ‬يجب ‬أن ‬يستعد ‬له، ‬حتى ‬تسقط ‬عنه ‬الفريضة.. ‬وهو ‬الأمر ‬الذى ‬نص ‬عليه ‬كتاب ‬‮«‬حتمية ‬المواجهة‮»‬ ‬لكرم ‬زهدى ‬وناجح ‬إبراهيم.‬
الإقبال ‬على ‬الدروس ‬الدينية، ‬وضعنى ‬تحت ‬أعين ‬جهاز ‬أمن ‬الدولة، ‬فأصبحت ‬مطارداً، ‬وزوار ‬الفجر ‬يداهمون ‬بيتى ‬من ‬وقت ‬لآخر، ‬وتم ‬اعتقالى ‬فى ‬أمن ‬الدولة، ‬لمدة ‬ستة ‬أشهر، ‬تعرضت ‬خلالها ‬لأشكال ‬من ‬العذاب ‬لا ‬تخطر ‬على ‬بال ‬الشياطين، ‬وحين ‬خرجت ‬قررت ‬أن ‬أعود ‬إلى ‬أفغانستان ‬فيتركوا ‬أسرتى ‬وشأنها، ‬وأتخلص ‬من ‬الجحيم ‬الذى ‬أصبح ‬يلاحقنى ‬ليلاً ‬ونهارًا.‬
سافرت ‬إلى ‬المملكة ‬العربية ‬السعودية ‬مرةً ‬ثانية، ‬لكن ‬فى ‬هذه ‬المرة، ‬كنت ‬مع ‬الأخوة ‬من ‬الجماعة ‬الإسلامية، ‬ومنها ‬إلى ‬أفغانستان، ‬حيث ‬مكثت ‬ست ‬سنوات ‬أجاهد ‬الروس ‬وأقاتل ‬الشيوعيين، ‬وعشت ‬فى ‬هذه ‬المرة ‬فى ‬مدينة ‬بيشاور ‬الباكستانية، ‬التى ‬كانت ‬تتخذ ‬موقعاً ‬للهجوم ‬على ‬الروس، ‬فى ‬حرب ‬طويلة ‬شرسة، ‬اعتمدت ‬على ‬الكر ‬والفر، ‬والاختباء ‬فى ‬الكهوف ‬والسلاسل ‬الجبلية ‬الوعرة.‬
فى ‬بيشاور، ‬كانت ‬هناك ‬فرق ‬مختلفة ‬للمجاهدين، ‬وكان ‬أعضاء ‬الجماعة ‬الإسلامية ‬كثيرين، ‬هذا ‬بالإضافة ‬إلى ‬مجاهدين ‬ينتمون ‬لتنظيم ‬الجهاد ‬والقاعدة، ‬وكان ‬أعضاء ‬الجهاد ‬والقاعدة ‬مترابطين، ‬على ‬عكس ‬الجماعة ‬الإسلامية، ‬التى ‬رفضت ‬الانضمام ‬لهم، ‬لوجود ‬اختلافات ‬مذهبية ‬وفقهية ‬جذرية.‬
جهاد ‬الإخوان
الإخوان ‬المسلمون ‬تواجدوا ‬بأفغانستان، ‬فى ‬معسكرات ‬خاصة، ‬يشرف ‬عليها ‬الدكتور ‬كمال ‬الهلباوى، ‬القيادى ‬المنشق ‬عن ‬الجماعة، ‬غير ‬أن ‬مهمة ‬الإخوان ‬كانت ‬إغاثية ‬أكثر ‬من ‬كونها ‬جهادية، ‬هذا ‬بالإضافة ‬إلى ‬الجانب ‬الإعلامى ‬لتعريف ‬الأمة ‬الإسلامية ‬بما ‬يحدث ‬فى ‬أفغانستان.‬
وبدأت ‬الجماعة ‬الإسلامية ‬بدورها ‬تروج ‬لفكرها، ‬وتدعو ‬للجهاد ‬ضد ‬الشيوعيين، ‬فأسست ‬هناك ‬مجلة ‬‮«‬المرابطون‮»‬ ‬وأصبحت ‬إلى ‬جانب ‬دورى ‬على ‬خطوط ‬القتال، ‬مديراً ‬لتحريرها، ‬ويرأسنى ‬الشيخ ‬طلعت ‬فؤاد ‬قاسم، ‬المسئول ‬العام ‬عن ‬الشق ‬الإعلامى ‬بالجماعة، ‬وكانت ‬شهرته ‬أبوطلال.. ‬وقد ‬اغتيل ‬أبوطلال، ‬على ‬يد ‬رجال ‬الدولة ‬المصرية، ‬بعد ‬اختطافه ‬من ‬الدنمارك، ‬كما ‬عرفنا ‬فيما ‬بعد.‬
وتكررت ‬عمليات ‬الاختطاف، ‬ومن ‬أبرزها ‬خطف ‬الدكتور ‬أبوالحسن ‬الشاعر، ‬حين ‬كان ‬يعد ‬دراسات ‬إسلامية ‬فى ‬جامعة ‬إسلام ‬أباد.‬
المجاهدون ‬استطاعوا ‬إنهاك ‬الجيش ‬الروسى، ‬وتكبيده ‬خسائر ‬مؤلمة، ‬رغم ‬الفرق ‬الكبير ‬فى ‬تسليح ‬ومعدات ‬الجانبين، ‬كنا ‬نحارب ‬حرب ‬عصابات.. ‬نحدد ‬أهدافاً ‬صغيرة، ‬ونوقع ‬الجنود ‬الروس ‬فى ‬كمائن، ‬ثم ‬نفر ‬إلى ‬الجبال ‬نحتمى ‬بها، ‬وكان ‬الله ‬يسدد ‬خطانا ‬ومعنا ‬جند ‬من ‬السماء، ‬فاضطر ‬الجيش ‬السوفيتى ‬بكل ‬جبروته، ‬إلى ‬سحب ‬قواته ‬من ‬أفغانستان، ‬ودخل ‬الأفغان ‬كابول، ‬ومن ‬ثم ‬لم ‬يعد ‬هناك ‬مبرر ‬لبقاء ‬المجاهدين ‬العرب، ‬فعاد ‬البعض ‬إلى ‬أوطانهم، ‬لكن ‬المصريين ‬لم ‬يكن ‬بإمكانهم ‬العودة، ‬لأن ‬أمن ‬الدولة ‬كان ‬‮«‬يفصل‮»‬ ‬لهم ‬تهماً ‬عنوانها ‬‮«‬العائدون ‬من ‬أفغانستان‮»‬.‬
إلى ‬أين ‬أذهب؟.. ‬ضاقت ‬الأرض، ‬وأصبحت ‬أبواب ‬وطنى ‬مغلقة ‬أمامى.‬
هكذا ‬كانت ‬نفسى ‬تحدثنى ‬فى ‬هذه ‬الفترة، ‬لا ‬أعلم ‬أين ‬أذهب، ‬وإلى ‬أين ‬أنتهى ‬من ‬غربتى؟.. ‬حتى ‬وصلت ‬إلى ‬ألبانيا، ‬بترتيب ‬ومساعدة ‬من ‬أحد ‬الأخوة ‬فى ‬الجماعة ‬الإسلامية ‬هناك.‬
لم ‬يكن ‬البقاء ‬فى ‬ألبانيا ‬فى ‬ظل ‬ظروفها ‬المتردية ‬أمراً ‬سهلاً، ‬فحاولت ‬السفر ‬إلى ‬بريطانيا، ‬لأن ‬عدداً ‬كبيراً ‬من ‬أعضاء ‬الجماعة ‬كانوا ‬لاجئين ‬هناك، ‬لكن ‬محاولاتى ‬فشلت، ‬فغادرت ‬إلى ‬مقدونيا، ‬ومنها ‬إلى ‬ألمانيا، ‬حيث ‬عملت ‬بائع ‬خضروات، ‬وفى ‬هذه ‬الأثناء، ‬أصدرت ‬المحكمة ‬العسكرية ‬حكماً ‬غيابياً ‬بسجنى ‬15 ‬عاماً، ‬فقررت ‬ألا ‬أعود ‬إلى ‬مصر ‬على ‬الإطلاق.‬
لم ‬يستغرق ‬وجودى ‬فى ‬ألمانيا ‬وقتاً ‬طويلاً، ‬وتقدمت ‬بطلب ‬لجوء ‬سياسى، ‬لكن ‬لم ‬يستجب ‬له، ‬فغادرت ‬ألمانيا ‬إلى ‬أيرلندا، ‬وهناك ‬عملت ‬‮«‬جزاراً‮»‬ ‬أبيع ‬اللحوم ‬المذبوحة ‬وفق ‬الشريعة ‬الإسلامية، ‬حتى ‬سقط ‬نظام ‬مبارك، ‬وعدت ‬إلى ‬مصر، ‬كما ‬شرحت ‬فى ‬بداية ‬حديثى.. ‬ويختتم ‬الشيخ ‬محمد ‬أبوغريبة ‬حديثه ‬قائلاً: ‬أقوم ‬حالياً ‬بالتواصل ‬مع ‬الإخوة ‬الذين ‬شاركونى ‬أيام ‬الجهاد، ‬وأواصل ‬تحصيل ‬العلم ‬الشرعى، ‬وعندى ‬أمل ‬كبير ‬فى ‬أن ‬نعيد ‬إصدار ‬مجلة ‬‮«‬المرابطون‮»‬ ‬لتكون ‬لسان ‬حال ‬الجماعة ‬الإسلامية، ‬وتساهم ‬فى ‬نشر ‬الدعوة.‬
كلكم ‬كفار
لا ‬أنسى ‬المشاجرات ‬العنيفة ‬التى ‬كانت ‬تقع ‬بين ‬الجماعات ‬التكفيرية ‬وجماعات ‬الجهاد ‬والجماعة ‬الإسلامية ‬أثناء ‬تواجدى ‬فى ‬سجن ‬العقرب ‬بعد ‬عودتى ‬إلى ‬مصر ‬فى ‬المرة ‬الثانية.‬
وتمثلت ‬أسباب ‬المشاجرات ‬فى ‬أن ‬أفراد ‬الجماعة ‬كانوا ‬يحاولون ‬إقناع ‬التكفيريين ‬بالتراجع ‬عن ‬أفكارهم ‬عبر ‬مراجعات ‬فقهية، ‬لكنهم ‬كانوا ‬يرفضون ‬النقاش ‬من ‬الأساس.‬
وخلال ‬جلسة ‬مع ‬أحد ‬التكفيريين ‬قال ‬إن ‬محمد ‬مرسى ‬كافر، ‬لأنه ‬حلف ‬على ‬الدستور، ‬فناقشته ‬بالحجة، ‬وقلت ‬له ‬إن ‬الرئيس ‬يصلى ‬ويصوم ‬ويراعى ‬الله ‬فينا.. ‬فما ‬كان ‬منه ‬إلا ‬أن ‬صرخ ‬فى ‬وجهى: ‬‮«‬إنت ‬كمان ‬كافر‮»‬.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.