غاب عن مجتمعنا الكثير من العادات الاجتماعية الموروثة، وحلت محلها عادات أخرى خاصة فيما يتعلق بطقوس الأفراح والحفلات، فنجد مثلاً احتلال ال«دى جى» لمنصات المسارح والأفراح، واستبدال المداحين بالفرق الموسيقية الحديثة، الأمر الذى يقضى على التراث يومًا بعد الآخر، إلا أن هناك فنانين وموهوبين رفضوا أن يندثر فن المديح، معظمهن من المداحات، اللاتى شكلن فريقًا جابوا من خلاله أفراح وأماكن عدة. نعمة فتحى السيد، صاحبة ال 26 عامًا، ورئيسة الفرقة، قالت: «منذ صغرى أحب الإنشاد وسعيت إلى حلمى حتى شاركت فى العديد من الحفلات والأمسيات الدينية، وبادرت فى مايو قبل الماضى بتأسيس فرقة «الحور»، وكانت فى البداية تضم ثلاث فتيات فقط، حتى قمت بعمل إعلان على موقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك لمن يجد فى نفسه موهبة الإنشاد الدينى، فجاءتنى أكثر من 65 فتاة بعد الإعلان مباشرة، وأجريت عليهن مجموعة كبيرة من الاختبارات، وتم اختيار 25 فتاة بأعمار مختلفة، وهن عماد الفريق حتى الآن». وأضافت أنها شاركت فى العديد من الحفلات والأمسيات الدينية، والكثير من الحفلات الخاصة بجلسات السيدات، وتأتى لها دعوات كثيرة من كل محافظات مصر، ولكن قلة الإمكانيات وعدم وجود سكن مناسب للفتيات فى هذه المحافظات التى تُطلب فيها الفرقة يجعلها ترفض المشاركة فى أغلبها. وعبرت «نعمة» عن غضبها بسبب عدم اهتمام وزارة الثقافة بهن، وكذلك الشباب والرياضة، مطالبة بدعمهم لها حتى تكمل المسيرة التى بدأتها مع تلك الفتيات اللاتى تغنين بأصوات يطير لها الوجدان. وأشارت إلى أن الهدف من تكوين هذه الفرقة، هو الحفاظ على التراث الدينى الشعبى من مدائح نبوية وتواشيح وابتهالات من الانقراض، وحماية حقوق المداحات فى ظل ما يواجهه التراث الشعبى من تحديات تهدد بانقراضه واندثاره. وتابعت: «نسعى من خلال هذه الفرقة إلى رفع الوعى المجتمعى بالإنشاد الدينى فنيًا ودينيًا، وذلك بإحياء الحفلات الفنية الإنشادية، وتشجيع جميع الفتيات الذين يتميزون بالأصوات الجيدة للانضمام لنا للحفاظ على هذا الفن العريق. وأكدت «نعمة» أن أهم التحديات التى تواجهها، هى عدم وجود راعٍ يدعمهن ماديًا حتى يكون لهن مكان خاص يتدربن فيه، فدائمًا يقابل المداحين الشعبين بشكل عام بالتهميش من قبل المسئولين، لذلك يعتمدن بشكل كلى على الجهود الذاتية. وطالبت بضرورة حماية هذا الفن الأصيل الراقى والموروث الشعبى من قبل المسئولين، حيث إنه يمثل التراث الأصلى لجميع المصريين، مشددًا على أن هذا النوع من الإنشاد الدينى من الفنون التى تروى الحضارة والتاريخ المصرى، وصفات الرسول الحميدة، وهو من الموروثات الثمينة التى يجب الحفاظ عليها. ولفتت إلى أن فرقة الحور استطاعت بأدائها المتميز الخروج بالغناء والإنشاد الدينى من المحلية إلى العالمية، حيث تركز فى تعليم الإنشاد للفتيات على الكلمات أكثر منه الألحان، وتعتبر أن الألحان مجرد خلفية مرافقة، والفتيات تنشدن بشكل فطرى قائم بصورة أساسية على الارتجال. وعن طبيعة فرقة الحور، قالت «نعمة»: إن الفرقة أصبح لها صيت ذائع وسط الجماهير المصرية الشعبية، وخاصة الطبقات المتوسطة والفقيرة، ومن أكثر الفئات إقبالًًا على هذا النوع من الإنشاد كبار السن فهم الفئة الأكثر إحساسًا بالكلمات الراقية والتراث الشعبى الأصيل، وطبيعة عمل الفرقة هو المشاركة فى الحفلات والأمسيات الدينية بعد عمل بروفات مستمرة من مرة إلى مرتين أسبوعيًا، حسب قدرة المنشدات على الحفظ. وحول شروط الانضمام للفرقة، أوضحت رئيسة المنشدات أن تكون المتقدمة للإنشاد تتمتع بصوت حلو ومخارج ألفاظ جيدة، ويجب أن يكون الأهل موافقين على التحاق ابنتهم بالفرقة حتى لا تحدث مشاكل مستقبليًا، ومن شروط الانضمام أيضًا الحفاظ على السرية التامة، وعدم خروج أى من أسرار العمل إلى أى فرقة أخرى، وعدم الانضمام إلى أى فرقة إنشاد دينى فى الوقت الذى تمارس فيه المنشدة نشاطها فى فرقة الحور. أضافت «نعمة» أنهن يستعدن للعرض القادم، والذى يقام فى ساقية الصاوى فى السادس من سبتمبر القادم، لذلك يقمن بعمل بروفات مستمرة تصل إلى ثلاث أو أربع مرات أسبوعيًا حتى تخرج الفرقة للجماهير بشكل جديد ومتمكن من الإنشاد الدينى الصحيح. ومن بين المنشدات فى الفرقة، إسراء حسن صاحبة ال 13 عامًا، والتى عبرت عن فرحتها للانضمام إلى فرقة الحور، موضحة أنها شاركت فى حفلة ساقية الصاوى، وكان أول ظهور لها وشجعها الأهل على الإنشاد وحضور البروفات بشكل منتظم. وأوضحت هاجر على، إحدى المنشدات وصاحبة ال 21 عامًا، وتدرس فى رواق الأزهرى للعلوم الشرعية، أنها انضمت للفرقة منذ ستة أشهر، معبرة عن فخرها بالمشاركة لإحياء هذا الفن الأصيل. أما زينب عبداللطيف فهمى، فهى من المنشدات التى ذاع صيتها بشكل سريع، بمجرد مشاركتها فى أول حفلة لها مع الفرقة منذ 8 شهور، وبعد ذلك بدأت القنوات التلفزيونية بعمل لقاءات عديدة معها، وشاركت فى الكثير من الأمسيات الرمضانية وتميزت بصوتها الجميل. يذكر أن المديح، هو فن شعبى أصيل عرف منذ القدم، والتاريخ حمل الكثير من المداحات اللاتى احترفن فن المدح، وكانت أبرزهن خضرة محمد خضر وفاطمة سرحان.