لا تظلموا أحداً ولو بسوء ظنِّكم فإنَّ ربَّكم لا يجاوز ظلم ظالم .... " عبد القادر الجيلاني" عبد القادر الجيلي أو الجيلاني أو الكيلاني ولد في 11 ربيع الثاني سنة 470 ه الموافق 1077م، هو أبو محمد عبد القادر بن موسى بن عبد الله، يعرف ويلقب في التراث المغاربي بالشيخ بوعلام الجيلاني، وبالمشرق عبد القادر الجيلاني، ويعرف أيضا ب"سلطان الأولياء"، وهو إمام صوفي وفقيه حنبلي، لقبه أتباعه ب"باز الله الأشهب" و"تاج العارفين" و"محيي الدين" و"قطب بغداد". وإليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية. سَقَانِي إِلهيِ مِنْ كؤوس شَرَابِهِ ... فَأَسْكَرَنِي حَقَاً فَهِمْتُ بِسَكْرتِي وحَكْمَنِي جِمْع الدِّنَانِ بِمَا حَوَى ... وَكُلُّ مُلُوكِ الْعَالمِينَ رَعِيَّتي وَفيِ حَانِنَا فادْخُلْ تَرَ الْكَأْسَ دَائِراً ... وَمَا شَرِبَ العُشَّاقُ إِلاَّ بَقِيَّتي رُفِعْتُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي الْحُبَّ فِي الْوَرَى ... فَقَرَّبَني الْمَوْلَى وَفُزْتُ بِنَظْرَةِ وَجَالَتْ خُيُولِي فِي الأَرَاضِي جَمِعَها ... وَزُفَّتْ لِيَ الْكَاسَاتُ مِنْ كُلِّ وِجْهَةِ
روى ابن القيم قصة للشيخ عبد القادر الجيلانى مع الشيطان، قال الجيلاني:" إشتد على الحر فى بعض الأسفار يوما حتى كدت أن أموت عطشا ، فظللتنى سحابة سوداء وهب على منها هواء بارد حتى دار ريقى فى فمى ، واذا بصوت ينادينى منها : يا عبد القادر ، أنا ربك !فقلت له : أنت الله الذى لا إله إلا هو ؟!، فقال : فنادانى ثانيا ، فقال : يا عبد القادر ، أنا ربك ، وقد أحللت لك ما حرمت عليك ، قال : فقلت له : كذبت يا عدو الله ، بل أنت شيطان ، قال : فتمزقت تلك السحابة وسمعت من ورائى قائلا : يا عبد القادر نجوت منى بفقهك فى دينك ، لقد فتنت بهذه الحيلة قبلك سبعين رجلاً .. قيل للشيخ : كيف عرفت أنه شيطان ؟ قال : من حين قال : " أحللت لك " عرفته ، لأن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحليل ولا تحريم ، قال شيخ الاسلام ابن تيمية : ما عظمت عبد القار إلا بكلامه فى القدر وحكايته مع الشيطان أورد ذلك ابن مفلح المقدسى فى " مصائب الانسان " وقال - عند قوله : " أأنت الله الذى لا إله إلا هو " قال : فعدل الشيخ - يعنى عبد القادر - عن الاسم المشترك - قلت : يعنى الرب ، فقد قال الشيطان له : أنا ربك ولم يستطع أن يقول : أنا الله - الى الاسم المختص بالواحد الاحد سبحانه . وقال فى آخر القصة : فنفعه الله بالعلم النافع.
ترك الشيخ عبد القادر الجيلاني، وراءه مصنفات عديدة فى الأصول والفروع، وفى الأحوال والحقائق، من بينها «إغاثة العارفين وغاية منى الواصلين» و«آداب السلوك» و«تحفة المتقين وسبيل العارفين» و«جلال الخاطر فى الباطن والظاهر» و«حزب الرجاء والانتهاء» و«الغنية لطالبى الحق» و«الفتح الربانى والفيض الرحمانى» و«الفيوضات الربانية» و«يواقيت الحكم» و«فتوح الغيب» و«الطريق إلى الله» و«بهجة الأسرار» و«الرد على الرافضة» و«كيمياء السعادة لمن أراد الحسنى وزيادة» وغيرها. عاش الجيلانى واحدا وتسعين عاما، وتوفى سنة 561 ه، ودفن بمدرسة بغداد، التى ظل طيلة حياته معلما فيها، ويقال إن آخر ما خرج من لسانه أوصى به ولده قائلا: «لا تخف أحداً ولا ترجه، وأوكل الحوائج كلها إلى الله، واطلبها منه، ولا تثق بأحدٍ سوى الله عز وجل، ولا تعتمد إلا عليه سبحانه. التوحيد، وجماع الكل التوحيد». أَنَا مِنْ رِجَالِ لاَ يَخَافُ جَليسُهُمْ .. رَيْبَ الزَّمَانِ وَلاَ يَرى مَا يَرْهَبُ أَنَا بُلْبُلُ الأَفْرَاحِ أَمْلأَ دَوْحَها .. طَرَباً وَفِي الْعَلْيَاءِ بَازٌ أَشْهَبُ أَضْحَتْ جُيُوشُ الحُبِّ تَحْتَ مَشِيئَتي .. طَوْعاً وَمَهْمَا رُمْتُهُ لاَ يَعْزُبُ مَا زِلْتُ أَرْتَعُ فِي مَيَادِينِ الرِّضَا .. حَتَّى بَلَغْتُ مَكَانَةً لاَ تُوهَبُ أَضْحَى الزَّمَانُ كَحُلَّةٍ مَرْقُومَة .. نَزْهُو وَنَحْنُ لَهَا الطِّرَازُ المُذْهَبُ أَفَلتْ شُمُوسُ الأَوَّلِينَ وَشَمْسُنَا.. أَبَداً عَلَى فَلَكِ الْعُلَى لاَ تَغْرُبُ
رد الشيخ الجيلاني بالموعظة الحسنة، كثيراً من الحكام الظالمين عن ظلمهم، وأن يردَّ كثيراً من الضالين عن ضلالتهم وخصَّ الحاكمين بانتقاداته و حذّر الناس من الانصياع لهم بما يخالف الشريعة.
قال في أحد مجالسه: "صارت الملوك لكثير من الخلق آلهة، قد صارت الدنيا والغنى والعافية والحول والقوة آلهة، و يحكم جعلتم الفرع أصلاً، المرزوق رازقاً، والمملوك مالكاً، الفقير غنياً، العاجز قويا والميت حياً، .. إذا عَّظمت جبابرة الدنيا وفراعينها وملوكها وأغنياءها ونسيت الله عز وجل ولم تعظِّمه، فحكمك حكم من عبد الأصنام، تصيّر مَنْ عظّمتَ صنمَك" ، وانتقد الولاة و الموظفين الذين يجتهدون في تنفيذ أوامر السلاطين دون تحرز.
عام 541ه /1146م ولّى الخليفة محمد المقتفي لأمر الله يحيى بن سعيد المعروف بابن المرجم القضاء، فمضى في ظلم الرعايا ومصادرة الأموال وأخذ الرشاوي، فكتبت ضده المنشورات وألصقت في المساجد و الشوارع دون أن يستطيع أحد أن يجهر بمعارضته، و يذكر سبط ابن الجوزي أن الشيخ عبد القادر، اغتنم وجود الخليفة في المسجد و خاطبه من على المنبر قائلاً "وليت على المسلمين أظلم الظالمين و ما جوابك غداً عند رب العالمين" ، فعزل الخليفة القاضي المذكور و لقد تكررت هذه المواقف مع الوزراء و الرؤساء والحجاب.
قال نصر النميري في رثائه للشيخ عبد القادر بعد وفاته: ذو المقام العليّ في الزهد .. لا ينكر قول المحب فيه الحسود والفقيه الذي تعذر أن يلقى .. له في الورى جميعاً نديدُ تترامى إليه في العلم بالله .. وبالحكم في الفتوى الوفود يخشع القلب عنده ويظل .. الدمع يجري وتقشعر الجلود يلتقي النجح ملتقيه ويُعطى .. عنده غاية المراد المريد مات من كانت الأقاليم تُسقى .. لغيث أغوارها به و النجود سيد الأولياء في الشرق والغرب.. وبحر الفضائل المورود