لم يلق المرشحون بالا إلى الثقافة المصرية في برامجهم الإنتخابية، حتى أنه لم يحدد أي منهم خططا واضحة لما سيتم من مشروعات أو إصلاح في مجال الثقافة، إلا من خلال حديث مرسل عن أهمية الثقافة ووجوب الالتفات لها على المستويين التنظيمي والتدعيمي، هنا نحاول أن نرى الصورة من خلال أعين المثقفين، كيف يرون الثقافة في ظل تولي أيا من المرشحين المتنافسين لرئاسة مصر عقب أول انتخابات تتعدد فيها الأطياف والمرجعيات الفكرية والسياسية. في البداية يؤكد الروائي والكاتب يوسف القعيد أن الثقافة هي محور اهتمامه خلال متابعته لمارثون السباق الرئاسي، ولهذا فقد كان حريصا على التدقيق في ما يعرضونه والذي يكشف بشكل واضح وصريح عما سيكون عليه الحال في حال وصولهم الحكم. عبر القعيد عن اندهاشه من عدم معرفة المرشح عمرو موسى بوجود مجلس أعلى للثقافة والمنشأ في مصر منذ خمسينيات القرن الماضي، واقتراحه لإنشاء واحد في برنامجه الإنتخابي، وهو ما يدل على عدم اهتمامه بالثقافة أو مؤسساتها حتى أنه لا يعلم عنها شيئا، فتخيل ما يمكن أن يكون عليه الوضع في حال أصبح رئيسا، في حين لم يحاول الفريق أحمد شفيق أن يتعمق في قضية حريات الإبداع وناور في الإجابة عن سؤال حول القضية المرفوعة ضد الفنان عادل إمام مجيبا بأنه لن يتدخل في عمل القضاء أيا كان الوضع، دون أن يتحدث عن فكرة الحريات وكيفية تعامله معها. أما بالنسبة لبقية المرشحين فيبدي القعيد انزعاجه من وجود ثلاثة مرشحين أصحاب مرحعية دينية، نظرا لأنه يرى أن الدولة المدنية هي الخلاص الحقيقي لمصر، يقول: "لقد رفع أبو الفتوح سقف الحرية حتى أنه ليس لديه مانع من تدريس رواية "اولاد حارتنا" لنجيب محفوظ في المدارس، كما أن موقف سليم العوا كان معارضا لمنع نشرها في مصر، لكن ذلك كله لا يطمأنني بشكل شخصي". فيما ترى الروائية عزة رشاد أن الكتاب يظهر من عنوانه، ففي حال وصول السيد عمرو موسى إلى كرسي الرئاسة فلن يختلف الوضع كثيرا عما كان عليه في عهد الرئيس المخلع حسني مبارك، إذ ستبقى العلاقة ما بين السلطة والمثقف كما هي تغلفها النفعية من الطرفين يعمل المثقف على تسويق خطوات وأفكار السلطة فيما تقرب السلطة من يفعل ذلك فقط، مشيرة إلى أن الفارق الوحيد الذي سيكون هو حالة الإحباط العامة التي ستنتاب المثقفين نظرا لإحساسهم بأن الثورة فشلت فلن تستمر روح المقاومة والرغبة والعمل على التغيير والتي كانت تحرك المثقف في عهد المخلوع. تعد عزة رشاد سيناريو وصول الفريق أحمد شفيق إلى الحكم هو الأسوأ، إذ سيتم التعامل مع المثقفين من خلال الملاحقات الأمنية للمعارضين للنظام من المثقفين، لنصبح أمام ثقافة "متشحورة" ومثقفين محبطين أو منبطحين بعد أن اعتقدنا أن الثورة أحدثت نقلة نوعية في الحياة الثقافية. بالنسبة لحمدين صباحي والذي ترى رشاد أنه الأكثر انفتاحا وقدرة على تحقيق ما ترغب في أن تكون عليه أوضاع الثقافة في مصر، من انتعاش وإزالة للقيود عن الإبداع، مضيفة بقولها: "هذا ماهو عليه الوضع الآن، لكن التأكيد على نسبة ديمقراطية صباحي لن يمكن لمسها إلا بعد ان يمر من خلال اختبارات حقيقة خلال سنوات حكمه. على الجانب المرشحين الإسلاميين ترى صاحبة رواية "ذاكرة التيه" أن عبد المنعم أبو الفتوح "معقول شوية" عن محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة، إذ أن وضعه السياسي الحالي والذي يمثل من خلاله حالة وسط بين اثنين، تقول: "حسب شخصيته لو تم الضغط عليه من قبل المثقفين سيفعل ما يريدونه وما يرضيهم، في حين أن الأمر مختلف تماما مع مرسي الذي ينطلق من مرجعية تحرم أشكال الإبداع ويتمسك بها". ما يقلق عزة رشاد هو أن نتيجة الإنتخابات لا يمكن الإنقلاب عليها، لأنها نتيجة لممارسة عملية ديمقراطية، الشعب هو من يختار وعليه أن يتحمل نتيجة اختياره، وسنعيش حينها في فترة مرتبكة حتى يعاودوا اكتشاف الخطأ ويبدأوا في التعامل معه. أما الكاتبة فريدة النقاش فقسمت المرشحين إلى فريقين، فريق الإسلام السياسي، والفريق الآخر الليبراليين واليساريين، تقول: "في حال وصول أحد من الإسلاميين إلى كرسي الرئاسة، بما يعكسه من محافظة وتزمت، فسيتم ملاحقة الفن كما شهدنا في الشهور الأخيرة وستنشأ العديد من المشاكل بسبب وجود الرقابة على كل أشكال الإبداع وخصوصا السينما والمسرح". لا تلمح النقاش فروقا واضحة بين أيا من أصحاب المرجعيات الإسلامية، فأبو الفتوح –كما تراه- هو بألف وجه مع السلفيين سلفي ومع الليبراليين ليبرالي، وتضيف: "لديه تصريحات تدل على التوجه الرقابي والعقابي في تعامله مع ما يخلافه". وهو الحال مع المرشح محمد مرسي، والذي لا يحاول تجميل نفسه كما يفعل أبو الفتوح، "بل يحرص على عكس التوجه القطبي" نسبة إلى سيد قطب، في خطابه المتشدد وبالغ الرجعية" حسب قولها. أما الفريق الأخر من المرشحين، تؤكد النقاش: "اليساري بالطبع سيدعم كل مؤسسات الثقافة لأن مشروعه يراهن على الثقافة، كما سيفتح الليبراليون السوق بما يساعد على إشاعة الحريات والدفاع عن حقوق المبدعين، مع إلغاء كافة أشكال الرقابة". تقول: "ستكون الحريات في أمان "بالقطع" مع عمرو موسى لأنه رجل دولة يعرف العالم جيدا ويعرف أن حرية الفكر والثقافة هي الداعمة لوجود الدولة". في حين أبدت تخوفها من أحمد شفيق والذي تراه ذو عقليه عسكريه قد تقوده لارتكاب حماقات كبيرة جدا في حق الإبداع والمبدعين. فيما رفض الشاعر زين العابدين فؤاد، أن يدخل في لعبة تخيل سيناريو منفصل في حال وصول أي من هؤلاء المرشحين للحكم معللا ذلك بقوله: أي مرشح –أفضل مرشح من وجهة نظري وهو خالد علي- لن يمثل الشعب المصري، وأسوأهم كذلك، وعن نفسي لا أرى أن برنامج الثورة مطروح في أي من برامج هؤلاء المرشحين، وعليه فيجب على الثوار استكمال نضالهم وحركتهم في الشارع من أجل استكمال الثورة وأهدافها". مشيرا – كما جميع من تحدثنا معهم- إلى أن الثقافة لم تكن موجودة بشكل ملفت في برامج المرشحين، ومؤكدا على أن للثقافة مفتاحين أولهما التعليم وثانيهما الإعلام، في حال تم إصلاح كلاهما معا سينصلح حال الثقافة في الحال.