«مانديلا الجنوب ورحلتى إلى جوبا»، سفر المحبة لجنوب السودان، بعيون مصرية عاشقة لإفريقيا السمراء، سالى عاطف تقدم لنا كتاب رحلات متفرد، هناك من عمق النهر وعشق أدغال إفريقيا المجهولة، والمنسية منذ سنين، من 2005 تفتحت عيون سالى إلى مكتب جنوب السودان، قبل الاستقلال، هناك كانت الصورة التى جسدت أحلام الجنوب والفتاة نحو الفارس الذى حرر الجنوب جون قرنق، ومن رؤية الصورة انطلق الحلم بجناحى الفارس. «مانديلا الجنوب» كتاب يحوى بعد المقدمة، فكرة عامة، ونبذة عن تاريخ الجنوب، ونشأة ودراسة جون قرنق، ورحلة التمرد، نقطة تحول، تفاصيل وفاته، أسرته الصغيرة، أقواله الشهيرة، قالوا عنه، ملفات معلقة، فلاش باك جنوب السودان 2005 / 2018 حتى الوضع الحالى للجنوب، وبعض مقالات الكاتبة. كل ذلك فى 180 صفحة من القطع المتوسط. يبدو الكتاب من الوهلة الأولى كما لو كان من «أدب الرحلات»، ولكنه يحمل رؤية أكاديمية فى البحث والمنهجية، كتب بلغة صحفية لكى يدركها جميع أنماط القراء، من يريد أن يعرف تاريخ السودان شمالًا وجنوبًا سيجد مبتغاه، ومن يحاول معرفة الصراع بين الشمال والجنوب سيدرك ما يريد، وسيجد كل الاتفاقات والحروب والسلام، ولكن ما تفرد به الكتاب هو رؤية الفارس جون قرنق، ولقد تقابلت مع جون قرنق أكثر من مرة أيام عملى على الأقليات، وكان حلم الرجل من يكتب عنه ليس بكونه انفصاليًا -كما يكتب كثيرون- وكيف كانت رؤيته سودان موحد علمانى وليس انفصال الجنوب، هذا ما عبرت عنه سالى عاطف وكأنها ابنته تحقق له وصيته، (يتناول الكتاب قصة الزعيم الراحل دكتور «جون قرنق دى مبيور» أسمر اللون الذى حول شعب جنوب السودان من العبودية إلى الاستقلال، وظل يحارب أكثر من عشرين عامًا لتحقيق فكرة مشروع السودان الجديد الذى يرى فيه أن التنوع الثقافى والدينى والقومى للشعب الواحد. يمكن أن يكون اتفاق ووحدة أكثر من كونه شرارة للصراع منذ عام 1983. يقدم الكتاب تاريخًا مهمًا لكيف كلف الرئيس جعفر نميرى الضابط جون قرنق لسحق الجنوبيين المتمردين إلا أنه اقتنع بمطالب الجنوبيين وقادهم نحو النصر والاستقلال. هذا كان حلم قرنق لسودان موحد علمانى ديمقراطى، ولكن كان هناك من هم ضد ذلك، وأعتقد أن حولهم يحوم شبهة مقتله فى تحطم الطائرة عام 2005 ؟! كما يتفرد الكتاب بعرض الجانب الأسرى فى حياة قرنق وزوجته المناضلة «ريبكا دى مبيور». يتناول الكتاب سرد عميق للخلافات داخل حركة تحرير جنوب السودان من 1989 وحتى 1995، والصراعات القبلية بين الدينكا والشلوك والنوير إلخ، وبروح الابنة المحبة كتبت سالى ما لم يكتبه أحد عن الجذور ومولده 23 يونيو 1945 بمقاطعة «بور» بولاية «جونفلى» من أسرة مسيحية، من قبيلة الدينكا، وكيف تعلم الابتدائية جنبًا إلى جنب مع حب الموسيقى ورعاية الغنم، وكأنه داود ابن يسى، حتى حصوله على الدكتوراه من جامعة بولاية «ايو» 1981 حول «أطروحة على التنمية الزراعية بجنوب السودان». هكذا نحن أمام ملحمة أدبية سياسية، لجيل جديد من الصحفيات المصريات المتخصصات فى الشئون الإفريقية، ورئيس تحرير وموقع الصباح، ومدير إذاعة دريم أف أم جوبا بدولة جنوب السودان. تحية للفارس والكاتبة ولكل الشعوب التى تناضل من أجل الحرية والاستقلال، وفى انتظار كتب ورحلات أخرى من سالى عاطف عن القارة السمراء قارتنا التى تناسيناها كثيرًا.